عبدالعزيز حمد العويشق


القصة التي نجحت في استقطاب العالم خلال الأسبوع المنصرم والتي تتنبأ بأن تتحول المملكة إلى دولة مستوردة للبترول بدلا من أن تكون مصدرة له، بحلول عام 2030، سطحية في مبالغتها

كان هذا هو السؤال الذي تناقلته وسائل الإعلام الأميركية والدولية خلال الأسبوع المنصرم. آلاف من الأخبار والتحليلات مفادها أن المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للبترول في العالم، قد تصبح دولة مستوردة له بحلول عام 2030، بسبب الزيادة المتسارعة في استهلاك البترول محليا. وسبب هذا الاهتمام العالمي يعود إلى أنه لو حدث مثل هذا التطور، وتوقفت المملكة عن تصدير البترول، فإن ذلك سيُحدث انقلابا في أسواق النفط يمكن أن تكون له آثار مدمرة للاقتصاد العالمي.
فهل مثل هذا السيناريو ممكن؟ وهل نستطيع تفادي ذلك المصير؟
أصل الخبر quot;دراسةquot; أعدها أحد البنوك الأميركية المعروفة (سيتي جروب). ووفقا لهذا التحليل، فإن استهلاك المملكة من البترول، إذا استمر في الارتفاع بمعدلاته الحالية، سيتجاوز في عام 2030 الكميات المنتجة من البترول، مما سيضطرها لاستيراد البترول بحلول ذلك العام.
ومع أن مثل هذه التكهنات ممكنة رياضيا، وفق افتراضات معينة، فإنه من المضحك فعلا أن نتصور بأن المملكة في عام 2030 ستقوم باستهلاك جميع ما تنتجه من البترول، فضلاً عن استيراد المزيد، لأن ذلك السيناريو يعني في الحقيقة انتحارا ماليا وانهيارا اقتصاديا في آن معا. فكما نعرف، في ميزانية الدولة لعام 2011 شكلت موارد النفط 93% من إيرادات الميزانية. فبدون دخل البترول، ستتوقف عجلة الاقتصاد، ومالية الدولة معها، بالكامل. ونظرا إلى أن أي دولة لن تسمح بالوصول إلى ذلك المصير، فإن من المؤكد أن المملكة ستجد حلولا بديلة لمشكلة الاستهلاك المتزايد للبترول قبل ذلك بوقت طويل.

والحقائق والأرقام المتعلقة بهذا الأمر معروفة لدى الجميع، فكما كتبتُ في مقالين في quot;الوطنquot; في شهر مارس الماضي، فإن استهلاك الفرد من البترول في المملكة ارتفع مؤخرا بمعدلات غير مسبوقة، بحيث أصبح أعلى معدل في العالم. حيث يتم استهلاك نحو ثلاثة ملايين برميل من النفط يوميا، أو أكثر من مليار برميل في العام. وبتقسيم ذلك على عدد السكان، يصل استهلاك الفرد إلى نحو (40) مليون برميل في العام، وهو ما يعادل أربعة أضعاف استهلاك الفرد في أميركا، وخمسة أضعافه في كوريا، وثمانية أضعاف استهلاك الفرد في اليابان.
وما يثير قلق الجميع داخل المملكة وخارجها، أن معدل الاستهلاك في ازدياد سريع. فخلال السنوات العشر الماضية، ارتفع استهلاك الفرد من (30) إلى (40) برميلا في العام، أي بنسبة 33%. وتضع بعض التقديرات معدل الارتفاع السنوي بـ(5%).
وحسب تقديراتك لنسبة النمو في الاستهلاك المحلي للبترول في المملكة مستقبلا، ولنسبة زيادة الإنتاج، يمكن أن تحسب متى يمكن، من الناحية النظرية، أن يتجاوز الاستهلاك الحجم الإجمالي للإنتاج. ويبدو أن دراسة (سيتي جروب) قد استخدمت معدلات عالية جدا لنمو الاستهلاك المحلي لكي تصل إلى استنتاجها بأن المملكة ستصبح دول مستوردة للبترول في عام 2030.
وكما نعرف فإن معظم التوقعات الاقتصادية مبنية على التركيز على متغير واحد، أو متغيرين، دون النظر إلى بقية العوامل التي يمكن أن تؤثر في النتيجة. وهذا الخطأ هو ما وقعت فيه دراسة البنك، فمن المؤكد أن المملكة تستطيع أن تتفادى المصير الذي أشار إليه البنك بتبني حلول عملية لتخفيض استهلاك البترول إلى مستوى معقول، دون الإخلال باحتياجات المستهلك ورفاهيته، وزيادة إنتاج الطاقة من مصادر بديلة للبترول.


وهذه بعض الحلول التي ستسهم في خفض الاستهلاك المحلي للنفط:

أولا: تطوير وسائل مواصلات عامة بدلا من الاعتماد شبه الكلي على السيارات الفردية، وبالطبع فإن توفر البنزين بأسعار منخفضة، قد تكون الأدنى في العالم، يجعل من السهل والممكن اقتصاديا، أن نستمر على هذا النحو. ولكن وسائل المواصلات البديلة يجب أن تكون على أعلى المستويات لكي تُقنع المواطنين بالاستغناء عن سياراتهم، ولو قليلا.
ثانيا: رفع كفاءة إنتاج الطاقة الكهربائية، إذ يمكن لمنتجي الكهرباء لدينا، كما كتب لي بعض المختصين والعاملين فيها، أن ترفع كفاءة إنتاجها وتخفض استهلاكها للبترول بجهد قليل. ومثل هذا التحول يجري العمل عليه حاليا، ولكن توفر البترول بأسعار منخفضة لا يُشجع على هذا التحول.

ثالثا: تطوير مصادر بديلة للطاقة، يمكن أن تكون المملكة رائدا فيها، وثمة الكثير من الدراسات في هذا الشأن، ولكن من المهم تسريعها. وكما كتبتُ في مقالات سابقة، فإن المملكة يمكن أن تكون من أكبر منتجي ومصدري الطاقة الشمسية على وجه الخصوص، إذ استخلص عدد من الدراسات أن لديها ميزة نسبية في إنتاج الطاقة الشمسية.
رابعا: ترشيد استخدام البترول، في المنازل والمكاتب والطرق والمصانع. وقد تم تنظيم حملات عديدة في الماضي لتوعية المستهلكين بأهمية المحافظة على الطاقة وترشيد استخدامها، ولكن الاستهلاك يستمر في الارتفاع دون تأثير لهذه الحملات.

وكما نعرف من تجارب الدول الأخرى، فإن مواجهة هذه التحديات، وترشيد الاستهلاك، وتطوير مصادر بديلة مجدية اقتصاديا، كلها مرهونة بمعالجة السعر الذي يُباع به البترول ومشتقاته.
وخلاصة الأمر، أن القصة التي نجحت في استقطاب العالم خلال الأسبوع المنصرم والتي تتنبأ بأن تتحول المملكة إلى دولة مستوردة للبترول بدلا من أن تكون مصدرة له، بحلول عام 2030، قد تكون سطحية في مبالغتها، ولكن من الضروري أن نصل إلى حلول عملية معقولة للسيطرة على الاستهلاك المحلي للبترول. ومن حسن الحظ أن ثمة حلولا كثيرة معروفة ومجربة، لكي نتفادى تبعات هذا الاستهلاك الكبير للبترول محليا.