شريف عبدالغني

خرج علينا الفريق أحمد شفيق مرشحنا الرئاسي الحالم والمشتاق لـlaquo;عرش مصر المحروسةraquo; شاهرا سيفه، ومهاجما منافسه مرشح الثورة الدكتور محمد مرسي وجماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo; باتهامات مضحكة، منها أن الجماعة هي laquo;فلول النظام السابقraquo; وليس هو، وأنها المسؤولة عن قتل المتظاهرين في موقعة laquo;الجملraquo; وليس هو بحكم منصبه وقتها كرئيس للوزراء. الاتهامات على هذه الشاكلة تثبت أن سيادة الفريق ينتظره مستقبل كبير في عالم الكوميديا!
المؤيدون لـ laquo;تلميذ مباركraquo; النجيب، هم في الأساس أعضاء الحزب الوطني laquo;المنحلraquo;، وأسر العسكريين الذين صوتوا للرجل من باب laquo;يفضل زيتنا في دقيقناraquo;، فضلا عن قطاع من رجال الشرطة الذين يعتبرون أن laquo;شفيقraquo; سيعيد إليهم المكانة التي صنعها لهم مبارك، وجعلتهم يرتعون في الأرض فسادا وابتزازا، يضاف إليهم خليط من موظفي الدولة تشربوا من كبيرهم laquo;المخلوعraquo; الذي علمهم السحر ثقافة الفساد وطلب الرشاوى عيني عينك. أرادهم فاسدين حتى يفقدوا كرامتهم ويرضون عن فساد رؤسائهم وصولا إليه. الهدف أن يبقوا في أماكنهم ساكنين صامتين خانعين خاضعين.. وقبل هذا وبعده بسطاء تأثروا بالجو المشحون والحملات الإعلامية التي شوهت الثورة والثائرين، وصورتهم على أنهم رجس من عمل الشيطان يجب اجتنابه.
يقود ويوجه هذه الفئات خليط من رجال الأعمال الذين كونوا ثروات طائلة من الهواء بفعل سياسات نظام مبارك المنحازة ضد الشعب. هذا التوجيه عبر عاملين: الأول وسائل الإعلام من الصحف والفضائيات التي يسيطرون عليها بالكامل، والثاني الرشاوى الانتخابية و laquo;المال الحرامraquo; الذي أنفقوه.. عشرات الملايين في الجولة الأولى، ورصدوا أضعافا مضاعفة في جولة الإعادة التي يعتبرونها مسـألة laquo;حياة أو موتraquo; ويجب أن تنتهي بجلوس laquo;شفيقraquo; على العرش!
لكن أظرف ما في فريق مؤيدي laquo;الفريقraquo; اثنان من زملائي الصحافيين الرياضيين.. أثناء أيام الغضب الـ laquo;18raquo; التي انتهت بخلع مبارك، كنت أقابلهما بين وقت وآخر عائدين من ميدان التحرير. لم يكونا يذهبان حبا في الثورة بل بهدف العودة بقصص وحكايات مسيئة للثوار، والتأكيد على أن البلد سيضيع لو أن laquo;الكبيرraquo; تنحى. كنت أتجاذب معهما أطراف الحديث.. أتهمهما بالعمالة لحساب أجهزة الأمن، فيردان: laquo;طيب خليك في حالك يا بتاع الأجندات الأجنبيةraquo;.
حقيقة كنت ألتمس لهما العذر، فهما بجانب الجريدة، يعملان في إعداد برامج رياضية يقدمها اثنان من أكثر خلق الله laquo;موالسةraquo; لكل صاحب سلطة. أحمد شوبير الذي سخر طلته -غير البهية- للترويج لمبارك وأولاده، وقال فيهم ما لم يقله laquo;المتنبيraquo; في مدح سيف الدولة. بينما الثاني مدحت شلبي الذي كان أول من أعلن الحرب على الجزائر إرضاء لـ laquo;آل مباركraquo; بعد عودة laquo;جمالraquo; و laquo;علاءraquo; من السودان عقب المباراة الشهيرة، يجران أذيال الخيبة وقد منيا النفس أن يظهرا أمام الجماهير أنهما سبب صعود مصر إلى كأس العالم.
مصلحة الزميلين كانت في استمرار laquo;شوبيرraquo; و laquo;شلبيraquo; حفاظا على laquo;لقمة العيشraquo;، ومصلحة الأخيرين laquo;الموالسينraquo; تمثلت في بقاء laquo;سيادة الرئيسraquo; ليحمي حمى laquo;السبوبةraquo; التي يجنيان من ورائها الملايين.
بعد laquo;خلعraquo; مبارك، حاول laquo;شوبيرraquo; و laquo;شلبيraquo; ركوب الموجة، بينما سكت زميلاي عن الكلام المباح، وظلا في مرحلة كمون كبيرة. لكن الأربعة ومعهم كل من كانوا يهيمون في laquo;المخلوعraquo; عشقا، بدؤوا يشمون أنفاسهم ويغرقون في غرام المجلس العسكري الحاكم الراعي الرسمي لحملة تشويه الثورة والثوار. ارتفعت روحهم المعنوية بعد إعلان ترشح عمر سليمان نائب مبارك، وبعد استبعاده اتجهوا مغمضي العين مشلولي التفكير إلى laquo;شفيقraquo;.
بعد نتائج الجولة الأولى، ووصول المذكور إلى جولة الإعادة، وصلت ثقة الزميلين إلى عنان السماء لدرجة أنْ دعواني لتأييده باعتباره ناجحا لا محالة. بعدما ضحكت من الدعوة ورفضتها، ألحا علي في معرفة السبب. ذكرت لهما أن laquo;الفريقraquo; فضلا عن كونه جزءا أصيلا وفاعلا من منظومة فساد مبارك، فإن بيننا وبينه laquo;دم الشهداءraquo;. يكفي أنه طرف مهم بحكم موقعه كرئيس للوزراء في laquo;موقعة الجملraquo; أثناء الثورة التي راح ضحيتها المئات من الشهداء والمصابين.
صمت laquo;الفريقraquo; وتواطأ أمام الحشود التي جيشها جمال مبارك وصفوت الشريف وفتحي سرور وكبار مساعدي laquo;المخلوعraquo; ورموز الحزب الحاكم laquo;المنحلraquo; لطرد الثوار من ميدان التحرير. كان أمله أن تخرج صحف اليوم التالي لتؤكد أن laquo;الشعب فرض الشرعية على الميدان.. وطرد العملاء ودعاة الفتنةraquo;. وجدها فرصة ذهبية ليثبت لـ laquo;مثله الأعلىraquo;، أنه كان محقا عندما اختاره دون غيره لمهمة رئاسة الحكومة حتى ينهي الثورة ويعيد الهدوء للشارع.
لكن الزميلين في عز حماسي لم ييأسا من محاولة إقناعي، وخرجا عليّ بما ظناه laquo;الحجة الأكيدةraquo; التي تستدعي مساندة رجل بهذا التاريخ غير المشرف، وأعادا الرسالة التي توجهها حملة laquo;شفيقraquo; إلى الناخبين: laquo;يا سيدي إذا كان على موقعة الجمل، فخالد بن الوليد حينما كان كافرا هزم المسلمين وقتل منهم كثيرين في موقعة أحد، ثم بعد إسلامه أصبح سيف الله المسلول.. وشفيق هيكون كدة بإذن اللهraquo;.
رغم أن هذه الحجة -المستوحاة من كلمة للكاتب الكبير أحمد رجب، الذي ظهر على حقيقته في تأييده لرجل بينه وبين المصريين laquo;دم الشهداءraquo;- تدخل في باب المساخر التاريخية وتدين الرجل أكثر مما تنفعه، لكن بعد هدوء وتفكير عميق ودراسة للفكرة، اقتنعت بوجاهتها، وإمكانية تحققها، فيتبدل حال من علم وصمت على وصول جحافل راكبي الجمال والأحصنة ومعهم فيالق laquo;البلطجيةraquo; وفرق القناصة المدربين على اصطياد الرؤوس يوم الموقعة المشهودة، ليصبح ثائرا بعد أن يعزه الله بكرسي الحكم، ويتحول إلى laquo;سيف مسلولraquo; يعادي الديكتاتوريات ويناصر الثوار في كل العالم، ويعيد أسطورة laquo;جيفاراraquo;.
لو نجح laquo;شفيقraquo; وأصبح رئيسا، فلديه كل الأدوات ليعبر الصحارى والجبال والبحار، ويغزو المعمورة شرقا وغربا. معه فريق laquo;البلطجيةraquo; الذي قاد موقعة laquo;الجملraquo;. سيضع الرجل تعريفات جديدة للاستراتيجيات العسكرية على مستوى العالم، ويعيد الاعتبار إلى laquo;الجمالraquo; و laquo;البغالraquo; و laquo;الحميرraquo; في عصر الصواريخ والطائرات والغواصات.
لو فاز laquo;الفريقraquo; فلن يكون فقط laquo;سيف الله المسلولraquo;، ويستعيد بطولات وأمجاد خالد بن الوليد، بل سينشر laquo;العدلraquo; بين الناس. سيوزع على رجال الأعمال الذين يساعدونه في معركته الانتخابية خيرات مصر بالقسطاس، كل بحسب ما دفع في شراء الأصوات. سيسير على نهج laquo;مثله الأعلىraquo; مبارك ويوزع بالتساوي أيضا الفقر على عامة الشعب. سيتيح أمامهم بكل ديمقراطية اختيار وسيلة الموت المناسبة، سواء بالرصاص الحي في مظاهرة، أو تعذيبا في قسم شرطة، أو حرقا في قطار، أو غرقا عبارة.
الشواهد تقول إن laquo;شفيقraquo; فعلا سيتغير بعد الرئاسة، ويصبح laquo;سيف الله المسلولraquo;.. يحارب وينتصر في المعركة تلو الأخرى رافعا راية laquo;المحروسةraquo; خفاقة بين الأمم، ويفتح البلد تلو البلد. ليس حبا في الغزو، وإنما لنشر نظريته التي سجل بها سبقا أسطوريا، ويكون أول قائد عسكري في التاريخ يخوض المعارك وهو laquo;قتيلraquo; بعد قولته المشهودة وهو يعدد مناقب نفسه: laquo;أنا حاربت.. وقتلت واتقتلتraquo;!