عوامل ثلاثة قادته الى استنتاجات خاطئة والفشل

روزانا بومنصف

تلقى مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان الى سوريا ضربة قوية في ضوء المحادثات التي اجراها مطلع الاسبوع الماضي مع الرئيس السوري بشار الاسد، اذ شعر على اثرها في ضوء ما سرب عن الاجتماع، انه تعرض للخديعة، وتالياً للفشل مما تسبب بشعوره بخيبة واحباط كبيرين دفعاه الى مغادرة جنيف يوم الخميس الماضي الى اسوج من اجل الابتعاد، عما اثقل عليه في هذا الاطار. ومع ان انان يزور موسكو من حيث المبدأ غدا الاثنين للقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فان القرار المنتظر صدوره عن مجلس الامن قبل العشرين من الجاري هو الذي سيسمح بتبين ما اذا كان ثمة فرصة لأنان، لأن يستأنف مهمته. ًذلك انه في حال اراد ذلك او كلف بمتابعة مهمته في غياب اي بديل راهنا فان عليه ان يتسلق جبلا عاليا في محاولة لاستعادة ثقة السوريين الذين كلف مهمة في سوريا من اجلهم ومن اجل ان يحمي الشعب السوري فلا يبقى ضحية للعنف الذي يتعرض له، ذلك ان انان لا يستطيع ان يكمل، كما كان يفعل، ويفترض به اعادة صياغة مهمته في حال استطاع، كونه تسبب باذية للناس الذين اعتقد انه يخدمهم وتسبب بغضب المعارضة السورية التي لم تكن مؤمنة اصلاً بمهمته ولم تقبل بها، الا لاعتقادها انه يمكن ان يقنع الروس بالتعاون. كما عليه ان يستعيد ثقة الدول العربية وبعض الدول الغربية والبعض يقول ثقة فريقه المباشر التي تعرضت للاهتزاز مع عدم اخفاء البعض رغبته في الاستقالة من فريق عمل انان كون هذا الاخير اهمل الاستماع الى تقويم مختلف من جانب هذا الفريق.
وتكشف مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع ان ثلاثة عوامل على الاقل ساهمت في انزلاق انان الى ما اعتبرته المصادر فخا نصب له ووقع فيه. اول هذه العوامل انه كون انطباعا بعد اجتماع سان بطرسبرغ بين وزيرة الخارجية الاميركية ونظيرها الروسي ان الروس اكثر وعيا وادراكا لما يريدونه من الوضع السوري، واكثر استعداداً لتحقيق ما يريدونه في حين ان موقف الاميركيين غير واضح لا من حيث استعدادهم للوصول الى ما يقولون به حول تنحي الاسد ولا بتشددهم او بتراخيهم في هذا الاطار. وتاليا استنتج انان وفق معلومات هذه المصادر ان الموقف الروسي ومعه الدعم الايراني اقوى في دعم الاسد من دعم الولايات المتحدة والغرب والدول العربية للمعارضة باعتبار ان هذا الدعم ليس بالقوة نفسها وهو دعم مبدئي وليس بالقوة الفعلية نفسها للدعم الروسي والايراني للاسد . وهو الامر الذي ظهر في اجتماع جنيف لمجموعة العمل المتصلة بسوريا فاعتقد انه من ضمن ميزان القوى الروسي الغربي الحالي لا يستطيع ان يضغط على النظام السوري بل ان يحاول ان يصل معه الى تسوية مقبولة منه، وهو الخطأ الذي وقع فيه انان من اول الخط الى نهايته.
العامل الثاني وفق معلومات هذه المصادر يتصل بنظرة انان الى ما يجري في سوريا بناء على ما تقدم. فبات ينظر الى الثورة في سوريا على انها صراع مصالح بين ايران والمملكة العربية السعودية مغلباً العنصر الجيوسياسي على طابع الانتفاضة الشعبية في سوريا. مما يعني ًانه بات يعتبر ان السوريين هم ادوات في خدمة مصالح الآخرين، منزلقا الى تفسير جيوستراتيجي لما يحصل، مرتكبا بذلك خطأه الكبير الثاني في تجاهله الاسباب الداخلية للثورة السورية وديناميتها التي دخلت عليها الاعتبارات الخارجية.
اما العامل الثالث فكان اعتماد انان في تقويمه للوضع الداخلي وميزان القوى الداخلي في سوريا على تقدير رئيس فريق المراقبين الجنرال روبرت مود الذي من موقعه اعتبر ان ميزان القوى لا يزال الى جانب الجيش الموالي للنظام في قدرته على استخدام الاسلحة الثقيلة على رغم ان التقارير من جهات استخبارية عدة تكشف خسارة النظام سيطرته على مناطق عدة من الاراضي السورية. ويعود ذلك وفقاً لما تقول هذه المصادر الى غياب وجود للامم المتحدة على الارض في سوريا وعرقلة النظام السوري اقامة مكتب دائم يمكن ان يساهم من خلال تقارير موضوعية في تقويم الوضع على الارض على حقيقته. والخطير في هذا الاطار انه غاب عن انان، تبعا لذلك، ان ما يجري في سوريا ليس،من عمل مجموعة مسلحين او ارهابيين مسلحين وفقاً لما يقول النظام بل معارضة وقوة سياسية غيّبهما انان في جولته الاخيرة بعد غيابه عن اجتماع مجموعة اصدقاء سوريا الذي انعقد في باريس، فاكتفى بزيارة النظام السوري وحلفائه اي العراق وايران من دون التحدث مع المعارضة او مع الدول العربية. وتالياً، فاستنتاجه كان وفق معلومات هذه المصادر الديبلوماسية، انه في ظل الخلل في ميزان القوى الدولي وفي ظل صراع جيوستراتيجي يجعل السوريين ادوات في صراع اقليمي وتشخيص خاطىء لميزان القوى العسكري في الداخل، ان عليه ان يكون اكثر مرونة في التعامل مع الاسد. وقد تبين له ان الرئيس السوري وعده بمجموعة امور ظهر من تسريب السوريين لما سمي محضر اللقاء انه كان ضحية خديعة باعتبار انه تم تظهير انان موافقا على اقتراحات الاسد وخططه في حين نفى المبعوث الاممي انه وافق. فانان اعتبر انه اخذ من الرئيس السوري أمرين: احدهما هو موافقته على وقف العنف وقبوله بالحوار. لكنه في العنصر الاول ذهب الى شروط وتفاصيل تنسف خطة انان في الاساس ويستحيل في ضوئها ان يتحقق اي وقف للنار، وفي العنصر الثاني فان تسمية علي حيدر للبحث في تشكيل الهيئة الانتقالية ليس اقتراحاً جدياً باعتبار ان هذا الاخير ليس من ضمن النظام وهو على طرفه في حال التسليم جدلاً بأن الاسد يريد ان يسلم السلطة الى هيئة انتقالية تأخذ منه صلاحياته.
هذا الاهتزاز العميق لمهمة انان من حيث تقويمه للامور وشعوره بالخديعة واثارته غضب المعارضة السورية وفقدانه ثقتها الى جانب الاعتقاد انه اداة طيعة في يد الروس سيجعل الامور اكثر تعقيداً في المرحلة المقبلة على رغم اقتناع عام بان انان يضيع الوقت ليس الا، خصوصاً بعد استنتاج المعارضة السورية بكل تلاوينها ان روسيا لم تغير اطلاقاً موقفها من النظام واستمرار دعمه. لكن مهمته تبقى ذات دلالة معنوية ان لم تكن فعلية فكيف سينقذها مجلس الامن او الدول التي تحتاج اليها في الوقت الضائع؟