حمد بن عبدالله اللحيدان

مما لا شك فيه أن ما يجري في العالم العربي والإسلامي ليس وليد اللحظة أو الصدفة، بل هو حراك ونتاج محفزات تراكمية وتآمرية تلاحقت مع بعضها البعض حيث وجد من يريد شراً بالمنطقة وأهلها.. بذور الفتنة خصبة وقابلة للاستنبات زاد من خصوبتها عدم إدراك الأنظمة المتتابعة لخطرها من ناحية، وممارسة سياسات تساعد على تكاثر تلك البذور واستشرائها ما سهل سقيَها بماء الحقد والكراهية والعرقية والطائفية المقيتة، وشد من أزرها النزاعات الحدودية والاستقلالية والضغوط الخارجية حتى أصبح حكام العرب كلّ يغني على ليلاه دون اعتبار للمصلحة العامة للوطن والأمة ناهيك عن وجود طابور خامس في كل دولة من الدول مهمته إجهاض المبادرات الخلاقة وتحويلها بأساليب مختلفة إلى عكس ما أريد منها، والغرض إثارة الرأي العام ضد الحاكم ومن ذلك العمل على استشراء الفساد وهضم حقوق المواطنين وتعطيل المشاريع وإبعاد الأكفاء وتقديم الأقل كفاءة والعمل على استشراء البطالة وتدهور الاقتصاد وضياع الحقوق وذلك كله من أجل إثارة الرأي العام وإحداث استقطاب في المجتمع يقود إلى انفجار مثل ما حدث في دول الربيع العربي.

إن إسرائيل والقوى الداعمة لها في الغرب ليست غائبة عما يجري في المنطقة من استقطاب وإعادة رسم للخرائط وتقويض البنى التحتية والعمل على تقسيم المقسم، وإشعال روح الطائفية واستغلال الأطماع الإيرانية وربما التركية أو الاتفاق مع إحداهما أو كلتيهما

إن دعم الاستقطاب في العالم العربي وخصوصاً الشرق العربي منه داخل كل دولة من دوله وبين الدول المكونة له يتم بصورة ممنهجة ومخطط لها. وهذا الاستقطاب يحارَب ظاهرياً ويدعم باطنياً من قبل قوى داخلية وخارجية مستفيدة.

وقد تم ويتم إعداد المسرح لذلك الاستقطاب من خلال خلق أحداث واستغلالها على مراحل مثل ما تم خلال العقود الماضية والذي أدى بصورة حتمية إلى الحمل الذي حان وقت مخاضه.

وهنا لابد من الإشارة إلى بعض المؤشرات الظاهرية التي منها:

* افتعال الحرب العراقية - الإيرانية (١٩٨٠ - ١٩٨٩م) بغرض ما ترتب عليها من نتائج كان من أبرزها زرع الاستقطاب بين الشعوب الإيرانية والعربية بتحريض من الملالي الحاكمين في طهران. وهذا الاستقطاب يعتبر من أكبر العوامل التي تبرر تبذير ثروات إيران على التسلح ومحاولة مد نفوذها من خلال استغلال بعض المتطرفين من الأقليات في مقابل مادي ووعود براقة.

لقد تم التسليح الإيراني بما في ذلك البرنامج النووي تحت سمع وبصر المخابرات الغربية وربما بدعم ومباركة من جهات فاعلة هناك حتى إذا وصل الأمر إلى مرحلة حرجة وأصبحت إيران بعبعاً يخيف الدول المجاورة وشكلت فتيلا مناسبا لإشعال الحرب الخليجية الرابعة ثارت ثائرتهم سواء أكانت حقيقية أم مفتعلة، وبدأ الأخذ والرد بين الطرفين بدون مشاركة من قبل الأطراف الأخرى ذات العلاقة المباشرة والمتضررة من البرنامج النووي الإيراني أكثر من غيرها مثل دول الخليج.

* احتلال الكويت وما ترتب عليها من حرب تحريرها وحصار العراق ثم احتلاله من قبل أمريكا وتسليمه على طبق من ذهب للإيرانيين على الرغم من العداء الظاهري بين الطرفين، وكذلك معرفة أمريكا بالعلاقة التي تربط حكام طهران بحكام دمشق وبحزب الله في جنوب لبنان..

إذاً السؤال هو: هل هذا صدفة أم مخطط له؟ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لابد من أن يكون تسليم العراق للتحكم الإيراني تم بمقابل تقدمه إيران فما هو؟

والحقيقة هي أنه تم بهذا التصرف خلق هلال طائفي يمتد من إيران إلى لبنان مروراً بسورية والعراق فما هي أبعاده؟ وهل ما يحدث في سورية هذه الأيام جزء منه؟

* إيران تعمل بكل ما أوتيت من قوة على زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق العربي وخصوصاً منطقة الخليج من خلال استغلال بعض أفراد الطوائف الشيعية هناك وإثارتها ضد أوطانها والمستفيد في هذه الحالة هم مجموعة من الأفراد الذين يعلمون ما هم مقدمون عليه أما البقية فمغرر بهم سوف يعضون أصابع الندم إن استمروا في جهلهم والمفترض أن يتعظوا بما هو حاصل في العراق، صحيح أن بعض القيادات الشيعية في العراق تمسك بزمام السلطة هناك وتستفيد من الدعم الإيراني لكن عامة الشيعة والسنة هناك لا زالت تعاني الفقر والقتل والتهميش والحرمان حتى إن كثيراً منهم أصبح يبكي على عهد صدام حسين وذلك مصداقاً لقول الشاعر:

رب دهرٍ غضبت منه فلما

صرتُ في غيره بكيت عليه

لذلك لابد من أخذ العبرة من أن الأجنبي مثل إيران وغيرها لا يدعم أو يستقطب أحداً من أجل سواد عينيه بل هو يسعى لتحقيق مصلحة تخصه في المقام الأول وأن كل الذين يتلقون الدعم ليسوا سوى أدوات تنتهي صلاحيتها بالوصول إلى الغاية المنشودة من قبل الدخيل، لذلك نجد أن النخبة المستفيدة من الدعم الإيراني في العراق لا يثقون باستمرار هذا الدعم وبالتالي فهم يسرقون أموال الشعب ويهربونها خارج الحدود للحاق بها عندما تسوء الظروف بينما الغالبية هي التي سوف تبقى وتدفع ثمن وجاهة وثراء وسلطة أمثال هؤلاء.

وتلك الغالبية من الشيعة والسنة هي وقود التفجيرات والقتل المبرمج.

* إن الاستقطاب في المنطقة بدأ يخرج هذه الأيام عن السيطرة إلى المجهول حيث لم يعد الاستقطاب محليا على مستوى المنطقة بل تعداه إلى استقطاب دولي أسبابه الاختلاف على تقاسم الغنيمة. وهم يتقابلون ويجرون محادثات سرية ومناورات متعددة من خلال مجلس الأمن وغيره الله أعلم بنتائجها مع غياب الأطراف ذات العلاقة المباشرة بالأمر، لذلك يجب أن لا ينحاز العرب لأي من الطرفين بل لابد من اتباع سياسات تحد من الاستقطاب ضدهم، وتمنع الوقوف مع إيران وحلفائها وذلك من خلال الحوار والمصالح وليس من خلال المواجهة. فلكل من روسيا والصين مصالح وحسابات معتبرة بغض النظر عن الخطأ والصواب فهما تعملان على تحقيقها من خلال دعم النظام الظالم في سورية وذلك من أجل الضغط على القوى الغربية للحصول على نصيب من الكعكة المترتبة على سقوط النظام في سورية، هذا إذا اعتبرنا أن ما يجري في سورية ليس إلا طرف الفتيل الذي سوف يفجر المنطقة بأسرهاو بالتالي لابد من وجود تركات واستحقاقات يعمل الروس والصينيون على التواجد على مسرحها لتحقيق مآربهم.

* إن إسرائيل والقوى الداعمة لها في الغرب ليست غائبة عما يجري في المنطقة من استقطاب وإعادة رسم للخرائط وتقويض البنى التحتية والعمل على تقسيم المقسم، وإشعال روح الطائفية واستغلال الأطماع الإيرانية وربما التركية أو الاتفاق مع إحداهما أو كلتيهما لنيل نصيب من التركة، وكل ذلك من أجل ضمان أمن إسرائيل.

إن السياسة والمصالح تصنعان أكثر من ذلك خصوصاً إذا وجدتا جذورا تاريخية يمكن استنباتها. أقول هذا لأن السياسة لا تدار بحسن الظن فلكل حراك ثمنه، ولكل توجه نتائجه ولكل موقف ارتداداته وأسبابه.

* إن الهجمة ضد الإسلام والمسلمين والعرب تأخذ منحىً خطيراً فالوضع في أفغانستان مزر، والوضع في باكستان ملتهب والوضع في العراق متفاقم والوضع في السودان يبعث على القلق، والوضع في اليمن غير مستقر والوضع في سورية حرب مفتوحة، أما الوضع في مصر وتونس وليبيا فغير واضح بل غامض والعبث الإيراني في الخليج واضح والأقليات المسلمة تضطهد، وفي ميانمار تنحر، وبقية الدول تجرّ نحو الاستقطاب بالترغيب أو الترهيب. والشعوب الغربية مشغولة بالأزمة الاقتصادية التي تعتبر من أكبر وسائل التحريض ضد مناطق الوفرة. أما الشفافية فهي انتقائية، والإعلام يكذب على الرغم من التقدم الهائل في وسائله، والتقنية الحديثة تستغل في بث الشائعات والأراجيقف وزرع مزيد من الاستقطاب وبالتالي زعزعة الاستقرار من حيث تدري ولا تدري.

* والأدهى والأمرّ أن السياسات المتبعة في كثير من الدول المتضررة أو التي سوف تتضرر من خلط الأوراق لا زالت تواجه الموقف بنفس السياسات والأساليب والأدوات القديمة، وهذا بحد ذاته من أخطر الممارسات التي يجب الانتباه إليها والعمل على إيجاد بديل لها يتناسب مع معطيات المرحلة سياسياً وعسكرياً وأمنياً واجتماعياً وإعلامياً واقتصادياً فلكل مرحلة معطياتها.

نعم إن المنطقة تمر بمنعطف خطير يتوجب معه أخذ زمام المبادرة والعمل على مراجعة كل السلبيات القائمة مهما كبرت أو صغرت وإصلاحها، ومراجعة كل الايجابيات كبيرها وصغيرها والعمل على تعزيزها، بحيث لا يصبح الكذاب بالكذب سيداً.

وعلى العموم لابد من طرح بعض الأسئلة التي ربما تحتاج إلى جواب:

- هل العمل جارٍ لخلق دولة كردية في شمال العراق وأجزاء من إيران وتركيا مقابل إطلاق يد إيران في العراق ويد تركيا في سورية؟ أم الأمر أبعد من ذلك؟

- مَن المستفيد من إشعال الحرب في الشرق الأوسط؟ وهل هي مجرد حرب كالحروب السابقة أم أن الغرض هو تدمير المنطقة بيد أبنائها وحكوماتها؟

- ما هو الدور الإسرائيلي في كل ما يجري؟

إن الفتيل الإيراني قد جُهز، وعود الثقاب الإسرائيلي جاهز. حمانا الله من شر الأشرار وتآمر الفجّار..

والله المستعان.