rlm; حمدي حسن أبوالعينين

قد لايأتي التاريخ دوما بظواهر جديدة تماما ولكنه في الغالب يعيد انتاج نفس الظواهر بأدوات جديدة وبأشكال متنوعةrlm;,rlm; جاءت ثورات الربيع العربي

لتضيف فصلا جديدا من فصول استخدام البلطجية في الحياة السياسية العربية, ولأننا في عصر الانترنت فقد جاء التاريخ ليعيد انتاج البلطجة السياسية المعنوية بما يلائم عصر الاتصال الالكتروني.
في خلافة معاوية جاء جماعة من خصومه السياسيين برجل سفيه( بلطجي) وأغروه إن آذي معاوية في المسجد أمام الناس أن يعطوه بستانا فقام الرجل الي معاوية في المسجد وهو ساجد في صلاته فضربه علي مؤخرته قائلا: سبحان الله يا أمير المؤمنين, ما أشبه هذه بعجيزة هند وهي أم معاوية من أبي سفيان, فلما أنهي معاوية صلاته التفت الي الرجل وقال له: لايا ابن أخي إن أبا سفيان كان الي ذلك منها أميل وأمر له بعطية أخذها وانصرف, وساء الأمر خصوم معاوية فأغروه ان يفعل ذلك مع زياد بن أبيه وكان واليا لبني أمية علي العراق فذهب اليه في المسجد وهو يخطب في المصلين: أيها الناس اسمعوا واطيعوا فوقف الرجل صائحا في زياد: لا والله لا سمع لك علينا ولا طاعة حتي تقول لنا من هو أبوك, فنزل زياد من علي المنبر وقال له: إن كنت لا تعلم من هو أبي فهذا يخبرك, وضرب عنقه بالسيف فلماذا بلغ معاوية ذلك قال: والله ما قتله زياد أنا الذي قتلته, فلو أنني أدبته في الأولي ما أخطأ في الثانية ودفع ديته.
تاريخ العرب مليء بهذه النوعية من البلطجة ضد العلماء والخصوم السياسيين والفقهاء حتي إن الإمام الشافعي كان يجيز للفقيه أن يصحب معه سفيها يرد عنه سفاهة السفهاء, غير أن تاريخ البلطجة كتبه الصعاليك والعيارون والشطار والفتيان والدعار والعيناق والحرافيش وأسماء أخري كثيرة كعادة العرب حين يحبون شيئا أو يخشونه.
والشوارع العربية الآن مسرح لعنف مماثل تحت مسميات البلطجية والبلاطجة والزعران والشبيحة في مصر واليمن والأردن وسوريا, وقد ظهر هؤلاء علي المسرح الاجتماعي والسياسي العربي بسبب سوء تدبير الحكام وغفلتهم عن مصالح العباد وانهماكهم في اللذات علي حد تعبير المقريزي وبسبب انصراف الحكام عن مصالح العباد الي القصف والعزف علي حد تعبير المقريزي امتلأت بحكايتهم السير الشعبية مثل علي الزيبق وأحمد الدنف وابن حمدي وكرههم الناس أزمانا بسبب ما لاقوه منهم من ظلم ونهب وسلب, منذ أزمان بعيدة وهم يلعبون أدوارا سياسية منذ فتنة الأمين والمأمون ابني هارون الرشيد وحتي يومنا هذا تبدلت أسلحتهم وخصائصهم عبر العصور ولكنهم ظلوا قوة يستعين بها الحكام لمواجهة خصومه وتثبيت أركان حكمهم وإخضاع المحكومين لسلطانهم ظاهرة تنشأ حين تتراجع سلطة الدولة وتتعطل القوانين وينتشر الفساد ويحتاج الحكام الي شيء من الحماية ضد شعوبهم, وحينما ثارت الشعوب العربية في وجه حكام طال ظلمهم وانتشر فسادهم تم استدعاء البلطجية حين فشلت أدوات القمع الحكومية في قهر ارادة الشعوب.
أما الجديد في تاريخ البلطجية فهو استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في التشويش والتلفيق والتشويه وزرع البلبلة والفوضي, فالصرخات الأولي للثورات العربية ولدت في مواقع التواصل الاجتماعي وظلت تلك الثورات تعتمد علي هذه المواقع في تنظيم صفوفها ونشر أفكارها وحشد المزيد من المؤيدين لها وتحييد الكثيرين, ممن لم يشاركوا فيها, وهنا انفتحت مواقع التواصل الاجتماعي أمام شكل جديد من البلطجة, لم يعد الهدف هو الإيذاء البدني أو العنف المادي بل الاغتيال والعنف المعنوي ضد الثوار ومناصريهم ونشر الشائعات والأكاذيب حولهم, والبلطجة الإلكترونية نوعان: بلطجة أفراد يرون فيمن يخالفهم الرأي عدوا تجب ملاحقته والنيل منه ومن أفكاره وما أكثر هذاالنوع من البلطجة في التعليق علي مقالات الكتاب أو المبدعين خاصة, حينما يقترب الأمر من اجتهادات في الفكر الإسلامي, ودوافع هؤلاء الحرص علي الدين, كما يفهمونه وكما يريدون غيرهم أن يفهموه أما النوع الثاني فهو البلطجة الجماعية المنظمة المستأجرة بأي صيغة لتحقيق هدف جماعي ليس من الضروري أن يكونوا هم مقتنعين به, وهذا النوع هو الأكثر شيوعا في مواجهة ثورة25 يناير.
وبلطجية الانترنت لا يحتفظون بشيء من خصائص البلطجية التقليديين, فهم متعلمون قادرون علي استخدام تكنولوجيا الاتصالات بمهارة, لا يستخدمون السنج أو السيوف ولا يواجهون خصومهم في العلن, واذا كان البلطجية التقليديون يستهدفون أجساد الثوار والمحتجين أنفسهم في مسيراتهم وتظاهراتهم, فإن بلطجية الانترنت لهم هدف آخر وهو حرمان الثورة من اكتساب مؤيدين أو مناصرين من الأغلبية الصامتة.
ولذلك يتتبعون كل رأي أو فكر أو اقتراح يمكن ان يدعم أهداف الثورة أو مساعيها بالتشويه والتحريف والتشويش, وما يجمع بين بلطجة الانترنت وبلطجة الشوارع هو أنهما معا يعملون وفق تعليمات محددة ويتبعون خططا موحدة, والمتابع لمواقع التواصل الاجتماعي طوال العام المنصرم سوف ينتهي الي ضرورة وجوه أوركسترا من البلطجية المستأجرين علي مواقع التواصل الاجتماعي يتبع مايسترو واحد يوزع الأدوار علي العازفين, والوظيفة الواضحة حتي الآن لهذا الأوركسترا هي محاولة نشر ثقافة معادية للثورة ومستعدية عليها, ترتكز علي تخوين القائمين بها وعمالتهم لقوي أجنبية وتحميلهم مسئولية تردي الأوضاع العامة في المجتمع والتراجع الاقتصادي الراهن وقيادة البلاد الي مصير أسود والتشهير بثوارها أو المناصرين لهم, هذه هي مفردات الثقافة المناهضة للثورة في مصر التي يحاول أصحابها نشرها عبر شبكات التواصل الاجتماعي, أما القوي المحركة لهذا النوع من البلطجة الإلكترونية فهي ليست أبدا جماعة تطوعية ترتبط بإطار فكري معين, فلم يكن لدي النظام السابق فكر يمكن ان يجمع حوله أحدا من الناس وإنما كان مجرد رابطة مصالح لا تزال تحاول رغم الثورة الحفاظ علي مكاسبها قد يحتاج الكشف عن الجهات الداعمة لبلطجية الانترنت وقتا لن يطول في جهاز حكومي مدني تابع للحكومة جاء رئيس جديد كل همه تصفية ما في هذا الجهاز من خبراء وعلماء بينما يبقي علي أكثر من150 شخصا مهتم رصد ما تبثه وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والسؤال من يرصد ماذا ولماذا؟.