كتب: Alan Philps

القضية الفلسطينية التي كانت المسألة المحورية في العلاقات الأميركية الإسرائيلية أصبحت الآن مجرد حدث هامشي، بعد أن غطى عليها الملف الإيراني وتركيز أوباما على إعادة انتخابه، من دون الدخول في أي اشتباكات جديدة في الشرق الأوسط.
لا أحد يولي اهتماماً كبيراً للقضية الفلسطينية في هذه الأيام. لقد أصبحت تغطية هذه القضية في وسائل الإعلام العالمية روتينية وباهتة. هذه المسألة التي كانت القضية المحورية في العلاقات الأميركية- الإسرائيلية أصبحت الآن مجرد حدث هامشي، بعد أن غطى عليها الملف الإيراني، وتركيز أوباما على إعادة انتخابه من دون الدخول في أي اشتباكات جديدة في الشرق الأوسط.
في الأسبوع الماضي، في لندن، قال فيليبو غراندي، المفوض العام لوكالة ldquo;الأونرواrdquo; التي تُعنى بتوفير الخدمات إلى اللاجئين الفلسطينيين: ldquo;خلال السنوات السبع الأخيرة، لم يسبق أن كانت مجالات التقدم السياسي ضيقة كما هي اليومrdquo;.
قد يكون الواقع السياسي قاتماً، لكن ذلك لا يعني أن الوضع استقر على ذلك، بل إن اليأس من هذا الوضع بدأ يغير معالم الجدل بشأن الدولة الفلسطينية، لقد أصبح صانعو السياسة مضطرين إلى التساؤل حول صحة استحالة إقامة دولة فلسطينية الآن، وما يجب أن تفعله القوى الخارجية، ولا سيما أوروبا، لمعالجة الوضع.
اليوم، يظن يوسي بيلين، المخطط الإسرائيلي لاتفاقيات أوسلو التي حرّكت ldquo;عملية السلامrdquo; عام 1993، أن الوقت حان لتفكيك السلطة الفلسطينية. وفي ظل غياب أي احتمال لإنشاء دولة فلسطينية، يعتبر بيلين أن تلك السلطة أصبحت غطاء لاستمرار السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين.
يبدو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ليس بعيداً عن وجهة نظر بيلين، ففي رسالة وجّهها إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اشتكى من أن حكومته ldquo;تجردت من جميع أشكال السلطة الحقيقية وفقدت حجة وجودهاrdquo; بسبب استمرار بناء المستوطنات. إذا كانت الحكومة الإسرائيلية لا تستطيع الالتزام بمفاوضات سلام حقيقية، فقد ألمح عباس إلى أنه قد يفكك السلطة الفلسطينية، ما سيُجبر إسرائيل على العودة إلى مصاف القوة المحتلة.
هل يمكن أن يُقدم عباس على أمر مماثل؟ نادراً ما يدمر أي سياسي سلطته لإثبات رأيه السياسي، لكن وقع ذلك الرأي السياسي سيكون قوياً جداً: بنظر الرأي العام العالمي، ستصبح إسرائيل شبيهة بجنوب إفريقيا في فترة الفصل العنصري، وستحكم بلداً خاضعاً قد يحظى مع مرور الوقت بغالبية شعبية في إسرائيل وفلسطين معاً.
لم يرد نتنياهو رسمياً على تلك الرسالة، لكن جاء رد حكومته واضحاً، فقد اعترفت بثلاث مستوطنات يهودية يعتبرها البعض ldquo;غير شرعيةrdquo; في الضفة الغربية.
إنه مجرد موقف رسمي، إذ حظيت تلك المواقع بدعم الدولة الإسرائيلية طوال سنوات مع أنها لم تحصل على اعتراف صريح بشرعيتها. لكن عند النظر إلى الوضع من وجهة نظر قانونية، يتبين أنها أول مستوطنات جديدة أنشأتها إسرائيل في الضفة الغربية منذ عام 1990، بما يتعارض مع وعودها للمجتمع الدولي الذي يعتبر أن جميع المستوطنات القائمة على أرض محتلة تكون غير شرعية.
أدى تحديث المستوطنات الثلاث إلى انتشار موجة انتقادات لاذعة من جانب الولايات المتحدة وأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون وبعض الدول الأوروبية، لكن هذه الاحتجاجات أصبحت مجرد مواقف متكررة ومألوفة ولا معنى لها. لا شك أن نتنياهو لا يهتم بتلك الانتقادات لأن السياسة التي تضمن تماسك حكومته اليمينية أهم من رأي العالم من وجهة نظره.
من المستبعد أن تقوم واشنطن بأي خطوة في هذه السنة الانتخابية، لكن تبرز بعض المؤشرات على حدوث تغيير في أوروبا.
في مكتب الشؤون الخارجية البريطاني، يدرك الجميع ألا نفع من متابعة إصدار البيانات الفارغة، ولا بد من ابتكار طريقة تفكير جديدة. تتعلق المسألة المحورية الآن بطبيعة مساعدات الاتحاد الأوروبي للسلطة الفلسطينية، وبتحديد ما إذا كان إقرار حل الدولتين لايزال نتيجة قابلة للتنفيذ.
يصر دافعو الضرائب في الاتحاد الأوروبي على دعم السلطة الفلسطينية برئاسة عباس، لكن ما نفع ذلك إذا كان التوصل إلى حل شامل مستحيلاً؟ أليست هذه مسؤولية دافعي الضرائب الإسرائيليين أو الدول العربية؟ إنه سؤال شائك لأن المساعدات الخارجية ستؤدي بكل وضوح إلى انقسام الفلسطينيين: تحصل الضفة الغربية في عهد عباس على الأموال الخارجية بينما لا تحصل غزة تحت حكم ldquo;حماسrdquo; على شيء.
إذا كانت فرصة تطبيق حل الدولتين معدومة، فما الذي يجب فعله في شهر سبتمبر، في الذكرى الأولى لطلب العضوية الفلسطينية الذي قدمه عباس أمام الأمم المتحدة؟ تحت ضغط من الأميركيين، تخلى عباس عن ذلك الطلب بهدوء، ولكنه يستطيع حتى الآن أن يطلب التصويت على القرار في الجمعية العامة هذه السنة.
لا أحد يتوقع حصول أي اختراق للوضع، لكن يبقى المجال مفتوحاً أمام طرح أفكار جديدة. سأل أحمد خالدي، خبير في الأمن الفلسطيني، خلال اجتماع في لندن في الأسبوع الماضي تحت عنوان ldquo;دعم فلسطين- تفكير جديد لصراع قديمrdquo;: ldquo;يجب أن نستعد لأن معيار السلام الشامل لن يُطبَّق لفترة طويلة. لا يمكن تطبيق حل الدولتين. لكن ما هي الخطة الاحتياطية البديلة؟rdquo;.
برزت خطط احتياطية كثيرة خلال ذلك النقاش، كان بعضها ضعيفاً وبعضها الآخر مثيراً للاهتمام. قال خالدي إن الوقت حان لتصحيح أخطاء عملية أوسلو من خلال إعادة ضم اللاجئين والتركيز على المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
اقترح ريتشارد هورتون، رئيس تحرير المجلة الطبية ldquo;ذا لانسيتrdquo; (The Lancet)، بث برنامج تلفزيون الواقع من بلدة فلسطينية كي يفهم العالم معنى الحرمان من الرعاية الصحية بسبب نقاط التفتيش الإسرائيلية.
اقترح بعض المشاركين في النقاش أساليب عدة لعرض حقيقة السيطرة الإسرائيلية محلياً أمام الرأي العام الإسرائيلي. بما أن القانون الإسرائيلي يُطبَّق في الضفة الغربية، عند اعتقال الفلسطينيين ومحاكمتهم على الأقل، يجب أن يتوقف العالم عن معاملة الضفة الغربية وكأنها دولة ناشئة ومنفصلة وأن يعتبرها جزءاً من إسرائيل ومنطقة تخضع للحكم العسكري.
قال إيلان بابيه، مؤرخ إسرائيلي يقيم الآن في بريطانيا، إن حملة من المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات وحدها تستطيع التأثير على الطبقة السياسية الإسرائيلية. بحسب رأيه، ما اعتبره نتنياهو ldquo;حملة لنزع الشرعيةrdquo; ضد إسرائيل كان أداة نافذة بالفعل.
أوضح بابيه: ldquo;من دون الركيزة الأخلاقية، تصبح إسرائيل بلداً لا يريد نصف الشعب العيش فيهrdquo;. لكن يقابلهم طبعاً نصف مليون مستوطن آخر في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وقد أصبح هؤلاء يشكلون كتلة سياسية نافذة وثابتة بعد عقود على دعم الحكومة الإسرائيلية.