يوسف الكويليت

الانتقال من التعاون إلى الاتحاد الخليجي لن يأتي بلا تفكير ودراسات وتحاليل للمضامين والقواعد التي يقوم عليها الاتحاد، ومع أنه لا توجد فجوات اجتماعية أو اقتصادية تعوّق هذا المشروع الاستراتيجي، إلا أن الاتفاق على قواسم مشتركة تبقي الأمور قيد المداولات والتحقق من الخطوات الأولى التي يتم عليها تأسيس هذا الكيان..

هناك رؤى تقول إن بعض الدول تملك برلمانات منتخبة وأخرى بالتعيين، وآخرون يدعون لاستفتاء شعبي يسمع منه صوت المواطن كصاحب الحق الأول، وأن تفاوتاً كبيراً في دخل الفرد والتشريعات الاجتماعية وحتى القضاء، لا تتلاٍقى مع بعضها، لكن لماذا نستبق الأحداث، ولا نضع خططاً تبدأ من القمة التشاورية المنعقدة اليوم بالرياض لتكون البدايات الحقيقية لسد الفجوات كلها وتعميق روح المواطنة الواقعية، وليس العاطفية، كرابط أساسي يقلل من إبعاد المسافات أو إغلاقها..

دول المجلس، وفي هذا الوقت تحديداً، تملك قوة اقتصادية قد تكون الأكبر والأهم في المنطقة كلها بما فيها إيران، وهي مركز الثقل في التحول من اقتصادات متفرقة إلى وحدة تتعامل مع كل الظروف بتسخير هذه القوة في رسم الاتحاد، لتكون البدايات اقتصادية وأمنية وسياسية، ودون المساس بنظام واستقلال أي قرار محلي، ونعتقد أن العامل الأساسي بالاتحاد الأوروبي كان وحدة نقدية، وتكاملا اقتصاديا يجعل أوروبا كتلة موازنة لأمريكا أو أي كيانات قادمة..

ستسود خلافات بين القيادات، وكذلك المحللين لمستقبل دول المجلس، وهي من الأمور الطبيعية، لكن ماذا لو أقدمت المملكة ومملكة البحرين على انجاز هذه الخطوة لتكون النواة للاتحاد، وميدان التجربة التي يجب أن تراقب ويقدر نجاحها وإخفاقها على الطريقة التي تتم بها هذه العملية؟

طبيعي أن تطلق الأحكام من جهات مختلفة خليجية ترى أنها قفزة على الواقع، ومعارضة حادة ومعلنة من قبل إيران والعراق حليفي الطائفة، وحجة أخرى قد تقول ان الكيان الأكبر سيبتلع الأصغر، وهي صورة تكررت من أزمنة بعيدة، ولكن كل هذه الهواجس لم تحدث وظلت مجرد تصورات، لكن الأمر الذي يفرض إيقاعه وضروراته الأساسية، هل أمن هذه الدول مقدم على غيره، بحيث لا تبقى هذه الدول هي من ترسم قواتها العسكرية، والأمنية، وبروح الاستقلالية، أم أن الضرورات المحيطة بنا تفرض تكاملا في التخطيط وبناء القوة العسكرية والأمنية؟ ونسأل كيف تم بناء حلف الأطلسي دون اعتبارات للخلافات القومية والتباعد القاري ليجسد مفهوم القوة لمواجهة حلف وارسو، ونحن لا نتحدث هنا عن معايير قوى عظمى، ولكن عن قوة تفرض هيبتها أمام مطامع لا تخفي اتجاهها وضغطها على هذه الدول؟

عموماً لا نستطيع استباق الأحداث، لأن ما يدور حتى الآن مجرد مشروع يسعى للانتقال بهذه الدول إلى الكيان القوى الواحد، وستبقى مجال تداول واتفاق واختلاف، ولكنها قد تجسد آمال مواطني هذه الدول بالوحدة الكيانية الواحدة..