محمد خضر الشريف


الأزمة التي علت سحابتها في سماء مصر والسعودية الآن تضع البلدين على quot;صفيح ساخنquot; وإن لم يتداركها عقلاء القوم فليس مضمونا أن تكون العلاقات على ما يرام ولا وشائج الإخوة تتماسك أو تظل على تماسكها بقوة كما شهدت لها الأيام والأعوام.

والشعب المصري منذ الثورة أصبح على quot;صفيح ساخنquot; وأصبح قابلا للاشتعال لأي موقف، وعلى كل كبيرة وصغيرة من دقائق الأحداث أو عظائمها.
والشعب المصري لم يكتف بذلك بل أراد أن يخرج quot;بسخونيتهquot; هذه إلى خارج الحدود، وهو يرى أن كل موقف- لو كان فرديا -يحتاج إلى مسيرة ومليونية ومظاهرة صاخبة ، بحيث يأمر الجهة التي تظاهر من أجلها بأمره فتخر له ساجدة ملبية ،حتى وإن كان طلبه ضربا من المستحيل.
أفهم أن تقوم مسيرة مثلا لوزارة الدفاع لعرض طلبات بعض الثوار على المشير أو من تخص المشير، أو حتى المطالبة برحيل المشير، وأفهم أن تقوم مسيرة مثلا أمام دار القضاء العالي لتأييد ونصرة quot;عادل إمامquot; وأنquot; الشعب كله أصبح عادل إمامquot; -كما تقول الهتافات- لكن أن تقوم مسيرة صاخبة أمام السفارة السعودية تطالب بسحب السفير المصري من السعودية أو تهدد السفير السعودي في مصر بما لا يتناسب مع الأدب واللياقة والديبلوماسية، فمسألة تحتاج إلى وقفة مع النفس ومراجعة دقيقة .
ومن وحي الحيمية الكريمة بين الشقيقيتن- مصر والسعودية- فليس من نافلة القول، بل من فريضته التذكير بوشائج الاخوة بين البلدين الكريمين والكبيرين، مصر والسعودية، في وقت أرى فيه الأفق قد بات شبه مظلم وأن أيادٍ خفية تريد التفريق والتشتيت وقطع تلك الوشائج الحميمة التي يشهد لها تاريخ البشر الطويل، بغوغائية مكشوفة ولايقبلها عقل عاقل ولا قلب أخ يحنو على أخيه..

إن الأزمة الفردية quot; الجيزاوية quot;- أيا كانت أسبابها او دوافعها- لا يمكن أن تؤثر على علاقة طيبة امتدت عبر سنوات طويلة وطويلة جدا بين مصر الشقيقة الكبرى للسعودية، حتى قبل قيام المملكة العربية السعودية وفي فترات حكم متفاوتة قبل ذلك فكانت من أفضل وأكرم ما تكون..
لقد شدني موقف المصري محمد ربيع، الذي يعمل بالسعودية وقد امسك علم مصر بيمناه وعلم السعودية بيسراه ووضع صورة الملك عبد الله على صدره ويمم وجهه تجاه القصر الملكي لمقابلة الملك عبد الله لعرض مشكلة الجيزاوي سلما والحفاظ على العلاقة الطيبة للشقيقتين مصر والسعودية مؤملا أن يؤدي مهمته النبيلة والفردية والتي تعبر عن حب جارف من مصر لأهل السعودية شعبا وحكومة وملكا..
وهو موقف نبيل يدحض موقف الغوغائيين من جهلة الناس وسفسطائيهم -والغريب أن منهم أقباطا ndash; اتخذوا من قضية الجيزاوي ذريعة للضرب في حبل العلاقات المتين ، والنفخ في نار الوقيعة والاصطياد في الماء العكر والعمل على تعكير الأجواء بكل ما أوتوا من وسائل وسباب وشتم وقلة أدب، لتوسيع الهوة بين الشقيقتين الكبيرتين والعمل على لا تكون لمصر علاقة بالسعودية أو العكس تحت مبدأ quot; فرق تسدquot;، وهو مبدأ خبيث اتكأ عليه الاستعمار في تفريق وتشتيت البلاد العربية والإسلامية، ونجح فيه كثيرا، وعلى العقلاء أن يحذروه وألا يقعوا في شَركه وأن يجعلوا الأخوة قبل الأزمة وأن أية أزمة مهما عظمت ينجلي غبارها في بحر الأخوة الصادقة بين الطرفين..
إن التظاهر من أجل الحق حق، والتظاهر من أجل التعبير عن كلمة الحق حق، لكن التظاهر لا يعمينا عن أدب التظاهر وقبله أدب الإسلام الذي يخاطبنا جميعا بقوله:quot; وقولوا للناس حسناquot;.
غير أن التظاهر الغوغائي مرفوض، إن كان لا يراعي علاقات مصر بشقيقاتها من البلدان الأخرى، والعمل على إذابة كل خلاف مهما زادت هوته أو اتسع خرقه، لأن مصر في حالة لم شمل وشعث ما تبعثر منها وفي مرحلة تكوين للأجزاء التي اهترأت منها بعد الثورة..
وأتمنى أن تكون المرحلة أيضا لما للأجزاء الأخلاقية التي فقدناها ولم نراع فيها مدلول الحرية الحقيقية التي فهمها البعض خطأ ، تمثل في حرق المجمع العلمي ومجلس الشعب والوزراء، والتسلق على السفارة السعودية، والتظاهر أمامها، في أيام ماضية كانت كلها سبة في وجه مصر، ولم يرضى عنها عقلاء مصر قبل البلدان الأخرى.
يا شعب مصر العاقل لا تحرق علاقات الإخوة العربية مع أشقائك، واحفظ الود لمن حفظ لك الود، واعتبرك ولا يزال الشقيق الأكبر له .