دبي
حقق حزب laquo;يئيش عتيدraquo; مفاجأة كبرى بالنتائج التي أحرزها في الانتخابات الإسرائيلية، حيث حل في المرتبة الثانية وفرض نفسه كشريك لا يمكن تجاوزه في أي ائتلاف حكومي قادم. ووفقاً لما أعلنته اللجنة الانتخابية المركزية مساء الخميس الماضي، فقد فاز laquo;يئيش عتيدraquo; بـ19 مقعداً، ليصبح ثاني أكبر حزب في الكنيست، متقدماً على laquo;حزب العملraquo; (15 مقعداً)، وحزب laquo;البيت اليهوديraquo; (12 مقعداً). وهي نتيجة تضع رئيس ومؤسس الحزب، يائير لابيد، في صدارة الساحة السياسية الإسرائيلية، وتظهر فاعلية أدائه الانتخابي وقدرته على اجتذاب اهتمام الناخبين. فالاهتمام الذي حظي به laquo;يئيش عتيدraquo; يعود قبل أي عامل آخر إلى شخصية زعيمه لابيد وما له من شهرة في المجتمع الإسرائيلي. فهو سياسي إسرائيلي صاعد، لمع نجمه ككاتب ومقدم برامج حوارية تلفزيونية منذ منتصف التسعينيات. وقد بدأ حياته المهنية في الإعلام كمراسل عسكري في مجلة الجيش laquo;با مهانهraquo; (في المخيم) الأسبوعية، وكتب في يومية laquo;معاريفraquo;. وفي عام 1988، عين رئيس تحرير لصحيفة محلية تابعة لمجموعة laquo;يديعوت أحرونوتraquo;. ثم بدأ منذ عام 1991 كتابة عمود أسبوعي لصحيفة laquo;معاريفraquo;، وفيما بعد لـlaquo;يديعوت أحرونوتraquo;.
لكن مهارات لابيد الصحفية والحوارية جذبته إلى شاشة التلفزيون، حيث اكتسب لنفسه مكانة كمذيع لامع ومقدم برامج حوارية وإخبارية. ففي عام 1994 بدأ يقدم برنامجاً حوارياً على القناة الأولى للتلفزيون الإسرائيلي. ثم قدّم بداية من عام 1999 برامج حوارية ساخنة على القناتين الثانية والثالثة، كما أنتج مسلسلا درامياً بعنوان laquo;غرفة الحربraquo;، بثته القناة الثانية عام 2004. وفي عام 2008 أصبح يقدم برنامج laquo;ستيديو الجمعةraquo; على القناة الثانية، كما عُرضت مسرحيته laquo;السن المناسب للحبraquo;، على مسرح كاميري.
وفي يناير عام 2012 أعلن لابيد ترك عمله الإعلامي لدخول السياسة، وفي أبريل سجّل رسمياً حزبه laquo;يئيش عتيدraquo;، بالتزامن مع توقعات بإجراء انتخابات إسرائيلية مبكرة أوائل خريف عام 2012، وهو ما لم يحدث إلا بعد رحيل laquo;كاديماraquo; من ائتلاف نتنياهو بسبب الخلاف حول كيفية تنفيذ قرار المحكمة العليا إنهاء الإعفاء من التجنيد العسكري للأصوليين، حيث دعا نتنياهو لإجراء الانتخابات في أواخر يناير عام 2013، فكانت أول امتحان لشعبية الحزب الجديد، والذي منحته استطلاعات الرأي في نوفمبر الماضي بين 13 و14 مقعداً، لكن النتائج النهائية لانتخابات الأسبوع الماضي أعطته 19 مقعداً ليصبح ثاني أكبر حزب في الكنيست.
وقد سار لابيد، المولود في تل أبيب عام 1963، على خطى والده laquo;يوسف لابيدraquo;، الصحفي السابق ووزير العدل الأسبق الذي أسس حزب laquo;شينويraquo; العلماني المناهض لليهود المتطرفين، والذي حصل في انتخابات عام 2003 على 15 مقعداً ليدخل في حكومة الائتلاف التي كان يقودها شارون، قبل أن يدخل طور التراجع لاحقاً ويموت laquo;يوسف لابيدraquo; عام 2008. وكما ورث لابيد الابن من لابيد الأب امتهانه الإعلام ثم السياسة، فقد اكتسب منه أيضاً مواقفه المناهضة للأحزاب الدينية. وهو يكرس حزبه للعمل من أجل وضع حد للامتيازات التي يستفيد منها اليهود الأرثوذكس والمتطرفون، مثل إعفائهم من الخدمة العسكرية خلافاً لباقي الإسرائيليين الآخرين. وخلال الحملة الانتخابية، ركز لابيد على الدفاع عن العلمانيين وحقوق الطبقة الوسطى التي أُنهكت بسبب ارتفاع أسعار المساكن، كما اتضح خلال احتجاجات عام 2011، والتي يجمع المحللون على أن تأثيرها لم يقتصر على الجيل الشاب في المدن الكبرى، وإنما شمل كافة المجموعات العمرية وقطاعات المجتمع. لذلك فقد اهتم لابيد، والذي يعتبر نفسه laquo;حامل لواء الطبقة الوسطىraquo;، بقضايا توفير السكن ومساعدة الأنشطة الصغيرة، أي ما يمس وتر الغضب الشعبي.
وعلى صعيد التصورات السياسية والاقتصادية، فإن لابيد يعد ليبرالياً، حيث كتب رسالة في إحدى الصحف الإسرائيلية مؤخراً قال فيها: laquo;تصورا حكومة إسرائيلية شفافة وأقل حجماً ومسؤولية، تصورا نظاماً انتخابياً يتيح للأحزاب الصغيرة دخول الكنيستraquo;. كما سبق أن كتب مقالا في صحيفة أخرى تحت عنوان laquo;أين المال؟raquo;، جعل منه شعاراً لحملته الانتخابية الأخيرة.
وفيما يخص المفاوضات مع الفلسطينيين، فإن لابيد يؤيدها من أجل التوصل إلى laquo;طلاق وديraquo; بين الطرفين وإقامة دولة فلسطينية، كما يدعو لوقف بناء المستوطنات، ويقول إن ما قامت به إسرائيل حتى الآن هو نقل الأزمة المتفجرة إلى أجيالها المقبلة، معتبِراً أن والده laquo;لم يأت من أجل العيش في جيتو يهودي، بل للعيش في وطن يهوديraquo;.
ورغم هذه المواقف التي جعلت وسائل الإعلام تصنف لابيد في معسكر وسط اليسار، فالصحيح أنه ينتمي إلى وسط اليمين، رغم دفاعه عن مبدأ العدالة الاجتماعية ومصالح الطبقة الوسطى، خلافاً لنتنياهو الذي يدعم الطبقات الغنية بشكل أساسي. وكان لابيد نفسه قد صرح في مطلع الشهر الحالي لصحيفة laquo;جيروزاليم بوستraquo; قائلا: laquo;نحن لسنا حزباً من وسط اليسار، نحن حزب وسط الوسط، نحن حزب الطبقة الوسطى الإسرائيليةraquo;. بيد أن يمينيته تتجلى في تمسكه ببقاء القدس تحت راية الدولة الإسرائيلية، ورفضه أي laquo;تنازلاتraquo; بشأن القدس الشرقية المحتلة، وتشديده على ضرورة احتفاظ إسرائيل بالمستوطنات الكبرى في الضفة الغربية. كما يساند نتنياهو في موقفه من البرنامج النووي الإيراني، معتبراً أن نووي طهران سيكون كارثة كبيرة لإسرائيل.
ومع ذلك فأولوية لابيد، ستكون لقضايا الداخل، أو ما يسميه laquo;فرض تقاسم متساو للعبءraquo;، في إشارة إلى مشروع قانون يريد إحالته للتصويت في الكنيست الجديد، ويتضمن فرض الخدمة العسكرية على الشبان اليهود المتشددين. وهو ما يضع عائقاً أمام جهود نتنياهو لتشكيل حكومة ائتلافية تضم الأحزاب الدينية المشتددة، خاصة حزبي laquo;شاسraquo; وlaquo;يهودية التوراة الموحدةraquo;. كما يتعين على نتنياهو الاختيار بين لابيد الذي يدعو إلى إحياء مفاوضات السلام المجمدة، وبين زعماء الأحزاب الدينية الذين يؤيدون تسريع وتيرة الاستيطان ويرفضون قيام دولة فلسطينية.
ويتضح عموماً أنه فيما يتعلق بعملية السلام لا توجد نقاط مشتركة كثيرة بينlaquo;يئيش عتيدraquo; وأحزاب laquo;إسرائيل بيتناraquo; وlaquo;البيت اليهوديraquo;، لذلك لم يتطرق لابيد للعملية في خطابه المقتضب عقب إعلان نتائج الانتخابات الخميس الماضي، لكنه أعرب عن laquo;السرور لسماع رئيس الوزراء وهو يتبنى كل ما نقوله منذ سنوات حول المساواة وضرورة حماية الطبقات الوسطى من خلال مساعدتها في مجال الإسكان والتعليمraquo;.
محمد ولد المنى
التعليقات