علي الغفلي
من الواضح أن لا شيء يشير إلى قرب انتهاء الأزمة الدموية في سوريا . لم ينجح الموقف الرافض الذي يتخذه المجتمع الدولي تجاه العنف المسلح الذي ظل نظام الأسد يستخدمه على مدى ثمانية عشر شهراً، في ثني هذا النظام عن الاستمرار في قتل وتشريد عشرات الآلاف من المدنيين السوريين . ولم تفلح بعثتان من المراقبين الدوليين، إحداهما عربية والأخرى دولية، في تحقيق هدف وضع حد للعنف المتفشي في المدن السورية . وضاق مبعوث دولي للأزمة السورية ذرعاً بالعنف المفضي إلى اليأس الذي يمارسه نظام الأسد، فقرر الخلاص من المهمة المكلف بها، وليس هناك من يتفاءل بأن ينجو المبعوث الدولي الذي يخلفه من شراك اليأس والفشل التي تنصبها دمشق لكل من يحاول التوسط من أجل الوصول بالأزمة السورية إلى ضفاف التسوية . لا يكترث نظام الأسد للصدمات القاسية التي تسببها المجازر التي يذهب ضحاياها المئات من الأطفال والنساء والرجال، ويصرّ على أن تتوالى المجازر المتنقلة الواحدة تلو الآخرى . لا توجد حدود للمدى الذي يمكن أن يذهب إليه النظام الحاكم في سوريا، ومن المؤكد أنه لا يعترف بالخطوط الحمراء الواقعية والمفترضة أمام أدوات القمع القاتل التي يستخدمها، وذلك بعد أن شرعت طائراته المقاتلة في شن الهجمات الشرسة على المدن السورية، ضارباً بعرض الحائط كل الاعتبارات الإنسانية والسياسية . يوازي القلق بشأن فرص نجاح المعارضة في سوريا في تجاوز خلافاتها وتوحيد صفوفها الشك في شأن احتمالات أن يدرك نظام الأسد أهمية الاستسلام لإرادة الشعب وجدوى القبول بمخرج سلمي من الأزمة التي تعصف بالبلاد . ثمة نصيب من تساؤلات اللوم الحقيقي التي يمكن توجيهها إلى كل من المعارضة والحكومة في إطار الأزمة السياسية في القطر السوري . من ناحية أولى، كيف يمكن تبرير أن يترافق الأداء العسكري الصامد الذي يبديه الجيش السوري الحر مع الأداء السياسي المتردد الذي تستمر القوى والمؤسسات المعارضة لنظام الأسد في تقديمه على صعيد صنع الثقة الدولية بخصوص شكل وتوجهات النظام السياسي الذي يمكن أن يخلف النظام القائم في سوريا؟ ومن ناحية ثانية، هل يعقل أن يمتلك نظام الأسد وحلفائه الدوليين الاعتقاد أن بإمكان بشار الأسد الاستمرار في السيطرة على مقاليد الحكم بأية درجة من الشرعية السياسية في البلاد، وذلك بعد أن بالغ في إعمال كل أدوات القتل والتشريد الوحشيين ضد المدنيين السوريين على مدى عام ونصف العام؟
لم تسهم الأطراف الخارجية في التأثير في الأزمة السورية بشكل مفيد منذ انطلاق الثورة السورية حتى الآن، ويبدو أن القاسم المشترك بين كل هذه الأطراف هو الغموض حول نهاية منظورة للأحداث الدامية في هذا البلد العربي . لقد حصلت قوى المعارضة السورية على بعض الدعم السياسي والعسكري من الأطراف الدولية المناصرة لها، ولكن شاب هذا الدعم المقدم الكثير من التباطؤ والتردد، ومن الواضح أنه ليس كافياً من أجل ترجيح كفة النهاية السريعة والحاسمة في صورة إسقاط نظام الأسد . كما حصل هذا الأخير على الكثير من الدعم السياسي والعسكري من الأطراف الدولية الراغبة في إطالة أمده، ورغم أن هذا الدعم لا يضمن بالضرورة إنقاذ نظام الأسد من السقوط في نهاية المطاف، إلا أنه يوفر الأسباب المؤسفة كي يعتقد القائمون على هذا النظام أن بإمكانهم متابعة القتال من أجل التمسك بزمام الحكم في سوريا .
تؤكد موسكو أنه ليس من المعقول أن يبادر الرئيس بشار الأسد إلى وقف القتال، وهي بذلك تقدم تعبيراً بليغاً لمدى وحجم الدعم الذي تقدمه روسيا للنظام الحاكم في سوريا . وتجاهر طهران كذلك بتقديم صنوف الدعم إلى نظام الأسد، ليستخدمها هذا الأخير من أجل أن يقمع بشراسة الثورة التي تستهدف إسقاطه من سدة الحكم . وفي المقابل، ترغي العواصم الغربية بتوجيه التهديدات إلى نظام الأسد وتتوعده بسوء الخاتمة، ولكنها تنأى بنفسها تماماً عن الوعيد باستخدام القوة العسكرية ضده من أجل إنهاء الأزمة المستمرة في سوريا، وهي تعجز بكل تأكيد عن تصوير سوء خاتمة بشار الأسد بأية درجة من الصدقية عندما تلمّح بتوفير مخرج آمن له من سوريا في حال وافق على التنحي عن السلطة .
تجسد الحالة السورية الاختلاط الأكبر من نوعه بين المعطيات المحلية والدولية من بين كل حالات انهيار النظم العربية التي انطلقت منذ أواخر العام 2010 . يدرك الشعب السوري أن ثورته قد أدخلته في حالة عداء صريح تجاه كل من طهران وموسكو وبكين بشكل يوازي عداءه تجاه نظام الأسد، وهو أمر يتسبب بكل تأكيد في إطالة معاناة السوريين بشكل يفوق العناء الذي واجه الشعوب في تونس ومصر وليبيا واليمن خلال الثورات في هذه الدول .
إضافة إلى ذلك، تدرك الدول التي تريد الوقوف إلى جانب الشعب السوري من أجل مساعدته سياسياً وعسكرياً لإطاحة نظام الأسد أنها تدخل في واقع الأمر في صراع شبه مباشر مع كل من موسكو وبكين وطهران، وهذا أمر يدفع بهذه الدول إلى إيثار التأني الاعتدال في تقديم العون الذي يمكن أن يساند الشعب السوري في تحقيق هدف إسقاط نظام الأسد . إن المجتمع الدولي ممثلاً في مجلس الأمن عاجز عن القيام بمهامه المنوطة به تجاه معالجة الأزمة السورية، والدول المناصرة لنظام الأسد غير راغبة في تغيير سياساتها بعد أن استمرت كثيراً في تقديم الدعم المخزي له، والدول المتعاطفة مع معاناة الشعب السوري قد بدأت تعلن عجزها عن الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية اللازمة لتلبية الاحتياجات المتزايدة للنازحين في تركيا والأردن . في الوقت الذي يدرك فيه الشعب السوري أن إرادته في إسقاط نظام الأسد قد أدخلته في صراع دموي مع طهران وروسيا وبكين، يتعين عليه أن يدرك أيضاً أنه يخوض هذا الصراع من دون الحصول على الدعم المطلوب من واشنطن وباريس ولندن .
التعليقات