Jonathan Schanzer -TNR
لقد اتضح أن الصراع السوري وضع العملاء الفلسطينيين التابعين للأسد في موقف محرج، ويصعب على الجماعات الفلسطينية أن تدعي أنها تقاتل باسم العدالة حين يكون رئيسها منشغلاً بذبح شعبه بدم بارد، لهذا السبب يزداد عدد الفلسطينيين الذين يعملون الآن على إسقاط النظام بعد أن كانوا يدعمونه.
طوال عقود، كان نظام الأسد في سورية من أشرس الداعمين الإقليميين للقضية الفلسطينية، وعندما خاض البلد الحرب ضد إسرائيل في عام 1948 و1967 و1973، ادعى أنه أقدم على ذلك باسم فلسطين.
وقف حافظ الأسد بكل عزم ضد اتفاقيات أوسلو ورفض دعم التسوية التي كان الفلسطينيون أنفسهم مستعدين لقبولها، ومنذ وصول بشار الأسد إلى السلطة في عام 2000، بدأ يدير عدداً من الجماعات الإرهابية الفلسطينية، تماماً مثل والده من قبله. في السنوات الأخيرة، كانت سورية ساحة تدريب أساسية ومعبراً محورياً وخطاً لنقل الأسلحة إلى الجماعات التي تشارك في ldquo;المقاومة المسلحةrdquo; ضد إسرائيل بما في ذلك ldquo;حماسrdquo;، وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وrdquo;حزب اللهrdquo;، ولجان المقاومة الشعبية.
كان الفلسطينيون يحصلون على مساعدة سورية وحمايتها (ثمة 500 ألف شخص تقريباً في سورية ويعيش معظمهم في تسعة مخيمات للاجئين في أنحاء البلد)، فردوا على ذلك الدعم من خلال الولاء للنظام، لكن في ظل احتدام الحرب المحلية الآن داخل حدود سورية، يبدو أن الفلسطينيين بدؤوا يغيرون مسارهم.
كتبت صحيفة ldquo;الشرق الأوسطrdquo;، مقرها لندن، أن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين غادرت سورية باتجاه إيران، بينما كتبت وكالة ldquo;معاًrdquo; الإخبارية أن زعيم الجهاد الإسلامي الفلسطيني، إبراهيم شحادة، غادر سورية حديثاً إلى غزة.
لقد اتضح منذ الآن أن الصراع السوري وضع العملاء الفلسطينيين التابعين للأسد في موقف محرج، ويصعب على الجماعات الفلسطينية أن تدعي أنها تقاتل باسم العدالة حين يكون رئيسها منشغلاً بذبح شعبه بدم بارد (ارتفعت حصيلة القتلى إلى 18 ألف شخص والعدد في تزايد مستمر). لهذا السبب، يزداد عدد الفلسطينيين الذين يعملون الآن على إسقاط النظام بعد أن كانوا يدعمونه. ينحدر معظم الفلسطينيين الذين يسكنون في سورية من اللاجئين الأصليين بعد حربَي 1948 و1967، ما يعني أنهم وُلدوا وتربوا في بلدهم الثاني. بالتالي، هم طوروا هوية مزدوجة: هوية فلسطينية سورية.
لكن بينما كان نظام الأسد مستعداً لدعم القضية الفلسطينية على الساحة الدولية، لم ينعم هؤلاء الفلسطينيون الذين يعيشون داخل الحدود السورية بمعاملة جيدة يوماً. صحيح أن بعض هؤلاء الفلسطينيين يشعرون بأنهم سوريون، كما ذكرت صحيفة ldquo;ذي إندبندنتrdquo; البريطانية، لكنهم لا يستطيعون ldquo;الترشح للبرلمان أو أي مناصب سياسية أخرى، بل يُمنَع الفلسطينيون أيضاً من شراء المزارع وامتلاك أكثر من منزل واحد. يمكن أن تصبح المرأة المنحدرة من لاجئ فلسطيني مواطنة سورية من خلال الزواج برجل سوري، أما الرجال المنحدرون من رجال فلسطينيين وأولادهم، فلا يستطيعون كسب الجنسية السورية حتى لو تزوجوا من نساء سورياتrdquo;.
حين بدأت الاحتجاجات ضد نظام الأسد في عام 2011، كان الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن يضطر الفلسطينيون إلى الانحياز إلى أحد طرفَي الصراع. أدت الاحتجاجات وحملات القمع إلى مقتل حوالي 300 فلسطيني. وقيل إن 10 آلاف فلسطيني اعتُقلوا أيضاً. وصف جهاد مقدسي، المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية، الفلسطينيين في سورية بعبارة ldquo;الضيوفrdquo; ودعاهم بنبرة ساخرة إلى ldquo;مغادرة سورية باتجاه إحدى الديمقراطيات العربيةrdquo; إذا أساؤوا التصرف، وفي الأسابيع الأخيرة، ارتفعت وتيرة العنف ضد الفلسطينيين، فخلال إحدى الحوادث، قصفت القوات السورية مستشفى في مخيم اليرموك للاجئين، وذلك لأن المسعفين كانوا يعالجون الجرحى من الجانبين. حصل ذلك غداة تقارير مفادها أن القوات السورية فتحت النار على المتظاهرين في مخيم اليرموك وقتلت أربعة أشخاص وجرحت آخرين. ثمة فصيلة فلسطينية واحدة تقاتل بكل وضوح إلى جانب الأسد وهي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطينndash;القيادة العامة. في يونيو 2011، أطلق أعضاء من تلك الحركة النار على 14 شخصاً من إخوتهم الفلسطينيين في اليرموك وقتلوهم. صرح أحد الفلسطينيين الموجودين في سورية لصحيفة ldquo;نيويورك تايمزrdquo;: ldquo;كل فلسطيني في سورية يدرك أن المقاتلين في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطينndash;القيادة العامة يعملون مع المخابرات ويجرون دوريات أمنية لمصلحة النظامrdquo;.
قال زعيم الحركة أحمد جبريل أمام الصحافة الإيرانية حديثاً: ldquo;إذا رغبت الأطراف الأجنبية في غزو سورية، فسنكون جزءاً من هذه المعركة وقد ناقشنا هذا الأمر مع إخوتنا في سورية ومع السيد حسن نصر الله (أمين عام ldquo;حزب اللهrdquo;) وإخوتنا في إيرانrdquo;.
لكن أقدمت أشهر جماعة مقاتلة فلسطينية على الإطلاق، ldquo;حماسrdquo;، على قطع علاقتها بالنظام بسبب انتشار العنف في البلاد، ولا شك أن ذلك الانفصال لم يكن سهلاً، إذ كانت ldquo;حماسrdquo; متمركزة في سورية منذ أواخر التسعينيات غداة طرد الحركة من الأردن، وكانت القيادة الخارجية في دمشق، برئاسة خالد مشعل، قريبة من ldquo;الجناح العسكريrdquo; لحركة ldquo;حماسrdquo;، أي كتائب عز الدين القسام. كانت ldquo;حماسrdquo; تدرك أنها تدين بالكثير للنظام، لذا وقفت بكل هدوء إلى جانب الأسد في الأشهر الأولى للانتفاضة، لكن اعتباراً من شهر فبراير من هذه السنة، جمع القادة الخارجيون حقائبهم واتجهوا إلى قطر ومصر، وذهب زعيم ldquo;حماسrdquo; المتمركز في غزة، إسماعيل هنية، إلى حد ldquo;توجيه تحية إلى الشعب السوري البطل الذي يناضل في سبيل الحرية والديمقراطية والإصلاحrdquo;. وقد انطلقت الاحتجاجات المعادية للأسد حديثاً في قطاع غزة الذي لم يشهد أي تحركات مماثلة في السابق. صحيح أن ldquo;حماسrdquo; ومنظمة التحرير الفلسطينية المنافِسة لها لا تتفقان حول أي شيء منذ الصراع الداخلي الذي نشب في غزة في عام 2007، ولكنهما تتفقان على ما يبدو حول الأهوال الحاصلة في سورية. تشير الحملة الدعائية الإيرانية إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية لا تزال تدعم نظام الأسد. (اقتبست مقالة إيرانية مشكوك في صحتها كلام مسؤول ادعى أن اللاجئين الفلسطينيين لن يتبنوا ldquo;مصالح النظام الصهيونيrdquo;). لكن سرعان ما اتّضح أن منظمة التحرير الفلسطينية تعارض الأسد فعلياً.
في أغسطس 2011، قال أمين عام المنظمة، ياسر عبد ربه، إن قوى الأمن السورية ارتكبت جرائم ضد الإنسانية حين اعتدت على مدينة اللاذقية، بما في ذلك حي الرمل حيث يقيم عدد كبير من اللاجئين، كذلك، دعا المتحدث باسم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ldquo;السلطات السورية إلى وقف الاعتداءات على مخيم اللاجئين فوراًrdquo;.
سعت معظم الفصائل الفلسطينية المقيمة في سورية إلى تعديل مواقفها فوجدت طريقة لمغادرة البلد بهدوء تزامناً مع انتشار الفوضى هناك، لكن لا تملك الأغلبية الواسعة من الفلسطينيين الذين يعتبرون سورية موطنهم (عددهم 500 ألف شخص) خيار مغادرة البلد، لذا قرروا دعم المعارضة، فذكر أحد الناشطين: ldquo;يوماً بعد يوم، بدأ الفلسطينيون يرون ويسمعون ما يفعله نظام الأسد وقد دفعنا هذا الوضع إلى تغيير مواقفنا تدريجياًrdquo;.
صحيح أن عدداً كبيراً منهم يلتزمون الصمت ويتمنون بكل بساطة أن تبقى منازلهم سالمة حتى الصباح التالي، لكن ذكرت منظمة ldquo;هيومن رايتس ووتشrdquo; أن عدداً متزايداً من الفلسطينيين حملوا الأسلحة وانضموا إلى الجيش السوري الحر. أكد المتحدث باسم الجيش السوري الحر، العقيد قاسم سعد الدين، أن ldquo;الفلسطينيين يقاتلون إلى جانبنا وهم على مستوى عال من التدريبrdquo;. يستحيل معرفة عدد المقاتلين الذين انضموا إلى المعارضة، لكن لا بد من التفكير بالأثر المترتب على مشاركة الفلسطينيين حتى لو انضم 1% منهم فقط إلى القتال. يعني ذلك مشاركة 5 آلاف مقاتل.
تزامناً مع احتدام القتال، هرب بعض الفلسطينيين نحو الحدود الأردنية ولبنان وغزة أيضاً، كما فعلت الأجيال السابقة غداة الحروب مع إسرائيل، لكن بعد أن أصبح اللاجئون من الأجيال السابقة رموزاً حية للمعارضة السورية ضد الدولة اليهودية، أصبح اللاجئون الراهنون رموزاً مؤسفة للظلم الفاضح الذي يرتكبه النظام السوري الذي كان يدعم قضيتهم طوال عقود.
* نائب رئيس قسم الأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومؤلف كتاب ldquo;حماس في مواجهة فتح: الصراع على فلسطينrdquo; (Hamas vs Fatah: The Struggle for Palestine).
التعليقات