طهران ndash; محمد صالح صدقيان
تشهد الساحة العراقية هذه الايام تطورات مهمة، علی خلفية تداولات كتل السياسية لسحب الثقة من رئيس الوزراء نوري المالكي واسقاط حكومته بهدف laquo;عدم تكريس الديكتاتوريةraquo;، علی حد قول زعيم التيار الصدري مقتدی الصدر، او بسبب laquo;عدم التزامه بتعهداتهraquo; كما يری الزعيم الكردي مسعود برزاني، او laquo;تخطيه الدستورraquo; كما ترى قائمة laquo;العراقيةraquo; التي يتزعمها اياد علاوي.

واللافت في هذه التداولات، اصطفاف مقتدی الصدر الی جانب الزعيم الكردي مسعود برزاني، والقائمة laquo;العراقيةraquo; بزعامة اياد علاوي، في ما يعتبر تحالفاً لسحب الثقة من المالكي وحكومته التي انهت نصف عمرها الدستوري، انتظاراً لعام 2013، موعد الاستحقاق الانتخابي البرلماني الذي ياتي بحكومة جديدة.

واذا كانت دوافع برزاني والقائمة laquo;العراقيةraquo; معروفة في مواجهة نوري المالكي، فمن غير المعروف الدوافع وراء موقف مقتدی الصدر، ذلك ان المشتركات laquo;المعلنةraquo; التي تربطه بحكومة المالكي و laquo;التحالف الوطنيraquo; اكثر بكثير من تلك التي تربطه بالاكراد والقائمة laquo;العراقيةraquo;، خصوصاً بعدما اعلن انه لا يريد ترشيح شخصية تابعة للتيار لمنصب رئاسة الوزراء، وهذا مايعطي انطباعا بأنه laquo;يقاتل بالنيابةraquo;، لاسباب لم يكشف عنها سوی مطالبته بعدم ترسيخ الديكتاتورية.

الصدر المتغيّر

ومما اثار الاستغراب اعتراضه قبل فترة علی استضافة الحكومة العراقية مجموعة خمسة زائد واحد الغربية مع الجانب العراقي، والذي كان منسجماً بذلك مع موقف حزب البعث المنحل الموالي للرئيس السابق صدام حسين، الذي دان هو الآخر في بيان له هذا الاجتماع لانه laquo;يحقق اهداف الامبريالية الاميركية والصهيونيةraquo;، في الوقت الذي عملت الديبلوماسية التركية كثيراً من اجل الفوز باستضافة الاجتماع لدورتين متتاليتين، لولا عزوف الجانب الايراني بسبب مواقف انقرة من التطورات السورية.

ولم يتمكن تحالف اربيل من جر المالكي الی البرلمان لاستجوابه واعادة طرح الثقة، مما دعاه الی عقد اجتماع ثان في النجف واعطاء مهلة جديدة لم تستطع هي الاخری الصمود بسبب تشتت مواقف الاعضاء في التكتلات المعارضة الكردية و laquo;العراقيةraquo; والصدرية.

وثمة قلق علی مستقبل العملية السياسية في العراق في حالة سحب الثقة من الرئيس نوري المالكي، فالبعض يری ان ذلك سيدفع المحافظات الی تشكيل اقاليم في الجنوب والوسط والغرب، في حين يتوقع آخرون ان تكون حكومة نوري المالكي آخر الحكومات في العراق الموحد، وقد يؤدي سحب الثقة الى افساح المجال امام حكومة اربيل للسيطرة علی كركوك واعلان الدولة الكردية المستقلة، في حين يعتقد كثيرون ان الفوضی في العراق بعد سحب الثقة من المالكي، سوف تحقق مطالب وأهداف ورغبات حزب البعث المنحل الذي كان يراهن دائماً علی عدم استقرار العراق بعيداً منه، مطالباً بتعليق الدستور وإلغاء قانون اجتثاث البعث وتشكيل مجلس قيادة الثورة علی المقاسات البعثية من اجل اعادة ترتيب الاوراق السياسية في العراق.

بعيداً من هذه التصورات، وما اذا كانت صحيحة وممكنة، فهي تقع في الدائرة العراقية الضيقة، مستبعدة العامل الخارجي، الاقليمي او الدولي، الذي يؤثر عادة بشكل كبير في الوضع الداخلي العراقي.

وهناك ثلاثة عوامل رئيسية اثبتت انها تستطيع التأثير في التطورات داخل العراق، العامل الاميركي الذي انهی احتلاله بشكل معلن للعراق العام الماضي، والعامل العربي الذي يرتبط بعلاقات مختلفة مع العراقيين باعتباره الحاضنة العربية للعراق، اضافة الى العامل الايراني الذي يرتبط بعلاقات جيدة مع مختلف الاطياف العراقية وله مصلحة في ترتيب البيت العراقي بما يحقق امنه القومي.

اتفاق جهات قريبة وبعيدة

واستناداً الی التجارب السابقة، فإن الاتفاق علی رئيس وزراء جديد يخلف الرئيس المالكي يحتاج الی وقت ليس بقصير، لأن الاتفاق علی المالكي ذاته احتاج الی اكثر من سبعة اشهر، ويسود الاعتقاد ان الاتفاق علی الرئيس الجديد لن يستغرق اقل من ذالك، لأن الظروف الاقليمية الآن اعقد مما كانت عام 2009. اميركياً، تستعد الادارة بشخص رئيسها باراك اوباما للسباق الانتخابي الرئاسي، امام المرشح الجمهوري الذي يريد انهاء ولاية اوباما في دورتها الاولی، وهذا امر في غاية الاهمية للرئيس الاميركي الذي يريد دخول السباق وبيده احدی الاوراق الرابحة، حيث عمل علی انهاء الاحتلال في العراق، ونجح في سحب الجيش الاميركي، وعقد اتفاقية امنية مع الحكومة العراقية الحالية، وبذلك فهو يريد العراق مستقراً أمناً ليدخل به السباق الانتخابي، فليس من مصلحة الادارة الاميركية ان يدخل العراق في فوضی، او عدم استقرار، في الوقت الذي يرفع اوباما بيده ورقة الاستقرار العراقي، وعلی ذلك فإن وضع العراق علی صفيح ساخن لن يخدم الرئيس الاميركي انتخابياً، مما دعا السفير الاميركي في العراق جيمس جيفري ومسؤول مكتب التعاون الامني الجنرال روبرت كاسلن الی نقل رسالة واضحة للزعيم الكردي مسعود برزاني في الخامس من ايار ( مايو) الماضي، بعدم رغبة الادارة الاميركية بالتأثير في الاستقرار النسبي الذي يسود العراق، ودعوته الى ايجاد ظروف تساهم في التفاهم مع الحكومة المركزية في بغداد.

وعلی رغم معارضة برزاني هذه الدعوة وطلبه من السفير ممارسة الضغوط علی المالكي من اجل الايفاء بالتزاماته التي قطعها علی نفسه، الا انه عاد وكرر عزمه على المضي قدماً في سحب الثقة من المالكي laquo;وان عارضه شعبه وولده وعائلتهraquo;، في رسالة واضحة فسرت بانها موجهة للجانب الاميركي، لكن، تبقی قضية الانتخابات الرئاسية الاميركية وفوز اوباما، اكبر من معارضة هذا الفريق او ذاك في العراق الثوابت الاميركية.

عربياً، فإن انشغال النظام الرسمي العربي ndash; ان وجد ndash; بالثورات العربية هنا وهناك، وعدم حسم الامور في المناطق الساخنة والملتهبة، تجعل العامل العربي اقل العوامل تاثيراً في العراق، بل تجعل انعكاسات القلق العربي علی العراق لا تتعدی التصريحات الاعلامية والسياسية، مع قليل من المال الذي يصرف لادارة قناة تلفزيونية، او دعم حملة اعلامية، او تغطية نشاطات سياسية، لأن الطرف الذي يقف في العراق ليس المالكي او برزاني والصدر وعلاوي، انما الجانب الاميركي، وان اي مساس بالعراق يعني المساس بالثوابت الاميركية التي تعتبر من الخطوط الحمر للنظام الرسمي العربي وانظمته السياسية القادرة علی لعب دور مؤثر في العملية السياسية العراقية.

ايرانياً، لا تری القيادة اي جدوی من تغيير رئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي، في الظروف التي تمر بالعراق اولاً، والمنطقة ثانياً، خصوصاً ما يتعلق بالتطورات السورية، والاصطفاف الغربي ضد النظام السياسي السوري الحليف لطهران، وبالتالي فإن القراءة الايرانية لا تری مبرراً لتغيير الحكومة الحالية في العراق، في الوقت الذي نجحت في تطوير الحالة الامنية، وفرض الاستقرار النسبي، لأن الامن يشكل مشكلة المشاكل التي تقف دون بدء عملية الاعمار والتنمية، ولذلك فطهران لا تدعم اي جهد لسحب الثقة من المالكي، مع علمها بأن اتفاق الكتل السياسية علی مرشح جديد لن يتم في ليلة وضحاها، وانما يأخذ وقتاً طويلاً لا يخدم الامن والاستقرار في العراق، كما لا يخدم التطورات الاقليمية.

وثمة اعتقاد بأن سحب الثقة يكون ممكناً في حالة واحدة، وهي السماح لرئيس الوزراء نوري المالكي بالدفاع عن نفسه وعن اداء حكومته، امام مجلس النواب في جلسة علنية، بعدها يصار الی التصويت علی سحب الثقة وتعيين خلف له في المادة القانونية ذاتها، بمعنی ان الاقتراع علی سحب الثقة يشمل تعيين خلف للمالكي بتوافق التكتلات البرلمانية، فإن صوّت البرلمان علی سحب الثقة فإنه في الوقت ذاته يصوت علی تعيين البديل بناء علی التوافقات السياسية، وفي حالة عدم حصول خطوة سحب الثقة علی النصاب اللازم من الاصوات، فإن المالكي يبقی حتی انتهاء ولايته.

وتعتقد المصادر ان مثل هذا الحل سيرضي الاطراف الاقليمية والدولية، لانه سيعالج قلق هذه الاطراف من الفراغ الامني والسياسي، لكنها تستبعد حصول اتفاق سياسي علی البديل، وبذلك تبقی الامور في مكانها حتی انتهاء الولاية عام 2013.