جهاد الخازن
الولايات المتحدة وقفت على حافة الهاوية المالية مع نهاية العام الماضي وكادت أن تسقط وتجر العالم معها، لولا أن إدارة اوباما والمشترعين الاميركيين طلعوا بحل في أول يوم من العام الجديد أنقذ اميركا والعالم كله من كارثة، وكانت النتيجة أن الأسواق المالية العالمية انتعشت، وأضاف الاقتصاد الاميركي 155 ألف وظيفة جديدة الشهر الماضي، ما زاد طمأنة المستثمرين.
هذا ما قرأنا وسمعنا وشاهدنا في الأيام الأخيرة، ولكن هل هو صحيح؟
أرى أن الأزمة المالية أُرجِئت ولم تُحَل، والموعد الجديد للنظر الى القعر هو أول آذار (مارس) أو نحو ذلك عندما تعود الإدارة والكونغرس الى التفاوض على ما أرجئ، مثل خفض مئة بليون دولار من إنفاق الحكومة، ورفع سقف الدين فوق 16.4 ترليون دولار، وبعد ذلك الاتفاق على موازنة قبل 27 آذار عندما ينتهي أجل الإنفاق الموقت.
نعرف الآن أن الضرائب زادت على سبعة أعشار واحد في المئة فقط من الاميركيين، وبقيت الضرائب على 99.3 في المئة من دون تغيير، ولم يخفض الإنفاق الحكومي.
غير أن مركز سياسة الضرائب جمع وطرح وقسّم وقرر أن الواحد في المئة من الاميركيين الأكثر دخلاً ستزيد الضريبة عليهم من 28 في المئة سنة 2008 الى 36 في المئة هذه السنة، أي أنهم سيدفعون أعلى ضريبة دخل وأرباح منذ سنة 1979.
الرئيس اوباما قال بعد الاتفاق أنه سيرفض البحث في خفض الإنفاق الحكومي، والمقصود هنا الضمانات الصحية والاجتماعية للفقراء. غير أن السناتور ميتش ماكونيل، رئيس الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، رد فوراً بأن الجمهوريين سيصرون على البحث في الموضوع.
باراك اوباما يفضِّل أن يكون خفض النفقات المُقترح، وهو بحدود 1.2 ترليون دولار، في أكثره من وزارة الدفاع التي لا تزال موازنتها السنوية تسجل الرقم القياسي الواحد بعد الآخر على رغم سقوط الشيوعية سنة 1989، وعدم وجود خصم عالمي يبرر إنفاقاً عسكرياً يزيد على بقية العالم مجتمعاً.
ميديا اليمين الاميركي قالت إن اوباما انتصر، وبعضها هدد بأن هذا سيكون نصره الأخير، وربما قلنا إن مثل هذا الكلام تمنيات أصحابه، إلا أن الحل الموقت ترك الحزب الجمهوري منشقاً على نفسه وجريحاً، ما يجعلني أرجح أن يكون أكثر خطراً وعناداً ورفضاً في المفاوضات المقبلة.
رئيس مجلس النواب جون بونر هدد وتوعد ثم أذعن، ما أغضب جمهوريين كثيرين، فهو سنة 2011 نال تأييد الأعضاء الجمهوريين جميعاً، إلا أنه هذه المرة فاز بالرئاسة بغالبية 220 صوتاً من أصل 426 صوتاً، وتخلى عنه 12 جمهورياً بينهم ثمانية صوّتوا لغيره، وإثنان لم يصوتا، وواحد اكتفى بالقول laquo;حاضرraquo; في الجلسة، وآخر غاب عنها.
والخلاف بين الجمهوريين تجاوز شخص رئيس مجلس النواب، فغالبية منهم من مجلس الشيوخ أيَّدت الاتفاق، في حين أن غالبية منهم في مجلس النواب عارضته، وكان بين المعارضين اريك كانتور، رئيس الغالبية الجمهورية في المجلس، وهو من الجناح اليميني المتطرف في الحزب ويرشحه مراقبون الى مراكز عليا.
مراقبون آخرون يقولون إن الكونغرس 112، المنتهية مدته، كان أسوأ كونغرس على الإطلاق وقد أصدر أقل عدد من القوانين لأي كونغرس سابق على ما تعيه الذاكرة. إلا أن المراقبين أنفسهم يقولون إن الكونغرس 113 الحالي قد يكون أسوأ، بالنظر الى ما يبدو من عمق الانقسامات داخل الحزب الجمهوري وبين الحزبين.
لن أغامر اليوم بالقول إن باراك اوباما، بعد فك أسره من قيود العمل لولاية ثانية، سيبدو أكثر حزماً منه في ولايته الأولى، وسيصر على حماية حقوق الفقراء في وجه التزام الجمهوريين الدفاع عن الإعفاءات الضريبية للأثرياء.
سنعرف هل نحن أمام اوباما جديد أو اوباما القديم نفسه خلال شهرين. في غضون ذلك أقول إن الرئيس يملك تأييداً كافياً لفرض السياسة التي يريد، فالأصوات الشعبية في انتخابات الرئاسة ومجلس الشيوخ ومجلس النواب (على رغم غالبيته من الأعضاء الجمهوريين) كانت لمصلحة الديموقراطيين، ما يعني انتداباً شعبياً لا يجوز أن يفرِّط الرئيس به.
التعليقات