خيرالله خيرالله

اي مصر بعد العهد الطويل، الطويل اكثر مما يجب، لحسني مبارك والثورة التي تسبب بها؟ اذا كان من امثولة يمكن تعلّمها من الثورة المصرية، فانّ هذه الامثولة تتمثل في قدرة القوى التي لم تلعب دورا حاسما في اندلاع تلك الثورة على ادعاء ابوتها لها. بين هذه القوى الاخوان المسلمين الذين عرفوا كيف يكون تحيّن الفرص فدخلوا على خطّ الثورة في الوقت المناسب اي يوم الثامن والعشرين من كانون الثاني- يناير 2011 وذلك كي يقطفوا ثمارها.
اظهر الاخوان انهم يمتلكون قدرة فائقة على تنظيم صفوفهم. بل اثبتوا انهم القوة السياسية الوحيدة المنظمة في البلد بدليل حصول مرشحهم محمد مرسي على اكبر عدد من الاصوات في الدورة الاولى من الانتخابات الرئاسية. حصل مرسي على ما يكفي من الاصوات لخوض الدورة الثانية والاخيرة في مواجهة من يمكن اعتباره مرشّح ما بقي من المجتمع المدني في مصر وما بقي من قوى حيّة في هذا المجتمع، اي الفريق احمد شفيق الذي كان آخر رئيس للوزراء في عهد الرئيس حسني مبارك.
حسنا فعل شفيق عندما شنّ هجوما لاذعا على مرشّح الاخوان محذرا المصريين من النتائج التي ستترتب على وصول مرسي الى سدة الرئاسة. وضع شفيق المصريين الذين يتوقون مجددا الى استعادة الامن امام مسؤولياتهم.
ان فوز شفيق في الانتخابات سيضمن دخول مصر مرحلة انتقالية تؤدي الى انتقال اكبر بلد عربي الى حياة ديموقراطية حقيقية تقوم على التنافس الايجابي بين احزاب تمتلك برامج سياسية واقتصادية واجتماعية على علاقة بالعصر. ما تحتاجه مصر هو الى مثل هذا التنافس وليس الى احزاب تمتلك اجندة تقوم على الاستحواذ على السلطة ولا شيء آخر غير ذلك.
في كلّ الاحوال، هناك تحوّل كبير في مصر. تحوّل في اتجاه التخلص نهائيا من نظام قام قبل ستة عقود الغى المجتمع المدني وساعد عمليا في انتعاش الاحزاب التي عرفت كيف تستغل الدين الى ابعد حدود من اجل الترويج لنفسها في الاوساط الشعبية وملء الفراغ الناجم عن غياب مؤسسات الدولة وحصر النظام كلّ همومه بالامن اوّلا.
ولكن ما العمل في حال خسر احمد شفيق امام محمد مرسي؟ ما الذي سيكون في انتظار المصريين عندئذ؟ من الذي سيكون الرئيس الفعلي للبلد؟ هل سيكون في استطاعة محمد مرسي مخالفة المرشد العام للاخوان او نائبه؟ الاكيد ان انتصار مرشّح الاخوان ستكون له مدلولات كثيرة. للمرّة الاولى ستكون هناك ادارة مصرية يتحكم بها الاخوان المسلمون في مواجهة مؤسسة عسكرية ترفض الى حدّ كبير الاستسلام لهذا الواقع. صحيح ان المجلس العسكري وعد بتسليم السلطة الى المدنيين قريبا، لكنّ الصحيح ايضا انه سيكون من الصعب على هذه المؤسسة القبول بالعودة نهائيا الى الثكنات والتخلي عن الامتيازات التي تتمتع بها. سيكون ذلك صعبا، نظرا الى انها تعتبر نفسها شريكا في عملية التخلص من حسني مبارك نتيجة تفاهم ما توصّلت اليه مع الاخوان المسلمين. في اساس هذا التفاهم رفض المؤسسة العسكرية لمشروع التوريث الذي كان يعدّ له مبارك.
من نتائج هذا التفاهم ان المؤسسة العسكرية، بالتفاهم مع الاخوان، وضعت حدّا لحكم حسني مبارك والمجموعة المحيطة به. الاهمّ من ذلك، ان التفاهم بين الجانبين قطع الطريق على مفجري الثورة من الشباب المصري الذي كان يطرح شعارات تتميّز بالمثالية في بلد عاش تحت حكم العسكر منذ العام 1952.
خطف العسكر والاخوان الثورة. الآن يسعى الاخوان الى خطف حصّة العسكر في الثورة والانفراد بثمارها. هل هذا ممكن في بلد مثل مصر، لم يمرّ بالمرحلة الانتقالية المطلوبة التي تعني اوّل ما تعني تقليصا تدريجيا لنفوذ المؤسسة العسكرية المتغلغلة في المجتمع والاقتصاد ومؤسسات الدولة؟
ما يميّز تركيا عن مصر هو مرورها بتلك المرحلة الانتقالية التي جعلت العسكر يفكرون حاليا مئة مرة قبل الاقدام على ايّ خطوة في اتجاه الاستيلاء مجددا ولو على قسم صغير من السلطة. اكثر من ذلك، ترافق تقليص نفوذ العسكر مع صعود الاخوان المسلمين ونجاحهم في تحقيق نهضة اقتصادية وفّرت شعبية كبيرة للتيّار الاسلامي وحزبه.
هناك في تركيا مؤسسات لدولة عصرية ثبتتها المرحلة الانتقالية التي مرّ بها البلد في السنوات العشرين الاخيرة. من دون هذه المرحلة الانتقالية، تقف مصر امام خطر السقوط في المجهول، خصوصا ان ليس لدى الاخوان برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي واضح على العكس تماما مما يدّعون. يكفي التساؤل عما سيفعلونه بالسياحة وكيف سيؤمنون عودة ملايين السياح الى مصر؟ هل هناك بين الاخوان من يستطيع الادعاء ان لدى هذا التنظيم تصوّرا لكيفية اعادة الحياة الى مرفق السياحة الذي يعيل ملايين العائلات المصرية؟
لن نتحدّث بالطبع عن حقوق المرأة ودورها في المجتمع المصري ولا عن كيفية رفع مستوى برامج التعليم وطبيعة هذا التعليم. ولكن، مرّة اخرى، ان مصر في حاجة الى مرحلة انتقالية تؤمن الشفاء التدريجي من حكم العسكر، بديلا من الدخول المباشر في تجربة حكم الاخوان الذين اظهروا عطشا لا حدود له للسلطة. فالسلطة شيء وسلامة البلد العربي الاكبر شيء آخر، الاّ اذا كنا نريد رؤية ايجابية وحيدة في وصول محمد مرسي الى الرئاسة المصرية. تتمثّل هذه الايجابية في كشف حقيقة ما يريد الاخوان وكيف سيتعاملون مع مشاكل مصر ومع الدول العربية الاخرى، على رأسها دول الخليج العربي. هل سيكون لديهم ما يقدمونه لمصر والمنطقة غير الشعارات... والهرب من مشاكل الداخل المصري الى الخارج كما كان يحصل في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، اي تكرار تجربة العسكر بوسائل مختلفة؟