عادل الطريفي

جاء اختيار الملك عبد الله بن عبد العزيز للأمير سلمان وليا للعهد دليلا على ثقة واستمرارية بيت الحكم السعودي، ففي الوقت الذي تتعرض فيه بلدان عربية لصراعات داخلية وحروب، وانهيار للشرعية والتوافق الاجتماعي، بدت السعودية أكثر استقرارا ورسوخا من أي وقت مضى. لا شك أن السعودية بالنسبة للمراقب الخارجي قد شهدت نقلة واضحة في عهد الملك عبد الله، لا سيما في المجالين الاقتصادي والتعليمي، بل يمكن القول إن مبادرات الملك عبد الله قد وضعت السعودية على طريق الإصلاح والتجديد بشكل ساعد على تدعيم الركائز الأساسية لشرعية الدولة.

تعيين الأمير سلمان يحمل دلالتين، الأولى: أن بيت الحكم السعودي ما زال قادرا على تقديم رجالات دولة مؤهلين للقيادة والحكم، ويملكون الثقة والاحترام والشعبية بين مواطنيهم. الثانية: أن السعودية أثبتت قدرة كبيرة على تحقيق انتقال سياسي حكيم وهادئ في مراتب السلطة دون أن يؤثر ذلك على مسارها، وهذا الأمر بحد ذاته يعطي الدول الحليفة والصديقة للمملكة الاطمئنان إلى وحدة واستقرار أكبر دولة مصدرة للطاقة في العالم.

ولعل المتابع للتغطية الإعلامية الغربية لخبر التعيين يلحظ الاهتمام البارز بولي العهد الجديد، فقد وضعت جريدة الـlaquo;نيويورك تايمزraquo; الأميركية صورة الأمير سلمان على صدر موقعها بعد ساعات من تعيينه، وفي تحقيق موسع كتبت الجريدة أنه لطالما عرف عن الأمير سلمان جديته ومثابرته في العمل، ولأجل ذلك laquo;كان اختياره أمرا طبيعياraquo;، وأضافت أنه مع تمتعه بخصال هامة فإنه يحظى بشعبية كبيرة بين مواطنيه.

لقد أظهر الأمير سلمان خلال العام الماضي قدرة كبيرة على تعزيز وتوثيق علاقات السعودية بالدول المؤثرة على الساحتين الإقليمية والدولية، ففي زيارتين هامتين إلى واشنطن ولندن مطلع هذا العام حاز وزير الدفاع الجديد إعجاب وتقدير نظرائه، وبدا جليا الاحتفاء والتقدير اللذين حظيت بهما زياراته، حيث استقبله كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. لأجل ذلك لم يكن مستغربا أن يكون الرئيس أوباما من أوائل المهنئين للأمير سلمان، حيث أثنى في بيان رسمي من البيت الأبيض على شخصيته وخصاله: laquo;كأمير لمنطقة الرياض ووزير للدفاع، خدم ولي العهد الأمير سلمان بكل تفانٍ وشرف لأكثر من خمسة عقود.. هو رجل لديه إيمان عميق ومتعهد بتحسين حياة المواطنين السعوديين، والحفاظ على أمن المنطقةraquo;.

لا شك أن السعودية أثبتت وحدة وتماسكا نادرين في المرحلة الراهنة، مما يعكس الثابت في سياستها، وعلى الرغم من ذلك فإن التحديات الداخلية والإقليمية كبيرة. فالسعودية أكثر من أي وقت مضى باتت عليها مسؤوليات كبيرة تتعلق باستقرار وأمن المنطقة في مرحلة ساخنة من التاريخ. صحيح أن السعودية تجاوزت بجدارة الأزمة التي هزت دولا عربية عدة، إلا أن تحديات وارتدادات ذلك الزلزال ستستمر لسنوات مقبلة، ولأجل ذلك فإن صانع القرار السعودي مطالب بقيادة المنطقة في مرحلتها الانتقالية، والنأي بها عن مؤامرات بعض القوى الإقليمية. هذه التحديات يمكن إجمالها في عدة نقاط:

داخليا: هناك ضرورة للدفع بمشروع الملك عبد الله الإصلاحي، لا سيما في مجالي تطوير المؤسسات الحكومية والأنظمة والتشريعات، وكذلك في المجال التعليمي. الدولة تجاوزت في إنفاقها على الخدمات الأساسية الموازنات السابقة، وطرحت مشاريع للتوظيف ومساعدة العاطلين عن العمل، ويمكن اعتبار مشروع الملك عبد الله للابتعاث الذي قاده بنفسه إنجازا يستحق كل الإشادة والتقدير. في الوقت ذاته على السعودية التفكير بجدية في تنويع مصادر دخلها، وترشيد الاستهلاك المحلي للطاقة، حتى تتمكن من تحقيق نمو متوازن على المدى البعيد. المجتمع السعودي يتغير عاما بعد عام، وبفضل البعثات الخارجية والانفتاح التدريجي في الأعوام الأخيرة، بدأت السعودية في التغير إيجابيا، والتحدي الحقيقي هو أن تحافظ السعودية على الإصلاح التدريجي والمتوازن للمؤسسات وللمجتمع في الوقت ذاته دون أن تؤثر على ثوابتها السياسية.

أما على الصعيد الخارجي، فإن السعودية تجد نفسها مضطرة يوما بعد يوم إلى أن تضطلع بالدور الأول والرئيسي مع حلفائها الخليجيين في معالجة الأزمات المتعددة. هنا يمكن القول إن معادلة الثابت والمتحول أكثر وضوحا، فالسعودية التي لم تعتد التدخل في شؤون الآخرين، وإذا تدخلت فبشكل شديد الحذر أحيانا، باتت مضطرة للتدخل المباشر حماية لمصالحها أولا، وثانيا لتجنب الانعكاسات السلبية لبعض الأزمات على الاستقرار والسلم الإقليميين. الأزمة السورية، على سبيل المثال، التي تدخل مرحلة حرجة للغاية تفرض على السعودية بالاشتراك مع بعض القوى الإقليمية التحرك المباشر لحشد التأييد الدولي لإنقاذ الشعب السوري من آلة القتل والتدمير التي يمارسها النظام البعثي في دمشق.

هذه الأزمة ومثيلات غيرها تتطلب استحداث أدوار ومؤسسات جديدة قادرة على تطوير وتعزيز قدرة السعودية على الحفاظ على مصالحها، وفوق ذلك استشراف التحديات المستقبلية واجتراح الحلول لها. لقد استطاعت الدبلوماسية السعودية المناورة وامتصاص الصدمات المتعاقبة، ولكن حان الوقت لأن تتوفر مؤسسات سعودية حديثة تنقل النشاط السعودي إلى الخارج لتأمين المصالح الوطنية بشكل أكثر حيوية وفاعلية. لا بد أن يكون للسعودية رجالها ومؤسساتها العاملة على الأرض في أكثر من محفل دولي، ومن داخل بؤر الصراع الإقليمية المتعددة، كل ذلك في وقت واحد ليعكس قدرة السعودية على ملء الفراغ الذي أحدثته الزلازل الأخيرة.

هناك أمل وثقة كبيران في قدرة الأمير سلمان على الاضطلاع بالمسؤولية، وعلى تحويل رؤية الملك عبد الله للأمن والاستقرار الإقليميين إلى واقع ملموس على الرغم من كل التحديات. لو أردنا البحث عن إجماع سعودي واضح، فهو يتمثل في الالتفاف الشعبي حول قيادة الملك عبد الله الحكيمة، وفي دعم المواطنين لهذا الاختيار السديد. ولي العهد الجديد يجيء في لحظة تاريخية ومهمة للشعب السعودي، والعالم يترقب استمرار السعودية كعامل استقرار للمنطقة. لقد خسرت السعودية رجلين كبيرين في شخص الأمير سلطان والأمير نايف (رحمهما الله). بيد أن الأمل معقود على حكمة وقيادة الأمير سلمان لتدعيم أساسات البيت السعودي.