كتب: Tony Karon

عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تشكيكه الكبير بالاستراتيجية الإيرانية التي يعتمدها الرئيس أوباما يوم الأربعاء، عندما ألقى خطاباً ذكّر فيه بمحرقة اليهود للتحذير من أنّ إيران تعمل على تصنيع أسلحة نووية لتدمير إسرائيل. بعد يومين على اتهام الإدارة الأميركية بالتساهل مع إيران خلال المحادثات النووية التي عُقدت في إسطنبول في نهاية الأسبوع الماضي، قال نتنياهو: ldquo;يتصرف النظام الإيراني بشكل علني وحاسم ويسعى إلى تدميرنا، كما أنه يبذل قصارى جهده لتطوير سلاح نووي من أجل تحقيق هدفهrdquo;. يولّد خليط تلك التصريحات انطباعاً بأن الإسرائيليين يعتبرون أن الدبلوماسية الراهنة مع إيران هي مجرد مراوغة في وجه التهديد المميت الذي تواجهه إسرائيل (من المتوقع أن تؤدي هذه الرسالة إلى تأجيج الحمى السياسية المحلية في وجه الرئيس أوباما).
تشير تقييمات الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية إلى أن إيران لم تبدأ بعد رحلة تصنيع الأسلحة النووية. حتى إنها لم تتخذ بعد القرار الاستراتيجي بتصنيع تلك الأسلحة، مع أنها تجمع بوتيرة ثابتة الإمكانات اللازمة لفعل ذلك. حتى وزير الدفاع في حكومة نتنياهو، إيهود باراك، اعتبر أن إيران المسلحة نووياً لن تطلق على الأرجح أي اعتداء نووي ضد إسرائيل نظراً إلى الإمكانات الإسرائيلية التي تستطيع ldquo;تدميرrdquo; إيران. بما أن إيران لم تقرر بعد تصنيع أسلحة نووية وبما أن الضغوط الرامية إلى زيادة العقوبات جعلت إيران أكثر استعداداً للتسوية، يرى المسؤولون في الإدارة الأميركية وجود فرصة لعقد اتفاق للحد من النشاطات النووية الإيرانية (وفي حال تحقيق ذلك، ستكون هذه الطريقة أفضل حل يمكن أن يدوم على المدى الطويل). مع ذلك، يجب ألا يتفاجأ أحد من توتر القادة الإسرائيليين وتشكيكهم العلني بمشاركة الولايات المتحدة في هذه العملية الجديدة من التواصل الدبلوماسي حول برنامج إيران النووي. هم يعرفون أن أفضل النتائج الدبلوماسية التي يمكن تحقيقها لن تتوافق مع المطالب الإسرائيلية، ولكنها قد تكون كافية لإخماد فتيل الصراع وحذف هذا الملف من أجندة الأزمات الدولية.
إن المبادئ التي توجّه المحادثات القائمة بين المفاوضين من إيران ومن مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا (إنها المبادئ التي حددتها كبيرة المفاوضين الغربيين ورئيسة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون، يوم السبت) تتوافق مع معاهدة منع الانتشار النووي ومع عملية ثابتة تشمل تدابير ملموسة وتدريجية تُنفَّذ على أساس المعاملة بالمثل. هذا الإطار وحده يسبّب القلق في إسرائيل التي لم توقّع على معاهدة منع الانتشار النووي وتصرّ على عدم السماح لإيران بالحصول على إمكانات تخصيب اليورانيوم. صحيح أن معاهدة منع الانتشار النووي تُجبر إيران على الكشف عن جميع نشاطاتها النووية إرضاءً للوكالة الدولية للطاقة الذرية (وهو أمر لم تلتزم به إيران بعد)، ولكنها تضمن أيضاً حق إيران بتخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية. لذا سيكون أي حل دبلوماسي يرتكز على معاهدة منع الانتشار النووي اتفاقاً يضمن ألا تستعمل إيران إمكاناتها النووية لتصنيع الأسلحة، ولكنه لن يقضي على تلك الإمكانات الإيرانية في مجال التخصيب كما طالبت إسرائيل وفرنسا وشخصيات أميركية أخرى مؤيدة لخيار استعمال القوة. كان موقف إدارة أوباما من هذا الموضوع غامضاً، فقد ورثت هذه الإدارة منذ البداية سياسة بوش التي تمنع التخصيب، ولكنها أكدت حديثاً حق إيران بامتلاك برنامج نووي سلمي بما يتوافق مع أحكام معاهدة منع الانتشار النووي.
تشير تجارب اليابان والبرازيل والأرجنتين، التي تستطيع جميعها تصنيع أسلحة نووية بوتيرة سريعة نسبياً إذا قررت فعل ذلك، إلى واقع أنّ معاهدة منع الانتشار النووي تسمح للدول الموقِّعة بتطوير ldquo;إمكانات كامنة أو جزئيةrdquo; تزامناً مع الالتزام بمبادئ المعاهدة. سبق أن حصلت إيران على تلك الإمكانات، ويعلن المسؤولون الإيرانيون عن هذا الأمر مع أنهم يؤكدون أن الجمهورية الإسلامية لن تصنّع الأسلحة. (تحمل الإمكانات النووية الكامنة عدداً من منافع نظام الردع التي تساوي منافع اكتساب سلاح نووي لكن من دون تكبّد التكاليف نفسها: على سبيل المثال، تعهد الرئيس أوباما بالتحرك عسكرياً إذا اقتضى الأمر لمنع إيران من تصنيع قنبلة، ولكنه لا يرى أي حاجة للقيام بذلك في حال استمرار وضع المراوحة الراهن).
لا يتمحور التركيز الأولي في العملية الدبلوماسية الراهنة حول إجبار إيران على الالتزام الفوري بمطالب مجلس الأمن الذي يفرض عليها تعليق جميع نشاطات تخصيب اليورانيوم، بل تهدف هذه العملية في المقام الأول إلى تطبيق تدابير ملموسة وجوهرية في مجال ldquo;بناء الثقةrdquo;، مع التركيز على تخصيب اليورانيوم في إيران بنسبة نقاء تبلغ 20%. يهدف هذا الجزء من برنامج طهران إلى تلبية حاجات مفاعل خاص بالأبحاث الطبية، ولكنه يولّد مواد نووية تكون أقرب إلى المستوى الذي يسمح بتصنيع الأسلحة منه إلى مستوى إنتاج اليورانيوم المنخفض التخصيب (بنسبة 3.5%) الذي كانت إيران تنتجه على شكل وقود للمفاعلات. لا شك أن توافر المخزون الكافي من الوقود المخصّب بنسبة 20% يساهم في تقصير مدة إعادة التكرير اللازمة لإنتاج مواد خاصة بتصنيع الأسلحة. لهذا السبب، تركز القوى الغربية في المقام الأول على وقف ذلك المستوى من التخصيب عبر إقناع إيران بشحن مخزونها من المواد المخصّبة بنسبة 20% لتحويلها إلى صفائح وقود وإقناع البلد بإغلاق منشأة فوردو المحصنة والواقعة تحت جبل بالقرب من مدينة قُم، علماً أن القوات الجوية الإسرائيلية لا تستطيع الوصول إليها بأي شكل.
يوم الأربعاء، اقتبست صحيفة ldquo;هآرتسrdquo; الإسرائيلية كلام مسؤول أميركي بارز رفض الإفصاح عن اسمه، فتوجه هذا الأخير إلى الإسرائيليين قائلاً: ldquo;حتى لو نفذت إيران خطوات بناء الثقة وعلّقت عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، فهي لن تتلقى شيئاً في المقابل ولن يتراجع مستوى العقوباتrdquo;. قد يكون هذا الموقف مجرد أمنية بعيدة عن الواقع نظراً إلى تشديد أشتون على ضرورة تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل. أشار الإيرانيون إلى أنهم قد يكونون مستعدين لوقف عمليات التخصيب بنسبة 20% وادعوا أنهم أمّنوا حاجاتهم الطبية، ولكنهم يطالبون برفع العقوبات كثمن مقابل تعاونهم. يوم الثلاثاء، قال وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي: ldquo;إذا كان الغرب يريد بناء الثقة، فيجب أن يبدأ برفع العقوبات لأن هذه الخطوة قد تسرّع المحادثات تمهيداً للتوصل إلى حلrdquo;. لكن تتوقع القوى الغربية أن تقوم إيران بالخطوة الأولى.
في هذا الصدد، أوضحت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، يوم الثلاثاء: ldquo;أنا مقتنعة بمبدأ الفعل بالفعل، لكن في هذه الحالة، أظن أن عبء الأفعال يقع على عاتق الإيرانيين كي يُظهروا مدى جديتهم. سنستمر بفرض العقوبات وممارسة الضغوط على إيران كي تفكر بما ستعرضه على طاولة المفاوضات في بغداد، ثم سنردّ على تصرفها بناءً على ذلكrdquo;. على أرض الواقع، سيتخذ الإيرانيون تلك الخطوة الملموسة في حال علموا بطبيعة الرد الذي سيصدر عن الغرب.
من المتوقع أن يكون تحديد الخطوات المتبادلة وتقسيمها محور المحادثات التحضيرية لاجتماع بغداد في 23 مايو حتى بعد ذلك. لكن من المتوقع أيضاً أن يكون التوافق على معايير الخطوات الأولية الملموسة صعباً على الفريقين وأن يمتد لفترة طويلة.
ترتفع المخاطر في هذا المجال بسبب الموسم الانتخابي الأميركي الذي يولد عوائق سياسية محلية كثيرة أمام الرئيس أوباما الذي يشارك في عملية بناء الثقة مع طهران، ولا شك أن الدبلوماسية هي بمنزلة تدريب على تقاسم المكاسب، ويصعب أن يحصل أي فريق مشارك في هذه العملية على كل ما يطمح إليه، ومن المستبعد أن تتوصل هذه العملية إلى نتيجة حاسمة هذه السنة.
ربما وسّعت إيران نطاق تخصيبها ليبلغ نسبة 20% للحصول على ورقة ضغط فاعلة ولتحقيق أهدافها المتعلقة بتخفيف الضغوط الدولية وضمان اعتراف الغرب بحق إيران بتخصيب اليورانيوم على مستوى منخفض. إذا حصل ذلك، ستتوقع إيران تخفيف العقوبات مقابل الخطوات التي تتخذها، تماشياً مع مبدأ المعاملة بالمثل. لن يحل اتفاق بناء الثقة الذي أنهى التخصيب الإيراني بنسبة 20% الأزمة النووية، ولكنه سيوقف ldquo;العد العكسيrdquo; الذي ينذر بتصعيد الوضع وسيوفر الوقت والمساحة اللازمين لإطلاق عملية تفاوض مستمرة حتى التوصل إلى حل دبلوماسي. صحيح أن هذا الاتفاق قد يعكس مفعول بعض الخطوات المقلقة الأخيرة التي اتخذتها إيران (مثل توسيع نطاق التخصيب وبلوغه نسبة 20%)، لكن يخشى القادة الإسرائيليون أن يترسخ وضع المراوحة السابق المبني على تراجع مستوى التخصيب، مع أن إسرائيل ما كانت تقبل بهذا الوضع أيضاً، تزامناً مع حذف الملف الإيراني من لائحة الملفات العاجلة.
ربما يخشى الإسرائيليون أيضاً أن تطبّق إيران جزءاً من مناوراتهم الخاصة. عندما انسحب رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون في عام 2005 من غزة، شرح أحد أبرز أعوانه، دوف فايسغلاس، أنّ الهدف من تلك الخطوة كان تخفيف الضغط الدولي لعقد اتفاق مع الفلسطينيين، فجمّد بذلك عملية السلام وكسب تأييد الولايات المتحدة كي تفرض إسرائيل سيطرتها على الضفة الغربية. وفق المنطق نفسه، قد توافق إيران على إنهاء عمليات التخصيب بنسبة 20% لضمان موافقة الغرب على حقها بالتخصيب بمستوى أقل، تماشياً مع أحكام معاهدة منع الانتشار النووي وتزامناً مع تخفيف ضغوط العقوبات وحذف هذا الملف من لائحة أولويات الأمن العالمي العاجلة. من المتوقع أن يكون احتمال التوصل إلى نتيجة تمنح إسرائيل حلاً جزئياً للأزمة النووية الإيرانية مصدر تشويش سياسي خلال العملية الدبلوماسية في الأشهر المقبلة.