لم تعد دعوات الاستعانة بالتدخل الخارجي لتغيير انظمة الحكم (مخجلة)، حيث ترتفع الاصوات اليوم في سوريا لتحقيق ذلك، كما حدث في العراق وليبيا من قبل، حين اسهمت الاجندة الخارجية في اسقاط نظامين عربيين.
عدنان ابو زيد: كان الشارع العربي من المحيط إلى الخليج ينظر إلى السياسيين العراقيين الذين كانوا ينسقون مواقفهم مع الأمريكيين قبيل الغزو الأميركي للعراق عام 2003 على أنهم ثلة من الخونة والعملاء، لا لشيء إلا لأنهم كانوا يتعاونون مع العم سام لإسقاط نظام صدام حسين الذي كانوا يعتبرونه نظاماً ديكتاتورياً ظالماً. هذه ما كتبه فيصل القاسم في صحيفة الشرق القطرية مشيرا الى ان المساعدات العسكرية الخارجية غدت مشروعة لدى البعضللتخلص من الطغاة.
اعتذار واضح للشعب والمعارضة العراقية
و يتسائل القاسم في هذا الصدد: أليس أولى بالشعوب والمثقفين والمعارضين العرب أن يقدموا اعتذاراً واضحاً للشعب والمعارضة العراقية التي كانت تناهض حكم الرئيس صدام حسين؟ لم يترك الإعلام العربي ولا الشعوب ولا المثقفون العرب على مدى سنوات تهمة إلا وألصقوها بالمعارضين العراقيين وبكل من عمل مع الأمريكيين في بداية هذا القرن للإطاحة بالنظام العراقي السابق بقيادة صدام حسين.
و يستطرد القاسم : كان الشارع العربي من المحيط إلى الخليج ينظر إلى السياسيين العراقيين الذين كانوا ينسقون مواقفهم مع الأميركيين قبيل الغزو الأميركي للعراق عام 2003 على أنهم ثلة من الخونة و العملاء، لا لشيء إلا لأنهم كانوا يتعاونون مع العم سام لإسقاط نظام صدام حسين الذي كانوا يعتبرونه نظاماً ديكتاتورياً ظالماً.
أزلام الأميركان
ويعجب القاسم كيف ان الكثيرين مازالوا يعيرون أعضاء الحكومة العرقية الحالية بأنهم أزلام الأميركان، وبأنهم عادوا إلى العراق على ظهور الدبابات الأميركية، مع العلم أن معظم المعارضين العرب الآن يناشدون الأميركيين كي يساعدوهم في إسقاط بعض الأنظمة وبمباركة كاملة من الشارع العربي، حتى لو تطلب ذلك قصفاً أمريكياً مكثفاً للعواصم العربية المعنية.
وبحسب القاسم فقد بات الكثير من الشعوب يتوسل للخارج بكل أريحية أن يتدخل كي يحميه، وينقذه من براثن الطغاة وجيوشهم و (بلطجيتهم) وقتلتهم المأجورين وأجهزة قمعهم الرهيبة.
حماية دولية
و يتابع: عرف الكثير من الدعاة و النشطاء السياسيين والإعلاميين الذين كانوا يعتبرون مجرد التفكير بالاستعانة بالأجنبي خطيئة لا تغتفر، أنهم اليوم يتصدرون الصفوف المطالبة بتدخل دولي، أو على الأقل حماية دولية لهذه الانتفاضة العربية أو تلك. لا بل بتنا نشاهد مظاهرات عربية حاشدة ليس ضد التدخل الأجنبي، بل للمطالبة به. وكم شاهدنا لافتات مكتوبة بالخط العريض يحملها المتظاهرون وهي تندد بالمجتمع الدولي لأنه يتخاذل في نصرتهم سياسياً وحتى عسكرياً. في الماضي القريب كانت كل اللافتات العربية المرفوعة تندد بالتدخل الدولي، وتحذر من مغبته وتبعاته. أما الآن، فهي تندد بكل من لا يتدخل، وبكل من يحذر من التدخل. وقد لاحظنا أن بعض الثورات العربية خصصت أياماً كاملة من مظاهراتها للدعوة للتدخل، أو لصب جم غضبها على الذين يتكاسلون في التدخل. هل شاهدتم مظاهرة عربية واحدة تندد بتدخل الناتو في ليبيا؟ لا.
جدير ذكره أن العام 1998 شهد اقرار الكونغرس الأميركي شن هجوم عسكري على العراق لكونه يملك اسلحه الدمار الشامل ولكونه يشكل خطرا علي المنطقه.
وبعد تولي الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الرئاسة، بدء عهد جديد تحولت فيه السياسة الأمريكية من المساعدة المادية والدعم اللوجستي للقوى المعارضة العراقية إلى التدخل العسكري المباشر متحالفةً مع بريطانيا. و دشنت أحداث 11 سبتمبر عهدا جديدا في أميركا و اصرت الإدارة الأميركية على إسقاط نظام صدام.
وفي 20 مارس 2003 تحركت القوات الأمريكية البريطانية في سعيها نحو ما تم تسميته ب(حرية العراق).
لكن هل تتطلب المعركة غير المتكافئة بين الانظمة والجماهير الاستعانة بالتدخل الخارجي، كما حدث مع الحالة الليبية أيضا في سعي حثيث الى تكرارها لإنهاء نظام الحكم في سوريا، ودول اخرى ؟
المعارك غير المتكافئة
وحول تلك المعارك غير المتكافئة يشير عبد الرحمن الراشد في مقال له في جريدة الشرق الاوسط وهو يتحدث عن الحالة السورية فيكتب :العالم كله يعلم أن المعركة غير متكافئة أبدا، ومع هذا يتحدث إما عن مسلحين أو الخوف من مسلحين في المستقبل، ولا أحد يتحدث عن أكثر من نصف مليون عسكري وأمني مسلحين يمارسون يوميا القتل والتدمير ضد بضع مئات، وربما بضعة آلاف على الأكثر، من المسلحين المستقلين أو المنخرطين تحت عنوان الجيش السوري الحر. عمليات السحق بشعة لا مثيل لها في حروب سابقة، مثلا في قرية دير سنبل، في ريف إدلب، دمرت قبل ثلاثة أيام قوات الأسد ثمانين من مباني القرية البالغ عددها مائتي منزل فقط، كما روت صحيفة laquo;ديلي تلغرافraquo;، ونحن نعرف أن الوضع مكرر في أنحاء البلاد. هذه هي صورة الثورة السورية طوال سنة من المواجهات اليومية؛ فريق مسلح، هو النظام، وفريق ثائر أعزل، هو الشعب السوري، وعالم يتفرج ويعلن خوفه من تسليح المعارضة.
يذكر أن العملية العسكرية ضد قوات القذافى بقيادة quot;الناتوquot; كانت قد بدأت فى 19 مارس الماضى، وذلك وفقا لقرار الأمم المتحدة الذى ينص على اتخاذ جميع التدابير والإجراءات اللازمة للمساعدة فى حماية المدنيين من الهجمات التى تشنها القوات الموالية للقذافى، وقد تم مد فترة العملية العسكرية حتى سبتمبر المقبل.
(شرعنة) الاستعانة بالمساعدات العسكرية الخارجية
لكن فيصل القاسم يتحدث عن (شرعنة) الاستعانة بالمساعدات العسكرية الخارجية عند البعض لغرض اسقاط الانظمة وكيف انها لم تعد ( رجساً من عمل الشيطان فاجتنبوه )، بل غدت مشروعة، لا بل مطلوبة تماماً، إن لم نقل quot;فرض عينquot;. قليلة جداً هي الأصوات التي تحذر، أو تسخر من المطالبين بالتدخل. وقليلة أيضاً هي وسائل الإعلام التي تستنكر الاستنجاد بالأجنبي للمساعدة في إزاحة هذا الطاغية أو ذاك. لقد غدت رغبات التائقين للتدخل عنواناً عريضاً على صفحات الجرائد العربية والمواقع الإلكترونية.
غير ان الكاتب الاردني خالد المجالي يرى ان الاستنجاد وطلب الدعم الخارجي خطوطا حمراء، مشيرا الى الحالة الاردنية فيدون : الخط الاحمر بالنسبة للأردنيين الشرفاء والمنتمين لوطنهم هو رفض اي شكل من اشكال التدخل الاجنبي في الشأن الداخلي الاردني، خاصة ما يحاول البعض تسويقه من خلال المنظمات الدولية وحقوق الانسان ومنظمات المرأة بكل اشكالها والبيئة وغيرها من التسميات الاخرى التي هدفها في النهاية فرض الشروط والقوانين للتدخل بالشأن الداخلي الاردني.
في الوطنية والخيانة
ويستعرض القاسم مفاهيم ( جديدة ) في الوطنية والخيانة، فيقول : (الويل كل الويل) لمن يبدي رأياً معارضاً للتدخل، فهو ملعون مطعون وخائن إلى يوم الدين. باختصار لقد أصبح الوطني ذاك الذي يطالب، ويبارك الاستعانة بالأجنبي، والخائن هو الذي يعارض الاستعانة. لم يعد الكثيرون يترددون في القول إنهمquot;يتفهمون الآن دعوة أحمد الجلبي للأميركيين كي يضربوا النظام الحاكم في العراقquot;، و يعذرونهquot;. كما يستطيعون أن يتفهموا كنعان مكية وهو يقول: quot;إن وقع أصوات الغارات الأميركية على جيش صدام كانت أجمل من أنغام بيتهوفن على أذنيquot;. كم تفاجأت عندما سمعت شاباً عربياً على إحدى الفضائيات قبل فترة وجيزة وهو يتوعد جيش بلاده بطائرات أوباما quot;العظيمةquot; على حد وصفه.
استعمار داخلي
ويذكر الكاتب خضر بوقايلة بالتدخلات الخارجية والاستعمار مقارنا بين افعالها في البلدان التي استعمرتها، وما يفعله اليوم حكام تلك البلدان : ماذا فعل الاستعمار عندما غزا البلاد العربية؟ طغى فيها وأكثر فيها الفساد، نهب خيرات تلك البلاد وتآمر على شعبها ولجأ إلى كل الأساليب من أجل الاستمرار في الحكم، طارد المقاومين وقتلهم وشردهم ونفاهم إلى الخارج وزج بهم في السجون وتعامل مع شعب البلد الأصلي كما يتعامل مع الدواب والأنعام. المستعمر الفرنسي والبريطاني والإيطالي فعل ذلك والجرائم موثقة في أرشيفهم الرسمي وفي ذاكرة الشعوب، فماذا فعل الحكام العرب في شعوبهم بعد ذلك؟ هل تحتاجون إلى إحصائيات عن عدد الذين اغتالتهم الأنظمة العربية، والذين زج بهم في سجون وأقبية المخابرات والأجهزة الأمنية والعسكرية المختلفة وذاقوا هناك صنوفا وألوانا من التعذيب ربما لم يذقها أسلافهم أيام الاستعمار الأصلي أو الخارجي؟
الطواغيت المحليين
ويطرح القاسم افكارا عن أناس كثيرين، بمن فيهم كتاب وإعلاميون ونشطاء، يقولون إن الفرق قد زال في نظر ملايين العرب بين الطواغيت المحليين الجاثمين على صدور الشعوب تحت شعارات واهية وأولئك الذين كنا نحاربهم إلى وقت قريب كأعداء ومحتلين وغزاة. لا بل إن أحدهم قالها بوضوح: quot;لم يعد هناك فرق بين الغازي الأمريكي والعدو الصهيوني من جهة والأعداء المحليين الممثلين بالطغاة العرب من جهة أخرى.
الوطنية الرخيصة
لكن الكاتب الكردي السوري جان كورد يوضح بأن quot;الوطنية الرخيصةquot; لا ترى بحر الدماء السورية المسفوكة حتى الآن ومشاهد المدن المدمرة وآثار التعذيب الوحشي، دون وجود أي قوات تدخل خارجي.
ويتابع : الشعب السوري يؤنب معارضته السياسية كل يوم لأنها فشلت حتى الآن عن اقناع العالم بضرورة quot;التدخلquot; لوقف (المجرمين) عن الاستمرار في جرائمهم ضد الإنسانية، ولكن أصحاب quot;الوطنية الرخيصةquot; مستعدون للانتظار وتحمل كل شيء، حتى لا تقصف قصور المجرمين وأركان قواتهم المهاجمة على الشعب،
ضرورة التدخل الخارجي في سوريا
ويلمح عبد الله بن بجاد العتبيي الى ضرورة التدخل الخارجي في سوريا مشيرا الى إنّ حجم الجرائم المرتكبة في سوريا التي تصل حدّ المذابح والمجازر واستمرارها وتصاعدها إن في بابا عمرو وإن في درعا أو غيرها من المدن التي تجتاحها الآليات العسكرية وتتفنّن في إبادة أهلها لم يعد يترك مجالاً لكثيرٍ من قيادات العالم لأن تسكت عمّا يجري هناك.
وبحسب القاسم فقد أثبتت الثورات العربية الأخيرة للكثير من الشعوب أن الغزاة والأعداء أرحم بهم بكثير ممن أسماه الشاعر اليمني الكبير البردوني يوماً quot;بالمستعمر الوطنيquot;. وقد قالها أحد كبار الشيوخ قبل فترة : quot; لقد كان المستعمر الفرنسي أكثر رحمة بنا من طواغيتنا الآن، فعلى الأقل عندما كنا نحارب الفرنسيين، ونهرب إلى المساجد للاحتماء داخلها، كان الجنود الفرنسيون يحترمون قدسية المساجد والجوامع، وبالتالي يمتنعون عن دخولها أو قتلنا داخلها وتدنيسها. أما الآن فقد أصبح الهجوم على المساجد وتدميرها أسهل من شرب الماء بالنسبة للطواغيت العرب وعصاباتهم المجرمةquot;. ويصيح كاتب ليبي: ماذا كان سيفعل القذافي بمدينة بنغازي التي انفصلت عن نظامه لو لم يتدخل الخارج. ربما كانت الآن في غياهب اللاوجود.
نحن السابقون وأنتم اللاحقون
ويذكر القاسم بصيحة صحافي عراقي قال quot;نحن السابقون وأنتم اللاحقونquot;، حين سخر من العرب الذين هاجموا العراقيين لاستنجادهم بالأميركيين لإسقاط صدام حسين. ولا شك أنه محق في سخريته اللاذعة بعد أن راح العرب يتهافتون على طلب التدخل الدولي لإزاحة هذا الطاغية أو ذاك.
ويستغرب الكاتب السوري المعارض محي الدين اللاذقاني في حوار له مع قناة الجزيرة من (هؤلاء) الذين يستنكرون الدعوة للدفاع عن النفس، مشيرا الى ( نحن الآن في وضع يقتل فيه يومياً أكثر من 100 سوري، تغتصب فيه نساء، يقتل فيه أطفال، من يستطيع أن يرى هذه الصور ويطلب من السوريين أن لا يدافعوا عن أنفسهم).
التعليقات