محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ


في القمة الإسلامية التي عقدت في رمضان اقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - حفظه الله - فكرة إنشاء منظمة إسلامية هدفها ا(لحوار بين المذاهب) يكون مقرها الرياض. الفكرة لم تأتِ من فراغ، وإنما كانت لإخماد نيران المزايدات والمشاحنات المذهبية التي تعج بها الساحات العربية والإسلامية هذه الأيام، والتي إذا لم يتدخل في إخمادها الحكماء ستكون لها تبعات وعواقب وخيمة لا يعلم إلا الله إلى أين تنتهي بالمسلمين، وبالذات بين مذاهب أهل السنة والجماعة ومذاهب الشيعة.

لقد عرفنا نحن أبناء المملكة أهمية الحوار وقيمته ودوره في تضييق الفجوة بين الفئات المختلفة والمتخالفة؛ خاصة إذا صدقت النوايا، وتم التعامل معه بجدية، فكما أقول وأكرر دائماً إن مجرد الجلوس على طاولة الحوار، وإعطاء كل فئة حق التعبير عن نفسها، تكون بممارساتك هذه فرغت 50% من الاحتقانات، والبقية تأتي مع سماع كل فئة رؤى الفئة الأخرى ومطالبها. وإذا كان الفضل يُنسبُ إلى صاحبه فإن الذي أدخل مفردة (حوار) إلى ساحاتنا الثقافية، وفرضها على جميع الأطراف المختلفة، ولم نكن نعرفها فضلاً عن أن نمارسها من قبل، كان الملك عبدالله، وهذا ما سوف يُخلده له التاريخ ؛ بل أنا على يقين لا يُخالطه شك أن مبادرته - حفظه الله - (المبكرة) في فتح باب الحوار في المملكة، وكذلك رفع سقف الحريات الصحفية، كانت بمثابة السد المنيع الذي جعل أعاصير القلاقل والاضطرابات تقف عاجزة عن اقتحام بلادنا، فالكبت وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات هي دائماً وأبداً بمثابة الشرارة التي يبدأ منها الحريق، وتنطلق منها القلاقل والاضطرابات والفتن، كما علمنا التاريخ القريب والبعيد.

ويبدو أنه - أيده الله - قد استفاد من تجربة الحوار بين مذاهب أهل المملكة وفئاتها الفكرية المختلفة، والنجاح المبهر الذي فَرّغ الاحتقانات وضيّق فجوة الخلاف، فكانت مبادرته للحوار بين المذاهب الإسلامية امتداداً لتجربتنا الناجحة في الحوار.

الأمانة العامة للحوار بين المذاهب ستكون في الرياض كما أعلن في حينه، وأنا متفائل بنجاحها إذا صدقت النوايا، وتمّ تمثيل المذاهب من شخصيات لها ثقلها وقيمتها، تدرك أن إقحام الحساسيات المذهبية في الصراعات السياسية، سواء على مسـتوى البلد الواحد، أو المنطقـة، سـتكون عواقبه وخيمة؛ وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هناك بعض الطحالب الانتهازية التي تعيش وتتغذى وتستمد قيمتها ومكانتها من إثارة هذه النعرات المذهبية وإشعالها بين السنة والشيعة أينما وجدت المذاهب وبالذات المذهبين السنة والشيعة، وهذا ما يجب أن يسعى هذا الحوار ممثلاً في أمانته العامة على محاصرته، ومحاولة تطويق هذه الطحالب الانتهازية القميئة من الفريقين.

النقطة الثانية التي أجد أن من الضرورة بمكان الإشارة إليها، وهي نقطة جوهرية، أن هذا الحوار يجب أن يبتعد عن خرافة (التقريب بين المذاهب)، لأن هذه غاية مستحيلة وتحقيقها يعني بالضرورة أن يتنازل كل مذهب عن مفهومه للعقيدة، في سبيل أن يصل مع المذهب الآخر إلى نقطة التقاء، وهذا أمرٌ مرفوض من أصحاب المذاهب نفسها مبدئياً، ولا يمكن أن يتحقق إطلاقاً، فضلاً عن أنه - كما علمنا التاريخ - مرتعاً خصباً للمماحكات والتوظيفات السياسية، وإقحام عقائد الناس في دواماتها وتجاذباتها؛ لذلك فشلت مؤتمرات (التقريب بين المذاهب)، التي كانت من خزعبلات الإخوان المسلمين، وستفشل حتماً الآن وفي المستقبل. لذلك فإن الهدف من الحوار بين المذاهب يجب في رأيي أن يكون بوضوح ومباشرة هو (التعايش مع الاختلاف)، وتلمس الأسباب التي من شأنها تكريس التعايش بين أبناء المذاهب، وأهمها الدعوة إلى الكف عن إثارة النعرات المذهبية والفتن الطائفية، كذلك - وهذه نقطة جوهرية - محاولة إيجاد طريقة لمنع (القنوات الطائفية الفضائية) من البث، فهذه القنوات هي التي تصب الزيت على النار، وتقوم بدور مفصلي في إذكاء هذه الفتن. إضافة إلى قطع الطرق على كل من يُوظف إثارة هذه النعرات المذهبية لتصب في مصالحه، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الأحزاب أو الدول. أعرف أن هذه غايات صعبة التحقيق، لكننا يجب أن نعمل بكل ما أوتينا من قوة لنزع فتيل هذه القنابل الموقوتة في العالم الإسلامي، لأن شظاياها ستصيب الجميع دون استثناء.

إلى اللقاء.