عبدالغفار شكر

يتخوف الكثيرون من هيمنة الأغلبية الإسلامية الكاسحة علي أداء مجلس الشعب وقراراتهrlm;,rlm; فيتحول إلي أداة لتيار الإسلام السياسي بشقيه الإخواني والسلفي يترجم رؤية هذا التيار إلي قوانين وسياسات عامة تكرس سيطرته علي أجهزة الدولة ومجالات العمل الوطني المختلفةrlm;.rlm;


وهو تخوف لا مبرر له ينطلق أساسا من القياس علي أداء مجلس الشعب في دوراته المختلفة في ظل هيمنة الحزب الوطني الحاكم, حيث كانت الأغلبية الكاسحة لهذا الحزب تحتكر آلية اتخاذ القرار في مجلس الشعب, فلم يكن المجلس ينظر مشروعات للقوانين تقدم من المعارضة, ولا يسمح المجلس بأن تصل الإستجوابات إلي غايتها بطرح الثقة في المسئول المقدم له الإستجواب, ولا يطرح للنقاش أي قضية مالم يكن الحزب الوطني موافقا عليها. والحقيقة أن القياس علي مجلس الشعب في ظل النظام السلطوي البائد هو قياس خاطئ, لأن العلاقات داخل هذا المجلس وآليات العمل كانت محكومة بتشكيل المجلس من أغلبية كاسحة تمثل الحزب الحاكم وأقلية محدودة تمثل المعارضة, في حين أن المجلس الحالي لا توجد به حكومة ومعارضة, فجميع نوابه ينتسبون إلي المعارضة بمن في ذلك نواب التيار الإسلامي, ولا يوجد نائب واحد يمثل الحكومة لأنها حكومة تسيير أعمال لها مهمة مؤقتة سوف ينتهي دورها خلال شهور قليلة, كما أن مجالس الشعب التي تشكلت في ظل النظام السابق كانت إنتخاباتها محكومة بإرادة النظام وكان ولاء النواب المنتمين إلي الحزب الحاكم لصاحب الفضل في إختيارهم وهو قيادة النظام وليس جمهور الناخبين, علي العكس من المجلس الحالي الذي يدرك كل أعضائه بما فيهم نواب التيار الإسلامي أنهم مدينون للشعب بعضويتهم في المجلس وأنهم مطالبون بإثبات ولائهم للشعب وتعبيرهم عن مصالحه كشرط لإعادة إنتخابهم في الدورة الجديدة.
هناك أوجه إختلاف أخري بين مجلس الشعب الحالي والمجالس السابقة تؤكد أن التخوف من سيطرة نواب التيار الإسلامي لا مبرر له. فالمجالس السابقة كانت تمارس نشاطها في ظل ركود سياسي وغياب كامل للحركة الجماهيرية وتهميش القوي السياسية, لم تكن هناك أي ضغوط جماهيرية علي المجلس, ولم يكن هناك تأثير يذكر للقوي والأحزاب السياسية المعارضة فقد نجح النظام في تجريف الحياة السياسية وإحتواء الحركة السياسية والسيطرة علي النقابات العمالية وتجميد النقابات المهنية وإضعاف منظمات المجتمع المدني. وفي ظل هذه الأوضاع المجتمعية لم يتعرض مجلس الشعب طوال ثلاثة عقود(1980 ـ2010) لأي ضغوط سياسية أو جماهيرية توازن تأثير وضغوط نظام الحكم علي أداء المجلس. أما المجلس الجديد فإنه يعمل في ظل بيئة ثورية حافلة بالضغوط السياسية والجماهيرية لن تتركه في حاله ولن تسمح للأغلبية داخله أن تنفرد به وتهيمن علي قراراته, بل سيكون هناك تفاعل دائم بين حركة القوي الثورية والشعبية وأداء مجلس الشعب. يكفي أن نشير هنا إلي ما حدث يوم الثلاثاء31 يناير عندما توجهت مسيرات عديدة تضم عشرات الألوف من المواطنين إلي مجلس الشعب لتسليم المجلس تكليفا شعبيا بممارسة مسئولياته كسلطة شعبية منتخبة في الإشراف علي إنتخابات رئاسة الجمهورية, ولأن الأغلبية البرلمانية الإسلامية لم تكن ترغب في تسلم هذا التكليف فقد أوعزت إلي شباب الإخوان المسلمين بالتصدي لهذه المسيرات لمنعها من الوصول إلي مبني المجلس فكان الصدام بين الطرفين علي مرأي ومسمع من الرأي العام نقلته وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة إلي كل أرجاء مصر وسط إدانة قوية لهذا التصرف. وهكذا فإن مجلس الشعب لن يعمل بمعزل عن الحركة الجماهيرية وضغوطها وسيكون علي أعضاء المجلس بما في ذلك الأغلبية الإسلامية أن يستجيب لهذه الضغوط وأن يضع مطالبها علي رأس أولوياته خاصة أنها مطالب عادلة لا تخص طرفا بعينه, بل تدور في الأساس حول أهداف ثورة25 يناير التي لم تتحقق حتي الآن وما يتصل منها بصفة خاصة بإسقاط النظام وإقامة نظام ديمقراطي, وتحرير المجتمع من كافة أشكال الهيمنة والقهر, وتحقيق العدالة الإجتماعية, وتوفير حياة كريمة للمواطنين, وتطهير أجهزة الدولة من بقايا النظام السابق وخاصة في أجهزة الأمن والإعلام والجامعات والإدارة المحلية. ومما يضاعف من تأثير الحالة الثورية والضغوط الجماهيرية علي المجلس وجود عددمن النواب ذوي الخبرة البرلمانية والإنتماءات الثورية سوف يلعبون دورا مهما ومؤثرا يوازن تأثير الأغلبية البرلمانية الإسلامية. ومهما كان عدد هؤلاء النواب محدودا فإن قدراتهم الفكرية وخبراتهم السياسية والبرلمانية سوف تعوض محدودية العدد في مواجهة أغلبية التيار الإسلامي, بل إن هؤلاء النواب بدأوا بالفعل منذ اليوم الأول لإنعقاد المجلس هذا الدور المؤثر عندما تقدم29 نائبا بمذكرة إلي رئيس المجلس تطلب إدراج موضوع شهداء الثورة والمصابين علي رأس جدول أعمال المجلس وتشغيل لجان تقصي حقائق ذات طبيعة قضائية للتحقيق في قتل الشهداء منذ يناير2011 إلي أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وهو ما تحقق بالفعل بالبدء في مناقشة موضوع الشهداء وإستدعاء الحكومة ورئيس الوزراء لمناقشته فيما قامت به الحكومة من جهود في هذا الصدد.
هناك بالفعل إمكانية حقيقية لتحقيق توازن داخل المجلس بين الأغلبية الإسلامية والنواب المنتمين إلي تيارات أخري لها خبرة برلمانية وإنتماءات ثورية مثل أبو العز الحريري والبدري فرغلي وعمرو حمزاوي وزياد العليمي ومصطفي النجار وزياد بهاء الدين ومحمد أبو حامد ومصطفي الجندي... الخ ولا يفوتنا هنا أن نؤكد أن الأغلبية الإسلامية تلتقي مع هؤلاء النواب فيما يتصل بأهداف الثورة وأنها سوف تعطي قضايا العدالة الإجتماعية والديمقراطية إهتماما حقيقيا وأولوية في نشاطها خاصة وأن جماعة الإخوان المسلمين بخبرتها السياسية الطويلة تدرك جيدا أن الرأي العام الشعبي يعطي هذه القضايا أولوية وسوف يحكم لها أو عليها بمدي تجاوبها مع أولوياته.
خلاصة القول أنه توجد إمكانية بالفعل للحد من هيمنة نواب تيار الإسلام السياسي علي أداء مجلس الشعب وذلك من خلال التفاعل بين الأغلبية والأقلية داخل المجلس تحت تأثيرالحالة الثورية في مصر وما تولده من ضغوط جماهيرية وسياسية.