يوسف مكي

حسناً فعلت جمعية الوسط العربي الإسلامي بالبحرين، حين دعت لتظاهرة ثقافية، حملت عنوان عروبة وأمن الخليج العربي . ففي ندوة فكرية عقدت بفندق ldquo;الريجنسيrdquo; في العاصمة المنامة، يومي 20و22 من شهر مارس/ آذار، كان موضوع الهوية والتحديات التي تواجهها منطقة الخليج هو المحور الرئيسي للأوراق التي قدمت، والمناقشات المكثفة التي جرت حولها . وقد تكرم الإخوة في جمعية الوسط بدعوتي لحضور هذه الندوة، فكان لي شرف المشاركة فيها ورئاسة إحدى جلساتها .

وطبيعي أن تكون الأحداث العاصفة التي مرت بها الأمة العربية، والتي ارتبطت بالربيع العربي، وتداعياتها الإقليمية والدولية، وتأثيراتها على مستقبل الخليج العربي وأمنه حاضرة بقوة في مناقشات هذه الندوة .

وبديهي أن تفتتح أوراق هذه الندوة بتقديم قراءة أولية، تتناول البعدين، الجغرافي والتاريخي للخليج العربي كمقدمة للدخول في المناقشات المستفيضة حول الموضوع الرئيس، وقد تضمنت ذلك ورقة الدكتور محمد أحمد، أستاذ الجغرافيا بجامعة البحرين .

وشارك الصديق الدكتور محمد غانم الرميحي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت بورقة قيمة قدم فيها عرضاً شيقاً لتطور الحراك الوطني في الخليج عموماً والبحرين بشكل خاص . وركز بشكل خاص، على تأثر هذا الحراك بالمناخات السياسية العربية والإقليمية، التي سادت منذ الخمسينات من القرن المنصرم . ورأى الباحث أن المخرج الرئيس لمعالجة الأزمات المتوترة في المنطقة لن يكون خارج طاولة الحوار . وأوضح أن الهتافات مهما علت، حين تكون خارج الملعب، لن يقدر لها تسجيل أي هدف . إن تحقيق الطموحات والمطالب المشروعة لأبناء الخليج، يتم داخل الحلبة بتفاعل وحوار خلاق بين مختلف مكونات النسيج المجتمعي، وليس خارج الحلبة، وفقاً لتوصيف الدكتور الرميحي . ويبدو أن أهمية ما حدث في أرض الكنانة من ثورة شعبية، قد أدى إلى حضور مصر بقوة في هذه الندوة، حيث قدم الدكتور محمد نعمان جلال، مساعد وزير الخارجية المصرية الأسبق . بحثاً مهماً حمل عنوان مصر وأمن الخليج العربي . وكان بحثه أقرب إلى القراءة التاريخية للعلاقات المصرية الخليجية، خلال الخمسة عقود المنصرمة، منها إلى القراءة التحليلية . في الورقة المذكورة، ركز الباحث على التحديات التي واجهتها دول الخليج العربي، وتفاعل مصر مع هذه التحديات .

وحول التحديات التي تواجهها منطقة الخليج، في ظل الحراك الشعبي الذي تشهده الأمة، قدم الصديق الدكتور محمد السعيد إدريس، رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، ورئيس لجنة الشؤون العربية بمجلس الشعب المصري، ورقة قيمة قد تناولت التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لهذا الحراك على أمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي . وخلصت إلى نتيجة مؤداها استحالة بقاء أي جزء من الوطن العربي، بمنأى عن التفاعلات مع ما يجري من حوله في بقية الأقطار العربية .

الورقة الوحيدة التي تناولت جوهر العنوان الذي حمله المؤتمر، هي التي قدمها الدكتور عبدالخالق عبدالله أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات بدولة اتحاد الإمارات العربية . فقد تناولت المخاطر الإقليمية التي يتعرض لها الخليج . وتحدثت عن لواء المحمرة، الذي احتل في النصف الأول من القرن المنصرم، من قبل شاه إيران . وكيف تمت مصادرة هوية هذا البلد العربي . وتحدث أيضاً عن الجزر الإماراتية الثلاث التي احتلتها إيران في مطلع السبعينات من القرن الماضي . وطالب المجتمع الدولي بالضغط كي تكون المنطقة العربية، والخليج بشكل خاص خالية من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل، وبأن يبقى الخليج بحيرة أمن وسلام، بعيداً عن مخاطر التهديد والتلويح باستخدام القوة .

واقع الحال، أن جل الأوراق التي نوقشت رغم قيمتها العلمية لم تتعرض للموضوع الأساس، الذي عقدت الندوة لأجله، والذي حمل عنوان عروبة وأمن الخليج . لقد جرت مناقشة مواضيع مختلفة، ليست لها علاقة مباشرة بموضوع الندوة . وكان التمني أن يركز الباحثون عليه، نظراً لأهميته البالغة في هذا المنعطف الحساس، والمصيري من تاريخ المنطقة .

فالدفاع عن عروبة الخليج لا يمكن اختزاله، في الصراع مع إيران رغم أهمية مناقشة هذا الجانب . هناك مخاطر حقيقية تتعرض لها الهوية العربية الخليجية، ينبغي مواجهتها بجرأة وشجاعة، ودونما تردد . لعل أهمها مشاريع التفتيت التي يراد لها أن تشمل هذه المنطقة .

وهناك أيضاً الخلل الديمغرافي، الذي يواجهه أكثر من بلد خليجي . وليس من المستبعد، بل هو الأقرب إلى الواقع أن تلجأ القوى التي تتبنى تفتيت المنطقة، وتحت ذرائع حقوق الإنسان، ومبادئ الأمم المتحدة للضغط على حكومات المنطقة، باستثمار هذا الخلل، وفرض أمر واقع يؤمن حقوقاً متكافئة للسكان الأصليين، والوافدين على السواء، ويكون من شأنه ضياع الهوية العربية للخليج . وإذا ما حدث ذلك، لا سمح الله فنحن أمام واقع صعب، أقل مخاطره أن تكون تلك الخطوة مقدمة لسلخ الخليج عن الأمة العربية، وإفقاده عمقه القومي الاستراتيجي . وفي هذا السياق، يلحظ تراجع اللغة العربية، ليس فقط في الشارع الخليجي، بل وأيضاً في المعاهد والجامعات . وللأسف لا تستثنى المعاهد والجامعات الحكومية والرسمية عن ذلك .

ينبغي الارتقاء في هذه المرحلة فوق كل الاعتبارات، والعمل على تحقيق المطالب المشروعة لأبناء الخليج العربي، عموماً، المتمثلة في تحقيق المواطنة الخليجية، المعبر عنها بكيان سياسي واقتصادي وعسكري موحد، ننطلق فيه بعزيمة وقوة، في عصر يحترم القوة، وليس فيه أي مكان ودور للضعفاء، لصناعة حاضرنا، وحماية مستقبل أجيالنا القادمة . فذلك وحده الذي يحمي الهوية، ويصون عروبة الخليج، ويحقق أمنه واستقراره .