عبد الوهاب بدرخان
لا أحد عارض انتشار الجيش اللبناني في الشمال، بل كان موضع ترحيب تجنباً للبديل، أي لعمليات تقوم بها وحدات الأمن السوري داخل حدود لبنان. كانت دمشق ألحّت على هذا الانتشار، وهو حصل بالتزامن مع بدء quot;عمليات الحسمquot; التي باشرها النظام السوري ضد الانتفاضة الشعبية. صدفة أم تنسيق؟ المهم أن الجيش كان في طرابلس في الوقت المناسب ليوقف الاشتباك بين باب التبانة وجبل محسن. فهذا الاقتتال المفتعل لا يكسب الانتفاضة شيئاً، لكنه يمنح النظام مصادقة على ذريعة يبحث عنها ولم يجدها داخل سوريا رغم كل الوحشية التي بذلها، وهي أن الاقليات في خطر وأنه وحده من يستطيع حمايتها في أي حرب طائفية.
هل كانت للحادث علاقة ما بزيارة رئيس الحكومة الى باريس؟ ممكن، ليس فقط لأن طرابلس مدينته، بل لأن الزيارة استبقت وتوبعت بتسريبات عن عتب سوري عليه، علماً بان النظام السوري ليس حالياً في موقع يسمح له بالعتب على أحد، نظراً الى ما يرتكبه ضد شعبه. وقد باتت لائحة جرائمه طويلة على ما يشهد المجلس العالمي لحقوق الانسان. في أي حال، طوال عهد الوصاية الأسود وحتى بعد انكفائه الجزئي عام 2005، لم تكن زيارات رئيس اي حكومة الى الخارج محبذة. خلال فترة الرئيس الراحل رفيق الحريري لم يكن هو نفسه يخفي توقع أزمات قبل أي رحلة او بعدها، وتحديداً بعدها اذا كانت الزيارة ناجحة في سياق لم ترسمه دمشق مسبقاً.
ديبلوماسية quot;النأي بالنفسquot;، على عيوبها الكثيرة، قد لا تكون مقبولة في المرحلة المقبلة، لأسباب كثيرة أهمها أن رئيسي الجمهورية والحكومة يقدمانها كدعامة لـquot;الاستقرارquot;، وايضاً لأنها لاقت تفهماً اميركياً ثم فرنسياً واستحساناً لمساهمتها في أبعاد الساحة اللبنانية عن تداعيات الحدث السوري. ولعل النظام السوري اكتفى، خلال الشهور الماضية، بهذا quot;النأيquot; الذي يمكنه من الايحاء باستمراره قوة اقليمية كما يضمن له دولة عربية الى جانبه اياً كان ما يُطرح في مجلس الجامعة العربية، إلا ان المواقف التي ابداها وزير الخارجية في الاجتماع العربي الأخير خرجت من إطار quot;النأي بالنفسquot; لتقترب من النطق الببغائي بموقف سوري بحت. ليس مستبعداً أن يدفع حلفاء سوريا في اتجاه quot;الدنو بالنفسquot; او حتى quot;تلازم المسارينquot; طالما أن الأزمة مندفعة الآن الى مفاقمة الاستقطاب دولياً واقليمياً.
نتذكر رفيق الحريري، فمثل البارحة قبل سبعة أعوام كانت الجريمة التي هزت ضمائر اللبنانيين ثم اشعلت quot;ثورة الارزquot; التي كانت الحرية والكرامة والعدالة والاستقلال عناوينها التي ترددت بعدئذ في كل عواصم الربيع العربي. اليوم اكثر من أي يوم مضى يتأكد ان تلك اللحظة الصارمة كانت البداية. والقوى التي جمعت لافساد ربيع لبنان هي نفسها التي تحاول افساد ربيع سوريا، لكن ازلام الاستبداد سيرحلون معه. هذا هو منطق الانسانية والتاريخ
للنهار
التعليقات