أمين أحمد بهبهاني

عالم السياسة شديد الغموض وقد يضيع العوام في متاهاته، والسبب في ذلك أن الكثير من المكاسب لا تتحقق في ذلك العالم إلا من خلال اتفاقات وخطط غير معلنة، أو من خلال أدمغة مجهولة تدير الأمور من خلف الكواليس، علماً أن الصهيونية والمافيات الدولية لها الباع الأطول في هذا الشأن إلى درجة أن حكومات الدول العظمى والدول الإقليمية تتيه في ألاعيبها، وفي هذا الشأن قال أحد قادة اللوبي اليهودي المسمى laquo;دزرائيليraquo;: laquo;إنما يحكم العالم ويُسيّره أشخاص هم وراء الستار، يختلفون كل الاختلاف عن الأشخاص الذين على المسرح أمام الستارraquo;. وإذا عرجنا إلى الأحداث الجارية في سوريا لوجدنا حالة من الغموض الذي لا يمكن تفسيره إلا بأن هناك أطرافاً تعمل في الخفاء على انهيار النظام السوري لتحقيق أهداف تتخطى عملية الإصلاح السياسي، علماً أن هناك ما يشير إلى رغبة جهات دولية في إقامة laquo;وطن قومي للأكرادraquo; في الشرق الأوسط يضم أكراد سوريا وتركيا والعراق وإيران، وكتغطية على هذا الأمر تم تحريك فئات من المتشددين السلفيين الذين رموا بأنفسهم بلا وعي في هذا التيار الخطير على الأراضي السورية. ويبدو أن إعلان انفصال الجزء الذي يقطنه الأكراد من سوريا هو الخطوة الأولى إذا سقط النظام السوري. ولذا، فإن قادة كل من تركيا والعراق وإيران يراقبون الوضع باهتمام شديد، إذ إن انهيار النظام السوري يعني اشتعال الجبهة الكردية في دولهم، علماً أن الجماعات الكردية في هذه الدول لها أجنحة عسكرية وتنادي بالانفصال علناً، وقد قام أكراد إيران بحركة انفصالية عند نجاح الثورة الإيرانية في عام 1979، ولكن الحكومة الإيرانية أخمدت تلك الحركة في مهدها. وأما في العراق، فيبدو أن الحكومة العراقية تراقب رغبة إقليم كردستان العراق بالانفصال بجدية ملحوظة، خصوصاً بعد توجيه الاتهام لنائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي بتهم أمنية ولجوئه إلى إقليم كردستان، ويبدو أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أراد إرسال رسالة صريحة لإقليم كردستان حين طلب شراء 36 مقاتلة تذكرهم بالقمع الحاسم للحركة الانفصالية الكردية في إيران، وأما تركيا فإنها تنظر بعين الرضا إلى تلك الإجراءات الرادعة التي تجعل أكراد تركيا أكثر هدوءاً وأكثر حكمة في مطالباتهم القومية. وأما في سوريا فيبدو أن الحس الطائفي للمتشددين السلفيين جعلهم ملكيين أكثر من الملك، فرضوا بأن يكونوا وقوداً لحرب طائفية يقف قادة العالم كلهم ضدها، وإن كانوا خلف المايكرفونات يقولون غير ذلك خوفاً من غضبة العوام، ويبدو أن بعض قيادات الحراك المعارض في سوريا باتت تدرك أن العالم ليس معهم، فجاءت لافتاتهم تدين الجميع بما فيهم المبعوث الدولي كوفي عنان الذين أهدوا له لافتة كُتب عليها laquo;جمعة إسقاط عنانraquo;، ولكن مع ذلك، فما زال العالم يشعر بالأسى لأوضاع من يلقون بأنفسهم إلى التهلكة.

يبدو أن سقوط النظام السوري لا يحمل كارثة على المنطقة وحسب، وإنما هناك تخوف أيضاً لدى قادة دوليين لا يرغبون في دخول الدولة السورية في حالة من الفوضي، خصوصاً أن هناك تقارير تشير إلى أن عناصر laquo;تنظيم القاعدةraquo; قد استغلوا الفوضى التي صاحبت laquo;الربيع العربيraquo; ونقلوا مراكز عملهم للمنطقة. بناء على ذلك، يبدو أن الحفاظ على النظام السوري بات مطلباً دولياً، وإن اختلفت الأدوار والأهداف، يقول الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية جورج ليتل: laquo;ليس سراً لأحد أننا وشركاءنا وحلفاءنا في المنطقة نواجه تحديات متعددة المصادر، وأن سوريا تمثل أولوية لأمن الولايات المتحدةraquo;.