خلال العشرين عامًا الماضية كانت هناك مواجهة صامتة وغير مباشرة بين الدول الخليجية والإخوان لسببين: أولهما أن المد الإسلامي الأصولي ظل في تنامٍ شعبي خلال التسعينات، وثانيهما أن دول الخليج لم تكن ترغب في القضاء على المنتمين للتنظيم، لكي لا تخل بالتوازن الاجتماعي الذي تنشط فيه تيارات إسلامية متباينة المناهج.


يحمل عبدالله العوضي بشدة على الموقوفين الستين المنتمين الى جماعة (الإخوان المسلمين) في الإمارات، والذين أدلوا باعترافات تفيد بانتمائهم الى تنظيم سرّي، مشيراً الى أن quot;الإمارات ليست حقل تجارب لأي تنظيم سياسي مهما كانت صفته وإن كان دينياً أو إسلامياً، سرياً كان أو علنياً، والأشد من ذلك كونه تابعاً لأجندات تتضارب وتتصادم مع مصالح الوطن العليا، وفوق كل المصالح يقع أمن الدولةquot;.
ومن وجهة نظر العوضي فإن التنظيم في اهدافه يسعى الى quot; القفز على ثوابت الوطن والبحث عن وطن آخر له من نسج خياله، ويدير ظهره عن إنجازات الوطن الأم quot; .
إن تاريخ التنظيمات في الوطن العربي ، بحسب العوضي ، لا يسر صديقاً ولا يفرح عدواً، فلم تجنِ الدول التي احتضنتها أو رعتها لأسباب سياسية، تدخل في باب المساومات مع آخرين تحقق من ورائها مصالح ضيقة حال الانتهاء منها، لفظتها أو دفعتها دفعاً للخروج من أراضيها، بعد أن يتم المراد منها.
وكانت صحيفتا (الخليج) و(الامارات اليوم) نسبتا الى مصادر مطلعة قولها إن جماعة الإخوان المحظورة قانونياً في الإمارات تهدف بحسب اعترافات موقوفين من اعضائها الى تأسيس جناح عسكري هدفه الاستيلاء على السلطة، وإقامة حكومة دينية في البلاد، بوسائل غير مشروعة.
ويضرب العوضي في مقاله في صحيفة الاتحاد الاماراتية امثلة على تجارب تنظيمات في دول أخرى ، اذ يرى أن هذه quot;التنظيمات والأحزاب التي تولت السلطة في دولها لم تقدم لأوطانها مشاريع تسهم في انتشالها من وهدة المشاكل التي تفاقمت فيها، والتي تحولت إلى ثورات وانتفاضات وحراك يطالب الشعوب التي تضررت من حكمها بلقمة العيش، وقدر من العدالة والمساواة والكرامة التي أهدرت، والثروات قد كدست في خزائن أصحاب المصالح الحزبية والتنظيمية في بلدانها التي غدت جزءاً من ابتلائهاquot;.
وبحسب مصدر اماراتي فإن الموقوفين quot;أقروا أيضاً بأنهم وجدوا في أحداث (الربيع العربي) فرصة ملائمة لنشاطهمquot; .
وأردف المصدر: quot; لديهم جناح عسكري تأسس منذ عام، 1988 لتدريب المنتمين، على أن يتواصل القياديون فيه مع الضباط لضمهم الى التنظيم بعد تقاعدهمquot;.
وكانت النيابة العامة في الامارات وجهت الى الموقوفين أربع تهم هي: انشاء وادارة تنظيم سري يمس الأمن ومبادئ قيام الدولة، والارتباط بجهات خارجية وتلقّي تعليمات وأموال منها، والتعرّض للقيادة السياسية في الدولة، اضافة الى بناء محفظة استثمارية لدعم تنظيم غير مشروع.
وتؤكد الاحداث أن الجماعات ذات التوجهات الاسلامية سواء من الاخوان المسلمين أو تنظيم القاعدة وغيرها استفادت من الربيع العربي في مصر وليبيا وتونس.
وتصف فضيلة المعيني خلية الاخوان بأنها quot;تنظيم سري ذو أهداف ودوافع كبيرة وخطيرة، واستثمارات وأموال تضمن نجاح مخططاتهم (الشيطانية) والانجراف نحو مواسم لا نعرف إن كانت ربيعاً أم خريفاً أم سواداً دامساًquot;.
وتحسب المعيني في مقالها في صحيفة البيان الاماراتية أن quot; تهم إنشاء وإدارة تنظيم سري يمس الأمن ومبادئ الدولة، والارتباط بجهات خارجية وتلقي تعليمات وأموال منها، والتعريض بالقيادة السياسية في الدولة، وإنشاء محفظة استثمارية لدعم تنظيم سري ليست مخالفة مرورية أو شجاراً بين اثنين أو اختلاساً لمبلغ ، بل هي محاولة لسرقة وطن وبيعه لجماعات وتنظيماتquot;.
وكان عادل الطريفي عرج في مقال له في جريدة الشرق الاوسط على تاريخ جماعة الاخوان في الخليج ، وكيف أنها منذ نهاية الثلاثينات وهي تحلم بتصدير فكرها ومنهجها إلى البلدان العربية والإسلامية.
وحاولت بعد ذلك الحكومات الخليجية أن تقلص من نفوذ الجماعة والمتأثرين بأفكارها خلال التسعينات، بحسب الطريفي ، وبعض الدول راهنت على التيار السلفي الحركي لمواجهة الإخوان. أما البعض الآخر فقد استخدم الترغيب والترهيب محاولاً فصل الإخوان الخليجيين عن تبعيتهم للتنظيم الأم.
ويعتقد الطريفي إنه خلال العشرين عامًا الماضية كانت هناك مواجهة صامتة وغير مباشرة بين الدول الخليجية والإخوان لسببين: أولهما أن المد الإسلامي الأصولي ظل في تنامٍ شعبي خلال التسعينات، وثانيهما أن دول الخليج لم تكن ترغب في القضاء على المنتمين للتنظيم، لكي لا تخل بالتوازن الاجتماعي الذي تنشط فيه تيارات إسلامية متباينة المناهج، بحيث يصعب تمييز من هو متأثر فقط بفكر الجماعة، ومن هو عضو فاعل بالتنظيم الدولي.
يروي الكاتب منصور النقيدان في دراسته (الإخوان المسلمون في الإمارات.. التمدد والانحسار) أن الحكومة الاتحادية حاولت معالجة موضوع الإخوان عبر احتوائهم، ففي سلسلة من اللقاءات التي أجراها الشيخ محمد بن زايد - ولي العهد - مع بعض الشخصيات المحسوبة على فكر الإخوان في 2003 حاولت الدولة احتواءهم، وقد عرضت السلطات الإماراتية ثلاثة خيارات على كوادر الجماعة من موظفي التعليم، وهي: إعادة تأهيلهم وإبقاؤهم في وظائفهم التعليمية، بعد إعلان تخليهم عن الجماعة، والتبرؤ من بيعة المرشد ، وكذلك التخلي عن الجماعة تنظيميًا، واحتفاظ كل شخص بأفكاره الخاصة، بشرط ألا يقوم بترويجها أو الدعوة إليها ، وتوفير فرص وظيفية خارج المؤسسة التعليمية لكل من اختار البقاء على انتمائه الحزبي رافضًا عرض الحكومة.
ويؤكد الطريفي على أن quot;تحدي صعود الإخوان إلى السلطة في بعض الدول العربية غير محصور في الإمارات، بل إن كل بلد خليجي ينبغي أن يواجه السؤال التالي: هل يسمح بتمدد وانتشار أنشطة جمعيات وشخصيات لديها بيعة (دينية) لشخص أجنبي؟quot; .
أحكم الطريفي فكرته بالقول إنquot; الموقف الخليجي من تصاعد دور الاخوان في المنطقة بات متباينًا، فبعض الدول - مثل الإمارات - لديها موقف واضح من منهج الجماعة الساعي الى تصدير أفكاره ونشر تنظيمات موالية له في الخارج، وهناك دول - مثل قطر - هي في حالة تقارب وتنسيق مع القوى الإخوانية، ولكن الإمارات محقة في المطالبة بحل التنظيم في بلادها، كما فعل التنظيم القطري في 1999، وإذا كان الإخوان قد قبلوا بحل التنظيم في قطر، فلماذا لا يحل في بقية دول الخليج؟!quot; .