علي سالم


المرحلة القادمة في العلاقات بين مصر والسعودية، سيلعب فيها المهندسون ورجال الأعمال الدور الأساسي. والآن، في هذا الوقت الذي يمكن وصفه بأنه سيئ للغاية، علينا أن نفكر ليس في إعادة العلاقة إلى ما كانت عليه فقط، بل القفز بها إلى الأمام لنضع أنفسنا مباشرة على أرض هذا العصر، والذي يحتم التعاون المثمر بين كل الأطراف التي تعمل لخير مواطنيها.

منذ سنوات قليلة، كان هناك مشروع بين مصر والسعودية لإنشاء جسر يعبر البحر الأحمر ليصل برا بين السعودية ومصر، ليس جسرا من الكلمات، بل جسرا واقعيا حقيقيا يعبره البشر والبضائع. ثم فوجئنا ذات يوم بمصر تتخلى عن هذا المشروع أو توقفه أو تمتنع عن تنفيذه، بغير أن يعرف الرأي العام في مصر وربما في السعودية أيضا أسباب ذلك. إنني أطلب - وبأقوى الكلمات - من المهندسين المصريين والسعوديين إخراج أوراق وملفات هذا المشروع من الأدراج وإعادة دراسته وطرحه على الرأي العام في البلدين للحصول على تأييده ومساندته. لا بد من استغلال هذا الوقت السيئ الضائع في مراجعة المشروع انتظارا لإشارة البدء من حكومتي الطرفين. كما أطلب - وبأقوى الكلمات - من رجال الأعمال المصريين والسعوديين والعرب بوجه عام، التفكير في مرحلة جديدة من التعاون بينهم من أجل المزيد من الهدوء والازدهار لهذا الجزء غير المستقر من العالم. هذا هو الوقت، نعم هذا هو الوقت الذي يساند فيه أصحاب الكلمات والميكروفونات والكاميرات كل مشاريع التعاون بين مصر والسعودية في كل المجالات وهو التعاون الذي ستنعكس آثاره إيجابا على كل بلاد المنطقة ومواطنيها.

أعرف أن ما فعله السفهاء منا جلب لنا المزيد من الأحزان والغضب وخيبة الأمل، ولكن إذا كنا قد فشلنا لظروف تاريخية شديدة التعقيد في منعهم من القيام بأفعالهم، فنحن على الأقل قادرون - بقوة الفهم وقوة الدولة - على منعهم من المزيد من العمل على الإساءة للعلاقات بين البلدين. الانشغال بالعمل ووضوح الإنجاز، يرفع درجة اعتبار الذات عند البشر ويدفعهم لاحترام أنفسهم وهو ما يمنعهم من سب الآخرين والإساءة إليهم. احترام النفس هو ما يدفعك لاحترام الآخرين، انعدام التهذيب عدوان، والأشخاص غير المهذبين يعانون من فراغ العقل وسواد القلب، وبمساعدة الظروف المحيطة، يزدادون تخلفا وعنفا وفقرا فتفسد مقاييسهم فيظنون قلة الحياء جسارة وانعدام التهذيب جرأة والعدوان على الناس وطنية. وينزلون بأعدادهم الغفيرة إلى الشارع، فينزوي ويبتعد الثوار الذين طالبوا يوما ما بالحرية خشية الاصطدام بأعداء الحرية، عندها تختلط القواميس والمفاهيم عندنا نحن أيضا فنظن البلطجية ثوارا والحشود غير الشرعية مظاهرات تستحق الدفاع عنها. ثم تبدأ مرحلة التخلي عن العقل عندما ندافع عن هؤلاء المحتشدين عند وزارة الدفاع.. ترى لماذا ذهبوا إلى هناك؟

ويأتيك الرد سريعا: هذه مظاهرة شرعية سلمية مسموح بها في العالم كله، هكذا تلعب الأكاذيب أعظم الأدوار في حياتنا المعاصرة مستخدمة كلمة سلمية، وكلمة مظاهرة، الواقع أنها ليست مظاهرة وليست سلمية بل هي محاولة لتهديد مبنى وزارة الدفاع بالاقتحام من حشود غاضبة لأن مرشحا ما حرم من دخول انتخابات الرئاسة لأسباب قانونية. هذه هي الحكاية بلا تزويق أو هروب من حقيقتها.

لقد كان الأستاذ عبد الرحمن الراشد هو أول من تنبه إلى أن الأذى داخل مصر لن تقتصر آثاره على المصريين وحدهم، وأن كل شر يحدث داخل مصر لا بد أن يتسرب خارجها، وأنا أوافقه، غير أننا يجب ألا نكف عن المقاومة، وأن ننبه بعض الناس بكل لطف أن يكفوا عن ممارسة الشر الممتع، أن يكفوا عن الكذب على الناس وعلى أنفسهم، إن الأسماء العديدة التي ترفعها الجماعات السياسية وغيرها وترفعها لافتة عنوانا لكل يوم جمعة في ميدان التحرير لم تعد مقنعة لأحد، والأفضل من كل ذلك اختيار عنوان معبر عن واقع الحال وهو (جمعة الاستمتاع) مع إعلان بسيط من كل هذه القوى يقول laquo;نحن نستمتع بالنزول إلى ميدان التحرير، وإعادة تذكير الناس بأنفسنا لأننا بصراحة عاجزون عن فعل أي شيء بعد أن لهفت منا الجماعة كل شيء) عندها سيحصلون على المزيد من احترام الناس.

لم أخرج عن موضوعي وهو الجسر السعودي - المصري الذي يجب أن تعقبه المزيد من الجسور. وأعود لمخاطبة رجال الأعمال في البلدين، الرئيس المصري الجديد سيقوم بتعيين حكومة من الجماعة، أو حكومة يخشى أعضاؤها الجماعة، أقصد أن أي وزير من خارج الجماعة سيسأل نفسه مع كل إجراء وكل قرار وكل نفس، ترى ما هو رأي الجماعة؟ وطبقا لما أعلنه رئيس حزب الجماعة مؤخرا، فهو منشغل بإعادة الخلافة، أي أنه منشغل بشيء لم يعد أحد في مصر أو المنطقة كلها منشغلا به، الواقع أن الدولة الوطنية قد تشكلت في مصر قبل سقوط الخلافة بمائتي عام تقريبا، وتبعية مصر لها كان رمزيا فقط. معنى ذلك أن رؤيته - لاحظ أنه رئيس الحزب - للمستقبل ضبابية، ومعناه أيضا ابتعاده كلية عن فهم هذا العصر وأدواته، وهو ما يشير أيضا إلى أنه سيتعامل مع مشاكل مصر والمصريين بأدوات مستمدة من عصور سابقة.

لا شك أن مشروعه لإعادة الخلافة سيدفع المفكرين العرب لطرح أسئلة عديدة، منها: لنفرض أن دولة عربية رفضت الانضواء تحت حكم خليفتك الجديد، هل ستعلن الحرب عليها؟ ومن أين ستحصل على الأموال والقروض اللازمة لعودة الخليفة؟ من القروض والمنح العربية والأجنبية؟ هل تعتقد أننا سندفع تكاليف إزالة دولنا وأنظمتنا السياسية؟

أما أنا كمواطن مصري، فأرفض أن تنفق الخزانة المصرية مليما واحدا على مشروع الخلافة. هذا تحذير لوزارة الخزانة وبلاغ للجهاز المركزي للمحاسبات. أما إذا كان الرجل ليس جادا في مشروعه وأنها مجرد كلمات انتخابية في الهواء فلا بد من تنبيهه إلى أن الحملات الانتخابية تحتم اختيار الكلمات التي ننجح بها وليس تلك التي تضمن لنا الفشل. ضع أمام أي مواطن ورقتين، الأولى ورقة لحمة، والثانية لفافة خلافة.. ترى ماذا يختار؟

هذه الطريقة في التفكير التي ستحكم حتما الحكومة القادمة، من المستحيل أن ترحب بمشاريع عملاقة ليست خارجة من تحت عباءتهم، بل ربما يتدخلون لإيقاف المراكب السايرة ووضع العصي في العجلات تماما كما يفعلون الآن في البرلمان. غير أنني أعتقد أن مقاومتهم لمثل هذه المشاريع لن تطول لأن بينهم رجال أعمال ومهندسين ليسوا منشغلين بمشروع الخلافة.