محمد حسين اليوسفي


تجمع الآلاف من الكويتيين في ساحة الإرادة مساء الجمعة الفائت، تحت شعار quot;الله يحفظك يا كويتquot;، منددين بأحد المواطنين، ويدعى محمد المليفي، الذي تطاول على quot;الإمام المهديquot; في صفحته على التويتر، داعين إلى الوحدة الوطنية ووأد الفتنة، ومطالبين بالإسراع في تقديمه إلى النيابة العامة، وبإسقاط جنسيته، أسوة بالشيخ ياسر الحبيب الذي تطاول على السيدة عائشة.
وهدد أحد النواب، وهو فيصل الدويسان، رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك، والذي لم يشكل وزارته بعد، بالاستجواب في أول جلسة، إن هو لم يقدم المليفي إلى النيابة في غضون أربع وعشرين ساعة (القبس، 10/2). ولعل في مثل هذا التهديد - وصدر غيره الكثير - ما ينبئونا بأحوال مجلس الأمة الجديد.
فالكثيرون يرون أن عناصر التفجير لهذا المجلس إنما تأتي من تركيبته، وأحد هذه العناصر هو فقدان التوازن بين quot;الإسلاميينquot; وغيرهم من القوى الشعبية، إذ بات الأولون (الإسلاميون) هم المسيطرون، بحصولهم على 22 مقعداً، وببرنامجهم الذي جاء في مقدمته تعديل المادة الثانية من دستور الكويت لتنص على أن quot;دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريعquot; (بدلاً من مصدر رئيسي كما هو الآن)
.والكويتيون جميعاً بالطبع، لا يعارضون تطبيق الشريعة، وما خَشية البعض منهم لذلك إلا انطلاقاً من النظرة المتشددة وquot;المزايدةquot; التي تتبناها الجماعات الإسلامية منذ أن رفعت هذا الشعار. ومن آيات ذلك التشدد، وهو على سبيل المثال وليس الحصر، تغيير مادة في قانون الجنسية، بحيث تحظر على الحكومة منح الجنسية لغير المسلمين.

وقد جاء هذا التغيير في فاتحة دخول الإسلاميين إلى المجلس في العام 1981، ثم تلتها قوانين على مدار الثلاثين سنة الماضية، كلها تدل على النظرة الضيقة التي تحملها الجماعات الإسلامية لقضية تطبيق الشريعة، من قبيل منع حفلات رأس السنة وتسهيل تقاعد المرأة العاملة في سن مبكرة، رغم ما تعانيه الدولة من نقص في الكوادر الوطنية وبالذات في التعليم، واقتراح بأن تعطى ربات البيوت غير العاملات راتباً، والوقوف ضد التعليم المشترك.. وغيرها الكثير.
ولعل الآباء المؤسسون الذين وضعوا دستور الكويت في العام 1962، كانوا على دراية تامة حينما وضعوا نص المادة على شكلها الحالي، إذ بمقتضى النص المقترح من جماعات الإسلام السياسي.
فإنه لا يجوز الأخذ عن مصدر آخر مما ـ كما تقول المذكرة التفسيرية للدستور ـ يوقع المشرع في حرج بالغ، إذا ما حملته الضرورات العملية على التمهل في التزام رأي الفقه الشرعي في بعض الأمور، وخاصة في مثل نظم الشركات، والتأمين، والبنوك، والقروض، والحدود وما إليهاquot;. ثم إن النص كما هو وارد في الدستور، لا يمنع من أسلمة القوانين، وهو ـ كما تضيف المذكرة التفسيرية ـ يحمل المشرع أمانة الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية ما وسعه ذلك، ويدعوه إلى هذا النهج دعوة صريحة واضحة، ومن ثم لا يمنع النص المذكور من الأخذ، عاجلاً أم آجلاً بالأحكام الشرعية كاملة وفي كل الأمور، إذا رأى المشرع ذلكquot;. وعلى هذا السياق، قامت الدولة بإنشاء quot;اللجنة الاستشارية للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميةquot; في عام 1991.
وقد أنجزت اللجنة كثيراً من القوانين التي يمكن تطبيقها ـ إذا لم يكن رفع هذا الشعار لدغدغة العواطف فقط - دون تعريض البلاد إلى فوضى التغيير أو تعارض القوانين أو غيرها، ودون جر الجمهور الكويتي إلى انقسام الرأي، خاصة أن المسألة بحاجة إلى تعديل الدستور.
وهو أمر يخشاه معظم الكويتيين لما سيجري فيه من quot;مقايضاتquot; سياسية، قد تؤدي إلى إفراغ الدستور من محتواه الديمقراطي، وquot;اغتيال الدولة المدنيةquot;، كما جاء في بيان التحالف الوطني والمنبر الديمقراطي. ولعل الأمثلة كثيرة في الدول العربية وما آلت إليه أوضاعها، حينما استهانت بدساتيرها وغيرتها لتناسب أوضاعاً بعينها!
ومما يزيد التخوف من مسألة تعديل الدستور، أن quot;التجمع الشعبيquot; بقيادة النائب عبدالعزيز السعدون، الذي يضم من بين أعضائه النائب مسلم البراك، قد أبدى عدم ممانعته في تغيير المادة الثانية، مما يعني أن هذا الموضوع سيكون من الموضوعات الساخنة في المجلس الجديد. ومعروف عن quot;التجمع الشعبيquot; أطروحاته الشعبوية، الهادفة أساساً إلى كسب أصوات الناخبين.
ولعل عدم الممانعة ذلك، إنما جاءت سعياً من هذا التجمع إلى كسب أصوات الإسلاميين إلى معركة رئاسة مجلس الأمة، التي ستدور رحاها بين أحمد السعدون، الأوفر حظاً، (وقد حظي بها فعلاً يوم أمس)، وبين منافسه الليبرالي محمد الصقر. وهذا المنصب قد تبوأه السعدون في الثمانينات والتسعينات، ثم حظي به جاسم الخرافي، الذي لم يخض الانتخابات الأخيرة.وختاماً نقول إن جماعات الإسلام السياسي، لو أرادت تجنيب البلاد الدخول مرة أخرى في جدل عقيم، ولو أرادت أن تكون قوى بناءة، فالمفترض منها أن تلتفت قليلاً إلى الجوانب التنموية، التي باتت الكويت في أمس الحاجة إليها.