هدى الحسيني

في السابع والعشرين من شهر مايو (أيار) الماضي، صرح إسماعيل قاءاني نائب قائد laquo;فيلق القدسraquo; أن laquo;الحرس الثوريraquo; الإيراني يعمل داخل سوريا لدعم نظام الرئيس بشار الأسد، وأنه laquo;لولا حضور الجمهورية الإسلامية هناك، لكانت المجازر التي ترتكب بحق الشعب السوري أوسع بكثيرraquo;. عن (وكالة أنباء laquo;إيسناraquo; الإيرانية شبه الرسمية)، وأكد في تصريحه: laquo;إن سوريا تشكل جغرافية المقاومةraquo;.

تعتبر تصريحاته معلومات محددة حول كيفية استخدام سوريا الآن مسرحا لصراع استراتيجي بين النظام الإيراني وتنظيم القاعدة. ويكشف ما يجري في سوريا، من نشاط إيراني، كما في مناطق أخرى كثيرة من العالم (آخرها كينيا حيث تم القبض يوم الاثنين الماضي على إيرانيين مع متفجرات كانا يخططان للهجوم على أهداف أميركية وبريطانية وسعودية وإسرائيلية في كينيا) أن إيران تحاول إحكام سيطرتها على الجهاد العالمي.

خلال الأشهر الماضية، بذلت إيران جهودا حثيثة لتهدئة التوتر الذي كانت تعاني منه مع قيادة تنظيم القاعدة، وسبب التوتر الخلافات بين الطرفين حول نظام بشار الأسد في سوريا، ففي حين استثمرت إيران الكثير لمساعدة الأسد في مواجهاته ضد المعارضة، أمر زعيم laquo;القاعدةraquo; الجديد أيمن الظواهري بأن يوسع التنظيم نشاطه في سوريا.

تصاعد الاحتكاك بين طهران وlaquo;القاعدةraquo; في سوريا عندما أقدمت إحدى الخلايا التابعة لـlaquo;القاعدةraquo; على تفجير سيارة مفخخة أمام مكتب الأمن الإيراني في دمشق، وكان ذلك ردا على تسليم إيران لمسؤول كبير في laquo;القاعدةraquo;، كان من أكثر المقربين من مؤسسها أسامة بن لادن، إلى موريتانيا.

ورغم التوتر، لا تستطيع إيران التخلي عن استخدام الجهاد العالمي، كـlaquo;وكيلraquo; لها، لتنفيذ هجمات في مناطق مختلفة من العالم، ولهذا تسعى إلى تسوية النزاع مع laquo;القاعدةraquo; حول توجه كل منهما بالنسبة إلى النظام السوري، بهدف تشديد قبضتها على التنظيم.

لمدة سنتين على الأقل، كانت إيران وlaquo;القاعدةraquo; حليفين، وتوصلا إلى اتفاقات فيما بينهما، مهدت الطريق أمام تعاون لوجستي وعملي أوسع. التعاون اللوجستي شمل تمويل إيران لـlaquo;القاعدةraquo; والإفراج عن ناشطيها من السجون الإيرانية، بينما ركز تعاونهما العملي على هجمات شنت في الخارج، ومع هذا فإن العلاقة بين قوتي laquo;المقاومةraquo; تدهورت في الأشهر الأخيرة، بسبب أوامر للظواهري، تكررت في توصيات علنية، وبالصوت والصورة، لتكثيف نشاط التنظيم في سوريا.

قيادة تنظيم القاعدة ترى في سوريا ساحة نشاط رئيسية، نظرا للوضع الهش للنظام السوري، ولعدم صلابة وحدة المعارضة السورية، ثم إنها تستثمر الكثير من الجهود لتجديد نشاطها الإرهابي في سوريا. وكجزء من هذه الجهود، أنشأت تنظيما جديدا لسوريا laquo;جبهة النصرةraquo;. هذه الجبهة تلقت مساعدات كثيرة من عناصر تنظيم القاعدة الذين يعملون انطلاقا من إيران وتحت رادار السلطات الإيرانية.

أبرز نشطاء laquo;القاعدةraquo; laquo;المقيمةraquo; في إيران والذي ساعد laquo;جبهة النصرةraquo;، من داخل إيران، محسن الفضلي الذي هو في الواقع رئيس تنظيم القاعدة في إيران، وبسبب انكشاف نشاطه الأخير، من المتوقع أن يغادر إيران إلى سوريا قريبا، على أن يحل مكانه أحد الذين لم تنكشف هوياتهم بعد، وهم كثر، من أجل استمرار تنسيق نشاط laquo;القاعدةraquo; في سوريا من داخل إيران.

إيران التي فعلت وتفعل الكثير لمساعدة وإنقاذ نظام بشار الأسد، تعارض أي نشاط لـlaquo;القاعدةraquo; ضد حليفتها الأساسية دمشق، بما في ذلك أي عملية إرهابية داخل سوريا.

حاولت وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية المسؤولة عن علاقة إيران بـlaquo;القاعدةraquo;، وعبر أساليب كثيرة، الضغط على قيادة التنظيم لحملها على وقف العمل في سوريا. وكان دليل الضغط الأكبر، تسليم محفوظ ولد الوليد إلى موريتانيا في الثاني من شهر أبريل (نيسان) الماضي، بعد سنوات قضاها في سجن إيراني.

تسليم ولد الوليد، الذي كان يعتبر من المقربين من أسامة بن لادن، كان خطوة غير متوقعة وهدفها توجيه رسالة إلى تنظيم القاعدة.

أبلغت قيادة laquo;القاعدةraquo; إيران أن التسليم يتناقض مع بنود الاتفاق الذي أبرم بين وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية وقيادة تنظيم القاعدة في باكستان عام 2009. وحسب الاتفاق، فإن أي مسؤول كبير في laquo;القاعدةraquo; يفرج عنه من السجون الإيرانية يتم تسليمه إلى شبكة laquo;القاعدةraquo; في إيران.

ردا على تسليم ولد الوليد، بعدما طلبت موريتانيا استرداده، أوعزت قيادة laquo;القاعدةraquo; إلى فرعها السوري laquo;جبهة النصرةraquo;، بتوجيه رسالة خاصة وارتكاب هجوم إرهابي ضد هدف إيراني في سوريا. تلقت laquo;جبهة النصرةraquo; الأوامر، وخلال ثلاثة أسابيع، في 24 أبريل، شنت هجوما بسيارة مفخخة خارج مكاتب laquo;الملحق الثقافيraquo; الإيراني وسط دمشق (يومها قال رئيس المراقبين الدوليين الجنرال روبرت مود إن تنظيم القاعدة وراء ذلك التفجير، ولحقت به واشنطن وعدة دول أوروبية).

في الثلاثين من أبريل أعلنت laquo;جبهة النصرةraquo; مسؤوليتها عن التفجير الذي استهدف ممثلية للأمن الإيراني تعمل تحت غطاء laquo;المركز الثقافيraquo;.

بهذه الطريقة أشارت قيادة laquo;القاعدةraquo; لإيران بأنها لن تغض الطرف عن السياسة الإيرانية، وحذرتها من أن لا تأخذ أي تدابير إضافية ضد نشاط laquo;القاعدةraquo;.

وكما تبدو الأمور الآن، لا يبدو أن الإيرانيين ارتدعوا، لا، بل هم مستمرون في بذل كل الجهود الرامية لبسط سيطرتهم على laquo;القاعدةraquo; لا سيما داخل سوريا. ولوحظ أن laquo;جبهة النصرةraquo; توقفت عن إصدار البيانات. وتعتمد طهران سياسة تجمع ما بين تحذير التنظيم، إضافة إلى جهود لتحسين العلاقات بينهما.

على سبيل المثال، أبلغت وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية، سوريا، أن إيران تدرس تسليمها ياسين السوري، أحد كبار النشطاء في laquo;القاعدةraquo; المحتجز في سجن انفرادي في طهران منذ شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وتوصلت أجهزة الاستخبارات الإيرانية والسورية إلى تقييم مشترك مفاده أن تسليم ياسين السوري إلى سوريا قد يكون بمثابة تحذير قوي إلى laquo;القاعدةraquo; لوقف عملياتها داخل سوريا.

ورغم كل التطورات، لم تستبعد إيران خيار استخدام نشطاء الجهاد العالمي، كوكلاء لعمليات إرهابية في الخارج، وتحاول في الوقت نفسه تعزيز سيطرتها ونفوذها على تنظيم القاعدة.

وبالنسبة إلى الاستخبارات الإيرانية، فإن الخلاف مع laquo;القاعدةraquo; مؤقت ويمكن تجاوزه.

إن إيران عازمة على مواصلة التعاون مع تنظيم القاعدة، لأنها ترى في هذه الشبكة الإرهابية أداة استراتيجية، يمكنها استخدامها وإخفاء تورطها في الهجمات التي ترتكبها.

في الوقت نفسه، تعزز طهران تعاونها مع عناصر جهادية أخرى تعمل في إيران. في الأسابيع الأخيرة وقعت الاستخبارات الإيرانية على عناصر جهادية إضافية، وتتعامل معها تحضيرا لعمليات مستقبلية، خصوصا مع تشديد الحصار الاقتصادي والنفطي العالمي عليها.

بعيدا عن تنظيم القاعدة، هناك منظمات أخرى كثيرة غير عربية، تعمل أيضا في إيران، وتستطيع إيران أن تطلب مساعدتها، ومن بين هذه التنظيمات، هناك التركية، والأوزبكية والكردية.

انكشاف الصراع ما بين إيران وlaquo;القاعدةraquo; داخل سوريا، يكشف أولا ضيق الهامش أمام laquo;القاعدةraquo; للتحرك في سوريا، كما يدعي النظام، بسبب laquo;وجود الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفيلق القدسraquo; كما أكد إسماعيل قاءاني، ويكشف أيضا أن النظام السوري الذي يرفض أي تسوية ليست laquo;سورية الصنعraquo;، صار هو laquo;غير سوري الصنعraquo; بسبب المحركات الروسية والإيرانية!

يبقى السؤال، هل يعود العراق مسرحا لعمليات انتقامية لـlaquo;القاعدةraquo;، تعويضا عن المسرح السوري!