عبدالله خليفة الشايجي

كان العقد الماضي عقداً مثخناً بالجراح والتغيرات بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية. تفجيرات 11 سبتمبر 2011 غيرت الكثير في أميركا وعن أميركا وسُمي عقد محاربة الإرهاب والحروب والاحتلال.
هوس أميركا في حقبة ما بعد اعتداءات 11 سبتمبر التي اعترف تنظيم quot;القاعدةquot; وزعيمه في أكثر من شريط فيديو بالمسؤولية عنها فسماها quot;غزوة مانهاتنquot;. قايضت أميركا الحريات بالتشدد والتعسف ومخالفة قوانينها والتجسس على شعبها. وأصدرت quot;قانون الوطنيةquot;، وضيقت على الحريات. وانخرطت أميركا في حروب خارجية وعمليات استباقية. وأساءت لقيمها ولما تبشر به من حقوق إنسان وحريات بجرائم وتجاوزات في سجن أبوغريب في العراق ومعتقل غوانتانامو الذي لا تزال أميركا تحتجز فيه معتقلين، وفي قاعدة باغرام بأفغانستان. هذا علاوة على السجون السرية والسجون الطائرة! كل ذلك هوى بأميركا من برج الفضيلة وحولها لدولة وصفها المفكر الأميركي اليساري المعارض نعوم تشو مسكي بـquot;الدولة المارقةquot;.

يبدو أن حملة انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر القادم قد دخلت أجواء التسخين، وكالعادة يطلق الأميركيون على جولات المعارك السياسية بين المرشحين تسمية quot;التقاذف بالوحلquot;. فصول تلك المعارك ستزداد حدة مع الاقتراب من موعد الانتخابات، خاصة بعد أن يحسم الحزب الجمهوري أمره وينتخب رسمياً في أغسطس القادم مرشحه (ميت رومني) لينافس أوباما، على أمل الفوز واستعادة البيت الأبيض للجمهوريين. آخر فصول المواجهات بين الفريقين كانت الذكرى السنوية الأولى لاغتيال بن لادن.

أوباما في حالة حرب للبقاء ولاية ثانية، وهو يستخدم في سبيل ذلك أوراق القوة التي يملكها، ومنها ورقة قراره الجريء باغتيال بن لادن في الثاني من مايو 2011. وقد اقترح نائب الرئيس بايدن شعاراً لحملة أوباما الانتخابية هو quot;مات بن لادن وعاشت جنرال موتورزquot;، في إشارة إلى نجاحه في تحقيق الأمن والقضاء على أكثر شخص هدد أميركا ومصالحها، وإنقاذ الاقتصاد الأميركي وإعادة الثقة بتحسنه وبنهوض مؤسساته المالية وشركاته الصناعية الكبرى مثل quot;جنرال موتورزquot; التي تعود لتوظيف الأميركيين، ما سيخفض البطالة ويعيد الثقة لدى الناخب الأميركي في أوباما.

وقد شكك أوباما في قدرة رومني، المتقدم حالياً على منافسيه داخل الحزب الجمهوري، على اتخاذ قرار جريء مثل قرار اغتيال بن لادن. حملة رومني سارعت لاتهام أوباما بتسييس عملية قتل بن لادن. وأكد رومني بأنه وأي رئيس أميركي آخر كان سيتخذ قرار تصفية بن لادن.

من الواضح الآن أن أوراق بن لادن والأمن والاقتصاد، ستكون الأوراق الرئيسية في معركة الرئاسة الأميركية. وسنرى كيف ستعمل حملة أوباما على استغلال ذلك. وكان واضحاً من خطاب أوباما المتلفز من أفغانستان، ومخاطبته الشعب الأميركي من هناك في الذكرى السنوية الأولى لمقتل بن لادن، كيف أن ذلك الإنجاز سيتم استغلاله انتخابياً.

لكن ماذا عن quot;القاعدةquot;؟ هل ضعفت بالفعل وانتهى تهديدها؟ أوباما، ومن قاعدة باغرام في أفغانستان، خاطب الشعب الأميركي: quot;خلال السنوات الثلاث الماضية تغيرت قواعد اللعبة؛ حطمنا قوة طالبان، وبنينا قوات أمن أفغانية قوية، ودمرنا قيادة القاعدة، وقتلنا عشرين من قادتها الثلاثين. وقبل عام، انطلق جنودنا من هذه القاعدة (باغرام) في عملية قتل بن لادنquot;. وفي خطاب انتخابي لأوباما قبل أسبوعين، شبّه تنظيم quot;القاعدةquot; بملاكم يترنح في الحلبة، وأنهى خطابه بالقول: quot;حققنا ما وعدنا بهquot;.

وتعول إدارة أوباما كثيراً في مواجهة الإرهاب على الطائرات بدون طيار، والتي قامت بأكثر من 270 مهمة صفت فيها قيادات من quot;طالبانquot; وquot;القاعدةquot;، في أفغانستان وباكستان واليمن والصومال، في حرب مستمرة وبلا هوادة. وتحولت عمليات quot;القاعدةquot; إلى محاولات فردية تفتقر للدقة والمتطوعين. وهو ما يسميه مركز دراسات بريطاني عمليات quot;الذئب الوحيدquot;. وهذا كان واضحاً من الوثائق التي عثر عليها في مخبأ بن لادن حيث عبر عن قلقه من تراجع الدعم لـquot;القاعدةquot; وتدهور سمعتها في العالم الإسلامي.

ويبقى السؤال: ماذا عن تنظيم quot;القاعدةquot;؟ وما هو مستقبل الحركات الجهادية؟ بعيداً عن الخطب السياسية وتسجيل المواقف، من المؤكد أن تنظيم quot;القاعدةquot; أنهك وأضعف وتمت تصفية قيادته، وأصيب بنكسات متتالية قد يكون آخرها quot;الربيع العربيquot; الذي أوجد طريقاً ثالثاً للتغيير ليس طريق القوة ولا التدخل الأجنبي والدبابات الأميركية، وليس منهج العنف لدى quot;القاعدةquot; والحركات الجهادية... بل الحراك الشعبي الثوري والسلمي.

ولا يزال هناك خطر للتنظيمات الجهادية التي لا يمكن التقليل من شأنها، والتي قد تستغل تعثر وتأخر الانتقال السلمي في جمهوريات quot;الربيع العربيquot;، خاصة ليبيا وسوريا واليمن، لتجد لها موطئ قدم. وقد أشار موقع quot;دبكاquot; الاستخباراتي الإسرائيلي، إلى أن من قام بالتفجيرات الانتحارية مؤخراً هو تنظيم quot;القاعدةquot;! هل هذا واقع أم نفخ في تنظيم يحتضر؟ لقد حدثت مبالغات كثيرة في دور ذلك التنظيم وقوته خلال عقد من الزمن.

مهما يكن فإن معركة كسب العقول والقلوب مستمرة، سواء بقي بن لادن أو قُتل، وهي المعركة الأصعب. والبعض يسأل: هل حقاً مات بن لادن؟! وآخرون يشككون بموته ويتساءلون: أين جثته وصوره ميتاً؟! إن تغيير سياسات ومواقف الدول والأنظمة التي تشجع على الانتقام وتصفية الحسابات، هي الأسلوب الأمثل، ليس لتجفيف منابع الإرهاب، بل للقضاء على فكر الانتقام الذي يولّد التطرف والإرهاب.