عبدالله ناصر العتيبي


بعد ثلاثة أشهر تقريباً قضاها نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي في العراق مطلوباً للعدالة المحلية، حطت به الرحال أخيراً في المملكة العربية السعودية مروراً بقطر.

لكن هل الهاشمي مدان فعلاً؟! أم أنه ضحية لحسابات طائفية في العراق؟ وهل السعودية استقبلته كما استقبلت غيره من الزعماء العرب والمسلمين عملاً بحقوق الحماية والشيم العربية التي أشار لها الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية بعد استضافة زين العابدين بن علي رئيس تونس السابق؟ أم أنها فعلت ذلك لأنها تعلم أنه يحتاج إلى من يقف بجانبه في وجه المضايقات laquo;المالكيةraquo; المستمرة؟!

لست قريباً بشكل كاف من دوائر السياسة التنفيذية السعودية لأعرف إجابة محددة على السؤالين الأخيرين، ولم أطلع على محاضر التحقيق العراقية المتعلقة بقضية اتهام معاوني الهاشمي بالضلوع في أعمال إرهابية لأتمكن من الإجابة على السؤالين الأولين! كل ما أعرفه هو دراسة حال الهاشمي الفيزيائية وتأثير ذلك على مستقبل العراق.

في 19 كانون الاول (ديسمبر) الماضي طُلب الهاشمي (السنّي) للقضاء العراقي بتهمة الإرهاب. الطرف المُدعي في القضية كان إحدى القيادات البارزة في القائمة laquo;العراقيةraquo; (العلمانية نوعاً ما). والضامن للقانون والتنفيذي الساعي إلى اعتقال الهاشمي هو نوري المالكي (الشيعي). هرب الهاشمي إلى كردستان المستقلة على أرض الواقع، التابعة للعراق على الخريطة، وبقي قرابة ثلاثة أشهر في ضيافة مسعود بارزاني الذي قال في إحدى المناسبات في منتصف الشهر الماضي: laquo;لن نسلمه (أي الهاشمي) بأي شكل من الأشكال لأن الأخلاق الكردية لا تسمح بتسليم من يلجأ إليناraquo;.

إذن هي ليست الأخلاق السعودية وحدها التي تمنع تسليم طالب اللجوء!

خرج الهاشمي من العراق إلى قطر في زيارة رسمية واستقبلته قطر استقبالاً رسمياً، وقال هناك إن الحكومة العراقية تستهدف من محاكمته اغتياله سياسياً. دافع عن نفسه قليلاً ثم قلب ظهر المجن وهاجم الحكومة العراقية وقال إنها ترسل ميليشيات لدعم النظام السوري ضد مواطنيه. قال ذلك وهو الذي يعرف أن قطر والسعودية ترميان بثقليهما لإنقاذ الشعب السوري من براثن الأسد!

بعد ذلك طار إلى السعودية وحظي بمعاملة ضيف أجنبي كبير، ثم توجه إلى مكة لأداء العمرة وهناك قال بيان صادر من مكتبه إن نائب الرئيس دعا للعراق وأهله والمسلمين كافة! وفي هذه اللحظات الروحانية المقدسة هدّد المالكي باستخدام الإنتربول لجلب الهاشمي بقوة القانون إلى العراق ليلقى مصيره العادل!

إذن القضية من الأساس منصة سياسية ما بين رئيس الحكومة ونائب رئيس الجمهورية، يقف على حدها الأول طرف سنّي ويقف على حدها الآخر طرف شيعي ويتم تمريرها عبر وسط (علماني نوعاً ما)! أما الحيثيات التي تلت الاتهام، فهي حرب إعلامية في نطاق ضيق وتصاريح نارية مضغوطة في زجاج بارد حين كان الهاشمي في العراق، لكن لا شرطة محلية بُعثت إلى كردستان، المستقلة وغير المستقلة، لجلب المتهم إلى بغداد، وعندما خرج إلى الجوار انفجرت الزجاجة الباردة وطالت ألسنة اللهب زوايا البيت العراقي (سنية وشيعية!) وجاء دور الشرطة الدولية للتعامل مع القضية!

لست أعرف هل الهاشمي مدان أم لا، ولا أعرف إن كانت السعودية ستعطيه حق اللجوء أم لا؟! ولا أعرف إن كان هو سيعود للعراق كما يقول أم لا؟! كل ما أعرفه أن معاملة العرب للأكثرية الشيعية في العراق على أنها أقلية مذهبية عربية، ستسهم أكثر في إبعاد العراق عن حضنه العربي.

الشيعة المتنفذون في العراق سيتعاملون مع الشيطان الذي قد يظهر في هيئته الدنيوية على شكل معمم إيراني إن لم يجدوا يداً عربية تنتشلهم من حالة اللاجدوى التي يعيشونها منذ أن ابتلي بلدهم بوباء الانقلابات العبثية التي كان ختامها بعثاً! وسينتقمون من السنّة في كل سانحة. وسيخلطون السياسي بالديني والديني بالسياسي ليتجاوزوا إشكالية حق المواطن البسيط في المسكن والملبس والمشرب والمأكل وقبل ذلك كله أمن الضرورات الخمس.

على العرب السنّة أن يفعّلوا (العلمانية الداخلية) حينما يتعاملون مع العراق. عليهم أن يبحثوا في احتواء المالكي ومتنفذي الشيعة، ومن ثم تقويم الموقف. ربما تكون مواقف المالكي هذه نوعاً من الدفاع عن النفس لا أكثر. ربما ينتهج سياسة: أنا ومن بعدي الطوفان. ربما يحاسب العرب لعدم ملء الفراغ الذي أعقب خروج الأميركان. ربما يلومهم على ترك العملية السياسية في أيدي الجماعات الدينية التي تزدهر في بيئات الفقر والخواء الروحي والعقلي!

هل أتحدث هنا عن نوري المالكي رئيس الوزراء المنتخب أم عن نوري المالكي الديكتاتور؟ أنا أتحدث عن نظيريهما الذي قد يكون نظير الهاشمي أحدهما!

للحديث بقية عن هذه الأزمة السنّية - الشيعية القائمة على ظهر علماني، وعلماني نوعاً ما كي لا أنسى.