علي راشد النعيمي
تتميز فترات تغيير أنظمة الحكم بأنها فترات اضطراب وعدم استقرار وبروز قوى سياسية جديدة تتصف بالنزوع للسيطرة على كل ما يمكنها الوصول إليه من مراكز القوى في المجتمع ووضعها في خدمة أجندتها، وفي مثل هذه الظروف قد يتم تجاوز بعض الثوابت المتوافق عليها مجتمعياً لتحقيق مصالح آنية لبعض القوى السياسية على حساب القوى الأخرى أو حتى على حساب مصالح المجتمع الاستراتيجية. وخلال الأحداث الأخيرة في مصر كان الأزهر محط أنظار بعض القوى السياسية الجديدة إما لأنه يشكل عائقاً أمام تحقيق رؤيتها لحكم الدولة لأنها تستخدم الإسلام في أجندتها السياسية أو بسبب ما يمثله الأزهر من مركز ثقل في مصر والعالم الإسلامي بل والعالم أجمع، ولذلك نجد أن الأزهر ومكانته وأدواره كانت حاضرة وبقوة في مناقشات الجمعية التأسيسية لوضع الدستور وحاول بعض رموز القوى السياسية الدخول في مساومات سياسية مع ممثلي الأزهر خلال تلك المناقشات كما ثبت من التسريبات التي ظهرت لاحقاً من بعض رموز القوى السياسية الجديدة سواء كانوا من laquo;الإخوان المسلمينraquo; أو من السلفيين. لقد فقدت مصر والعالم العربي والإسلامي العديد المقومات الحضارية التي كانت تمتلكها وتخلفت عن القيام بمساهماتها في رفد ركب الحضارة الإنسانية في مسيرتها المعاصرة إلا أن ما تبقى لنا من ذلك يجب أن نحافظ عليه، وأن نصونه من يد كل عابث، ونعمل على إبرازه وتمكينه من أداء دوره الحضاري المشرق، وهذا ما ينطبق على الأزهر تحديداً.
إن الوعي بمكانة الأزهر وإدراك الدور الحضاري الذي يقوم به ليس في مصر وحدها وإنما في العالم أجمع هو أمر في غاية الأهمية وبالذات لدى اللاعبين السياسيين الجدد في مصر. إن ما يمثله الأزهر من تراث إسلامي وحضاري يتطلب المحافظة على استقلاليته وتمكينه من أداء دوره كمركز إشعاع إسلامي يتميز بالوسطية والاعتدال وهو ما تحتاج إليه مصر خاصة والعالم الإسلامي عامة، وأن المتأمل لأوضاع العالم الإسلامي والمؤسسات الدينية الفاعلة فيه يجد أن الأزهر هو مركز الثقل في إبراز الإسلام بسماحته واعتداله بعيداً عن التطرف والغلو. إننا في ظل الظروف الحالية بحاجة إلى صوت الحكمة والعقل وهو ما اعتدنا على سماعه من الأزهر، كما أن العالم أجمع بحاجة إلى أن يرى من الإسلام سماحته ورحمته واعتداله وهذا ما يحسن الأزهر تقديمه وإبرازه.
إن من حق كافة القوى السياسية الجديدة في مصر استخدام جميع الأدوات المتاحة والمشروعة قانونياً لتنفيذ أجندتها السياسية، ولكن عليها المحافظة على الثوابت وعدم تجاوزها أو تغييرها لتحقيق مصالح سياسية آنية على حساب مصالح استراتيجية لمصر وشعبها، وإن مكانة الأزهر واستقلاليته يجب أن تكونا من الثوابت التي لابد أن تتوافق القوى السياسية في مصر على اعتبارها كذلك وعدم التدخل في شؤونه واختصاصاته، وهذا ما يتطلب من الأزهريين التوافق فيما بينهم على عدم السماح لأحد بالتدخل في شؤونهم، والوقوف صفاً واحداً خلف شيخ الأزهر في قيادته لهذا الصرح الحضاري.
التعليقات