محمد خليفة

مر ما يُعرف بتيار ldquo;الربيع العربيrdquo; قريباً من الجزائر، ولامسَ ضفتها الشرقية فاجتاح تونس وليبيا، لكنها استعصت عليه فأبت أن تُسلمه قيادها، ويبدو هذا من حسن طالعها، وخاصة، وهي لم تلمس بعد تحولاً يجعلها تعض أصابعها ندماً، أنها لم تستسلم لذلك الربيع الذي حاول البعض استثارة رياحه العام ،2011 فجمعوا بعض الشباب وبدأوا يتهيأون للتظاهر، لكن المزاج الجماهيري العام في الجزائر ظل هادئاً ورفض الانجرار وراء فتن لا تُبقي ولا تذر، لاسيما أن الجزائريين قد خرجوا بمرارات وجراح أليمة، منذ ما يقرب من عقدين من الزمان . وعملية الرهائن التي أقدم عليها متطرفون في شرق الجزائر كارتداد للحرب في مالي، هي محاولة لزج الجزائر في هذه الحرب، لكنها لن تعيد الجزائر إلى ساحة صراع مسلح .

قد لا يكون واقع الجزائر الاقتصادي مختلفاً، على الأقل من الناحية السياسية المتمثلة في نظام الحكم، عما كان عليه الحال في تونس، أو في سواها من الدول العربية التي شهدت اضطرابات، فمعظم الدول العربية ذات الكثافة السكانية تكثر فيها البطالة، وينتشر فيها الفقر، لكن الجزائر دولة محصنة قاومت الفتنة، والسبب هو أنها كانت قد خرجت لتوها من فتنة كبرى أدخلها فيها الإسلام السياسي المتطرف بعد الانتخابات التشريعية التي جرت العام ،1991 والتي حققت فيها جبهة الإنقاذ الإسلامية فوزاً كبيراً ضد جبهة التحرير الوطني الحاكمة . ولكن ما إن كادت النتائج تعلن حتى بدأ زعماء الجبهة الإسلامية يتوعدون المسؤولين وقادة الجيش بمذابح كبرى، بدعوى أنهم امتداد للمستعمر الفرنسي السابق في الجزائر، فما كان من الدولة إلا أن أعلنت إلغاء الانتخابات ونتيجتها، ولاحقت زعماء الجبهة الإسلامية فحبست علي بلحاج وعباس مدني، وفر أنور هدام وسواه من المسؤولين الآخرين إلى خارج الجزائر .

وبدأ مسلسل القتل والإرهاب الذي نفذه تيار الإسلام الجهادي في الجزائر، خاصة الذين شاركوا في مقاتلة السوفييت في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، ضد الشعب الجزائري البريء، فكانوا يهاجمون القرى الآمنة، فيقتلون النساء والأطفال والشيوخ بدم بارد في محاولة منهم لكسر صمود الدولة والجيش، لكن كل ذلك لم ينفع، فقد استمر الجيش والقِوى الأمنية في ملاحقة الإرهابيين حتى تم كسر شوكتهم ودحرهم، لكنهم تركوا الجزائر وطناً مدمى وقتلوا رئيساً جزائرياً هو محمد بوضياف . واستطاع الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة أن يحقق المصالحة الوطنية، فعاد الأمن والاستقرار إلى ربوع الجزائر، لكن ظلت التنظيمات المتطرفة تنشط في أماكن نائية في الصحراء الجزائرية، وأعالي الجبال، وتحول الأمر إلى ما يشبه حرب العصابات التي تعتمد أسلوب الكر والفر، فتكمن لدورية عسكرية، أو نقطة أمنية فتقتل وتسلب، وفق مفهوم الكر والفر .

ولما كان التيار الإسلامي المتطرف في الجزائر قد تلقى في التسعينات ضربة قصمت ظهره وأفقدته حركته، فقد ظل التيار العلماني الذي تمثله جبهة التحرير الوطني هو سيد الموقف . ولو كان التيار الإسلامي مازال فاعلاً في الجزائر لكانت حدثت فيها فوضى لا محالة أسوة بتونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن . لكن الخطورة المحدقة بالجزائر لم تنتهِ، فليبيا الآن مدمرة، وفيها عشرات الآلاف من الإسلاميين المدججين بالسلاح المتطور، وفي تونس تتعاظم قوة السلفيين التكفيريين، أما في دولة مالي جنوب الجزائر، فالوضع مخيف وقاتم، حيث أصبح تنظيم القاعدة يسيطر هناك على مساحة تبلغ نصف مليون كيلومتر مربع، وهو يبني التحصينات في مجاهل الصحراء الكبرى .

وقد بدأت خطة التدخل الإفريقي لوضع حد لنشاط القاعدة في مالي لكنها لن تُؤتي أكلها في القريب العاجل كما هو متوقع، فمايزال تنظيم القاعدة فاعلاً في أفغانستان، وبعض البلاد التي توجد فيها خلايا نشطة، ومن المؤكد أن القاعدة لن تكتفي بما لديها من نفوذ في شمالي مالي، بل ستحاول التمدد إلى الجوار، خاصة في الدول التي تحوي ما يعرف بالخلايا النشطة أو النائمة في الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، لتبني بها مراكز متقدمة انتظاراً للحظة الحلم، وهو تأسيس إمارة إسلامية كبرى في قلب الصحراء، يسيطر عليها تنظيم القاعدة .

قطعاً، إن الدولة الجزائرية تتحسب عسكرياً لما هو قادم، والمعركة الفاصلة ضد تلك التنظيمات، مهما بلغت قوتها، قادمة، خاصة أنها ستجد ظهيراً قوياً ليس من الأصدقاء المحيطين فقط، كفرنسا وإيطاليا، بل من المجتمع الدولي الذي ذاق الويلات خاصة، في أوروبا، من هذه التنظيمات . لقد قال الشعب الجزائري كلمته، أنه ضد الفوضى التي يتم تسويقها تحت شعار الصحوة العربية أو الربيع العربي .