مأمون الحسيني

من بين أكثر التعليقات وقاحة وغطرسة على مسعى الفلسطينيين التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر سبتمبر/أيلول المقبل، للحصول على وضعية ldquo;المراقب لدولة غير عضوrdquo;، والذي يمكّن من التعويض عن الفشل المدوي للسلطة الفلسطينية في العام الماضي عندما رفض مجلس الأمن الدولي قبول ldquo;دولتهاrdquo; عضواً في الأمم المتحدة، ويتيح للفلسطينيين الانضمام إلى عدد من وكالات الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، هو ما قاله السفير ldquo;الإسرائيليrdquo; في الأمم المتحدة رون يروسور من أن هذه الخطوة تهدف إلى استعادة الاهتمام الدولي الذي تحوّل إلى الأزمات في إيران ومصر وسوريا، وهي ldquo;لن تقرّب الفلسطينيين من إقامة الدولة والسلام مع ldquo;إسرائيلrdquo;rdquo;، مستنداً في ذلك، في ما يبدو، إلى الواقع السياسي الاستراتيجي الجديد الذي ينشغل فيه الجميع، ولا سيما الولايات المتحدة التي يتسابق مرشحا الرئاسة فيها على تقديم العطايا والمنح السياسية والعسكرية لrdquo;إسرائيلrdquo;، ب ldquo;الربيع العربيrdquo; وتداعياته الإقليمية والدولية، في مقابل تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية التي يبدو أنها لم تعد ldquo;مركزيةrdquo; إلا بالنسبة للفلسطينيين أنفسهم .

من الناحية النظرية، يمكن للسلطة التي أعلنت، على لسان وزير خارجيتها رياض المالكي، أن الرئيس محمود عباس سيودع طلب الحصول على دولة غير كاملة العضوية، لدى الأمم المتحدة في السابع والعشرين من سبتمبر/أيلول المقبل، وأيدتها في ذلك قمة الدول الإسلامية التي التأمت في مكة المكرمة قبل أيام . يمكن لها الحصول على أغلبية أوتوماتيكية بسيطة في الجمعية العامة المؤلفة من 193 عضواً، والانتقال من ldquo;كيانrdquo; مراقب بالأمم المتحدة لا حق له بالتصويت، إلى ldquo;دولةrdquo; ناقصة العضوية . إلا أن عملية التنفيذ والترجمة على الأرض دونها رزمة من العقبات الذاتية والموضوعية التي تزكّي التقدير بأن عملية إيداع الطلب من دون تحديد موعد للتصويت عليه، ليست أكثر من محاولة تكتيكية متلعثمة للخروج من المأزق الذي تتخبط فيه السياسة الفلسطينية الراهنة بعد وصول خياراتها إلى طريق مسدود تحت وطأة الضغوط ldquo;الإسرائيليةrdquo; والأمريكية، وإدارة الظهر العربي والإسلامي للمسألة الفلسطينية برمتها، واستمرار الانقسام الفلسطيني، وتغوّل عمليات الاستيطان الهادفة إلى السيطرة على الحد الأقصى من الأرض مع الحد الأدنى من الفلسطينيين، والادعاء بأنه يمكن للفلسطينيين إقامة دولة مستقلة على باقي الأراضي .

هذا التقدير الذي يعيد إلى الذاكرة مناورات التهديد بالمصالحة الداخلية والمقاومة الشعبيّة، للوصول إلى استئناف المفاوضات من موقع أكثر قوة، والذي يمكن تلمّسه في التردد والارتباك اللذين باتا يسمان مجمل المواقف والتحركات الفلسطينية، يستند ميدانياً، وعلى أرض الواقع، إلى كمّ وازن من المعطيات التي ينبغي النظر إليها من زاويتين أساسيتين: الأولى تتعلق بوضع السلطة الصعب للغاية على المستويات كافة، وفق ما يؤكد القيادي البارز في حركة ldquo;فتحrdquo; نبيل شعث، وكذلك بالخلافات التي بدأت تظهر للعلن داخل السلطة الفلسطينية، وبالأخص ما بين الرئيس عباس ورئيس وزرائه سلام فياض اللذين تتعمق هوة التباين بين برنامجيهما حيال الخطوات الواجب اتخاذها بعد فشل خطة الأخير المتعلقة ببناء المؤسسات وإنهاء الاحتلال . وحسب المتداول من المعلومات، فإنه في مقابل استنتاج الرئيس عباس ضرورة التوجه للأمم المتحدة للحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين، وإعادة فتح قوس الخيارات الفلسطينية المختلفة، بما في ذلك التهديد بحل السلطة ووضع الاحتلال أمام مسؤولياته القانونية والاقتصادية والإدارية حيال مناطق الضفة الغربية، يرى فياض، الذي يصرّ على التمسك بما يسميه ldquo;الواقعيةrdquo;، أن الذهاب إلى الأمم المتحدة يمثل ldquo;معركة مجانيةrdquo; غير مجدية، وأن الحديث عن ldquo;حل السلطةrdquo; أو تغيير شكلها أو وظائفها والتزاماتها، يقوّض أركان هذه السلطة ويفقدها المصداقيّة وثقة المجتمع الدولي والمانحين، ولا سيما ثقة الأمريكيين والأوروبيين الذين يشيع رئيس وزراء السلطة أن اعترافهم بالفلسطينيين يشكل أكبر إنجاز في العقود الأخيرة .

زاوية النظر الأخرى لها علاقة بالمشهد ldquo;الإسرائيليrdquo; المفتوح على احتمالات شتى تحت ظلال ارتفاع وتيرة التهديد بشن حرب على إيران . إذ، وفي موازاة محاولات حكومة نتنياهو ثني القيادة الفلسطينية عن التوجه للأمم المتحدة، من خلال تقديم بعض الرشى التافهة، من نمط العرض السخيف والمذلّ حول إبداء الاستعداد لإطلاق سراح 50 من قدامى الأسرى الذين تعتقلهم ldquo;إسرائيلrdquo;، والإفراج عن بعض المعدات الخاصة بقوات الأمن الفلسطينية، من بينها مدرعات روسية موجودة في الأردن منذ عدة سنوات، والإفراج كذلك عن مئة من جثامين الشهداء الفلسطينيين، في مقابل عدم توجه القيادة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، وعقد لقاء بين نتنياهو ومحمود عباس، وإطلاق المفاوضات بعد هذا اللقاء . في موازاة ذلك تهزّ الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; العصا في وجه السلطة، وتلوّح برزمة من العقوبات التي يمكن اللجوء إليها في حال تجرأ الفلسطينيون وذهبوا إلى الأمم المتحدة للحصول على صفة ldquo;دولة مراقبrdquo; .

وعلى نحو موازٍ، يواصل غول الاستيطان الذي رصدت له حكومة نتنياهو، في العام الجاري، نحو مليار و60 مليون شيكل، قضم الأراضي الفلسطينية في كافة أنحاء الضفة الغربية التي كشفت وثيقة تابعة لما يسمى ldquo;الإدارة المدنية الإسرائيليةrdquo;، أن قوات الاحتلال صادرت منذ عام 1967 نحو 900 ألف دونم من أراضيها، وذلك إلى جانب استعداد الحكومة للموافقة، وللمرة الأولى منذ عام ،1967 على بناء فنادق في المستوطنات القريبة من مدينة القدس، وإعطاء منح مالية حكومية لتنفيذ هذا المشروع الذي سيبدأ مطلع العام ،2013 ما يعني أن ldquo;الإسرائيليينrdquo; ماضون في إحكام سيطرتهم على كل ما تقع عليه أيديهم في الضفة الغربية والقدس، من دون أن تعنيهم كثيراً المناورات ldquo;الدونكوشيتيةrdquo; الفلسطينية، ومن دون إيلاء أدنى اهتمام بعبث قيادة السلطة والمنظمة التي ربما تجد نفسها على حوافّ الكارثة، وطنياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، أو في قلب متاهة التفاوض العقيمة، أو في خضم الفوضى والفلتان الأمني، في حال التوجه إلى الأمم المتحدة من دون استراتيجية بديلة قادرة على توحيد الشعب والقوى الفلسطينية على أساس وطني ديمقراطي، وقادرة كذلك على إعادة الصراع إلى جوهره بصفته صراعاً بين شعب تحت الاحتلال واحتلال إجلائي استعماري عنصري يسابق الزمن لتصفية ما تبقّى من أرض وحقوق فلسطينية .