Shashank Joshi

قبل الانتخابات، أقدم أحد كبار رجال الدين في البلاد على إصدار فتوى ضد تحالف جبريل، لأنه لم يكن إسلامياً بما يكفي، فرد التحالف على ذلك برفع قضية على رجل الدين، ما يشير إلى تراجع مراعاة المؤسسة الدينية.
لقد انحرفت ليبيا عن السيناريوهات العربية المألوفة. كان يُفترض أن تكون القصة بسيطة: الليبراليون الساذجون يدعمون الثورة الليبية، ثم يأتي الإسلاميون ويخطفون إنجازاتها، وتنتهي القصة عند هذا الحد. في السنة الماضية، حذرت مجلة ldquo;أميركان سبكتاتورrdquo; من أن النزعة الإسلامية ستصبح القوة السياسية الطاغية في البلاد، علماً أن روابطها بتنظيم القاعدة تزداد وضوحاً. ثم اعتبر الصحافي جون برادلي أن ldquo;مقاتلي القاعدة السابقين ومجموعات المتعصبين القبليين استولوا على ليبيا، وفرضوا حكم الشريعة على ذلك البلد الذي كان علمانياً في السابقrdquo;.
لكن ما هو الوضع الفعلي في تلك الأرض الإسلامية القاحلة بعد الثورة؟ يبدو أن تحالفاً بقيادة العالم السياسي، الذي تلقى تعليمه في الغرب رئيس الوزراء المؤقت السابق، محمود جبريل، فاز في أول انتخابات حرة تشهدها ليبيا منذ 60 عاماً، فهزم بذلك خصومه الإسلاميين. حتى ان الإسلاميين المتشددين هُزموا أيضاً في معقلهم الشرقي في درنة. سجلت هذه الانتخابات مشاركة بنسبة 62 في المئة، وقد جرت في جو سلمي عموماً، مع إغلاق أقل من 2 في المئة من مراكز التصويت.
ووفق أحد المراقبين، كانت تلك المناسبة أشبه بزفاف عائلي كبير ترافق مع احتفالات صاخبة ودموع الفرح. حتى في المناطق التي كانت تعتبر معادية للثورة (مثل موطن العقيد القذافي في سرت)، كانت نسبة المشاركة مرتفعة على نحو مفاجئ.
لا مفر من حدوث بعض الاضطرابات طبعا، لكنها نجمت عموماً عن عناصر تدافع عن مفهوم الفدرالية، مثل الأشخاص الذين أرادوا أن يعززوا تمثيلهم في شرق ليبيا، وأن يحلوا مكان المجاهدين المسلحين. لم يقتصر الوضع على ذلك. في الشهر الماضي، كتب شون كاين، الذي أقام في ليبيا خلال الأشهر الستة الماضية: ldquo;في ظل غياب أي نصائح دولية، خاضت مصراتة وبنغازي انتخابات محلية راقية خلال هذا الربيع، استناداً إلى أموالهما خاصة، وكان ذلك الاستحقاق أشبه باحتفالات الزفاف المبهجة بدل أن يكون مجرد واجب مدني مملrdquo;.
في زمنٍ يسهل فيه اعتبار الربيع العربي مجرد وهم عابر، يبدو أن روحية ذلك الحدث لاتزال حية في هذا المكان. لقد حصلت إنجازات لافتة في بلد مزقته الحرب الأهلية منذ أقل من سنة. عندما شهد العراق أول انتخابات برلمانية بعد الغزو الأميركي، أدت مئات الاعتداءات المسلحة إلى مقتل 44 شخصاً. وفي انتخابات العراق عام 2010، قتل أكثر من 400 شخص. لكن في ليبيا، تشير التقارير إلى أن عدد الضحايا يقل عن خمسة أشخاص.
صحيح أن الإسلام يشكل قوة اجتماعية أساسية في ليبيا، لكن ما من حزب سياسي بارز يستطيع الإعلان أنه ldquo;علمانيrdquo; (مثلما يرفض أي سياسي أميركي بارز الاعتراف بأنه ldquo;ملحدrdquo;). إن التحالف الأبرز في البلاد ليس ldquo;ليبرالياًrdquo; بالمعنى الذي يفهمه الغرب. في حال فوزه، سيكون منفتحاً على العمل مع الإسلاميين الأكثر تشدداً وسيوافق على فرض الشريعة كأساس للقانون.
تكثر الأمور التي يمكن انتقادها في هذا المجال، لكن الفكرة القائلة إن الثورة دمرت بلداً ldquo;علمانياً سابقاًrdquo; لا أساس لها من الصحة، كان العقيد القذافي يسمح بتعدد الزوجات، ويمنع استهلاك الكحول، وقد كتب تعاليم الشريعة في دستوره الخاص. كما حصل في مصر، يرتكز هذا الحنين المفاجئ إلى عهد دكتاتور متساهل ظاهرياً على أسطورة خيالية. لطالما كان الإسلام القوة الطاغية في البلد ولم يكن القذافي استثناء على القاعدة. يكمن الفرق في واقع أن الديمقراطيين الجدد في ليبيا لن يذبحوا على الأرجح آلافاً من ناخبيهم.
يعتبر هنري سميث، خبير في الشؤون الليبية، أن ldquo;معظم الأحزاب السياسية تحاول أن تكون شاملة سياسياً واجتماعياً وصديقة لشركات القطاع الخاصrdquo;. ويشرح جورج غرانت، مساعد رئيس تحرير صحيفة ldquo;ليبيا هيرالدrdquo; في طرابلس، في تحليله للمشهد السياسي الليبي: ldquo;إن الانقسام بين العلمانيين والإسلاميين، الذي تركز عليه الجهات الخارجية التي تراقب ليبيا، مفهوم خاطئ، ويشكل تحالف جبريل خير مثال على ذلك. عند إطلاق ذلك التحالف، مُنح أهم موقع لشيخ بارز من الزنتان، بينما تلت محضر الاجتماع امرأة تنتعل حذاء بكعب عال، وترتدي حجاباً أنيقاً مع بذلة سوداء ضيقةrdquo;.
هكذا هي السياسة الليبية. لا داعي لتمضية وقت طويل في المناطق القبلية الباكستانية لمعرفة أن الإسلاميين هناك لا علاقة لهم بتنظيم القاعدة. قبل الانتخابات، أقدم أحد كبار رجال الدين في البلاد على إصدار فتوى ضد تحالف جبريل، لأنه لم يكن إسلامياً بما يكفي، فرد التحالف على ذلك برفع قضية على رجل الدين، ما يشير إلى تراجع مراعاة المؤسسة الدينية. كذلك، لم تصدم النزعة البراغماتية، التي يتحلى بها جبريل، الليبيين، بل أنتجت ضجة انتخابية إيجابية. من المتوقع أن يفوز التحالف بـ80 في المئة من الأصوات في طرابلس و60 في المئة في بنغازي. بكل بساطة، يبدو أن المجاهدين لن يستولوا على ليبيا.
تواجه ليبيا الجديدة مشاكل جدية ولابد من التدقيق في انتهاكات حقوق الإنسان فيها (مثل اعتقال الليبيين السود أو تعذيب الموالين للقذافي) كما حصل مع النظام القديم، لن تسيطر الحكومة المنتخبة حديثاً على أجزاء واسعة من الأراضي، بل ستضطر إلى خوض حرب مع القبائل في الجنوب فضلاً عن مواجهة احتجاجات مناطقية في الشرق ومشكلة انعدام ثقة الثوار الذين يظنون أنهم لم يحصلوا على مكافآت كافية مقابل دورهم في الانتفاضة. في نهاية المطاف، يُعتبر محمود جبريل حتى الآن مسؤولاً سابقاً في عهد القذافي.
ما يزيد الوضع تعقيداً هو قواعد اللعبة التي لاتزال متقلبة. في البداية، كان يُفترض أن يسمي هذا البرلمان الجديد هيئة لصياغة الدستور. اليوم، يبدو أن هذا الموضوع يتطلب انتخابات أخرى. على صعيد آخر، تبرز المشاكل الاقتصادية المألوفة وارتفاع مستوى البطالة إلى 30 في المئة تقريباً. إنها تحديات صعبة بالنسبة إلى دولة ضعيفة حتى لو كانت تلك الدولة تستفيد من أموال النفط.
لا تضمن الانتخابات الاستقرار السياسي، ومن المعروف أن العمليات الانتقالية الديمقراطية تكون محفوفة بالمخاطر. لكن هذا الأسبوع، بدأ الليبيون يردون على المشككين، من خلال اتخاذ خطوة هائلة في الاتجاه الصحيح.