بسام البدارين

الحلم بوزير داخلية {دستوري} في الأردن يتصدى يؤمن بالمواطنة أشبه بحلم إبليس في الجنة فحتى الأقوياء من هؤلاء الوزراء الذين يقسمون على الولاء للملك وللدستور وللأمة تحد من تطلعاتهم {قوى خفية} لا أحد إلا الله- يعلم ماهيتها وأين تقيم وتجلس وفي أي مكان.
البعض ومن باب { كبر حجرك} يسميها الـ{دولة العميقة}..عميقة بماذا؟..انا شخصيا وكمواطن أردني كامل الدسم على حد تعبير أنيس القاسم لم تسحب جنسيته بعد لا ألمس عمقا من أي نوع في كل نواحي الإدارة في بلادي.
رغم ذلك يحق لي السؤال: أين العمق بصورة محددة في معاقبة أولاد وأحفاد أشخاص هربوا لسوريا بعدما إرتكبوا مخالفات او حتى جرائم عام 1970 ؟.
الآباء في حالة هؤلاء خذلوا الدولة الأردنية وشعبهم لسبب أو لآخر ولاذوا بالغربة فارين من حرب أهلية وكانت جنسياتهم أردنية وما دامت جنسية المرء أردنية فعند التزاوج الطبيعي كما يحصل مع بقية خلق ألله يكون الإبن أردنيا .
لا أتصور ان أردنيا يتزوج في إفريقيا مثلا من إمرأة أردنية فينجبان معا طفلا أستراليا أو إيطاليا ..ذلك يحصل فقط عند البيرقراطية العمياء في عمان التي تعتقد مثل الديك الفرنسي الشهير بأن الشمس لا تشرق صباح كل يوم إلا لكي تمارس وظيفتها الوطنية الأزلية في تقليص عدد الأردنيين من ذوي الأصول الفلسطينية.
قد تشرق الشمس يوما بدون قيام بيروقراطي ما في الأردن بوظيفته الأساسية المتمثلة في سحب جنسية مواطن وتحويله إلى مواطن سابقا ..هذا على الأقل ما أثبتته الدجاجات في القصة الفرنسية الشهيرة.
الآباء هربوا بعد الأحداث الأهلية عام 1970 وتزاوجوا كالبشر في سوريا فانجبوا أردنيين فل اوبشن وحضر هؤلاء المواطنون إلى بلدهم الأردن عشرات المرات في الماضي وأصدرت لهم حكومة المملكة الأردنية الهاشمية وثائقهم بصورة إعتيادية كما تفعل اي دولة متحضرة.
ما الذي غير المزاج فجأة ودفع الأجهزة والمؤسسات لسحب ما يمكن وما يتيسر من جنسيات اولاد واحفاد الأردنيين الذين خذلوا الجميع في الأحداث المؤسفة ؟...لمصلحة من إحياء ذكريات أليمة في أنفس شباب وشابات لم يختاروا آباءهم عبر سحب جنسياتهم التي سبق لهم أن حصلوا عليها بصورة نظامية وشرعية ؟.
..طيب قد يقول قائل بأن الآباء أخطأوا ولديهم سجلات أمنية أو حتى إجرامية.. المنطق يقول بان هؤلاء يدخلون إلى بلدهم بصورة طبيعية ويخضعون لمحكمة أردنية ويحاكمون كأردنيين فما هو السياق القانوني لمضايقة أولادهم وسحب جنسية أحفادهم. بالنسبة لي أشاهد صالات كبار الضيوف وإستقبالات رسمية ومآدب عشاء ليلية تخصص لقادة بعض الفصائل المسؤولة عن أحداث 1970 ..هؤلاء يتم تكريمهم في عمان بإعتبارهم من عائلة الـ{خيار} أما بعض الجنود الذين عملوا تحت إمرتهم فهم على الأرجح من عائلة الـ{فقوس}.
حقيقة أستطعم بالفقوس أكثر من الخيار ولا أعرف سببا لإحترام الخيار وتقديمه على الفقوس لكن لرزمة الأمثال الشعبية أحكاما بطبيعة الحال تنطبق على سياسة الأردن الرسمية فيما يتعلق بالمسلسل الطويل المعني بسحب الجنسيات.
أي عمق في قصة الشابة الأردنية رولا إسماعيل عطية التي حاولت الإنتحار من أعلى قمة مبنى الجوازات العامة بعدما دخلت البلاد لتجديد جواز سفرها تاركة خلفها إبنها الرضيع المريض وزوجها في سوريا لتقع في مصيدة الحرمان والعذاب لأكثر من 95 يوما بعد سحب وثائقها وجنسيتها وإبلاغها بان تعليمات فك الإرتباط تنطبق على والدها.
والد رولا قد يكون بين الذين تنطبق عليهم تلك التعليمات السرية التي تتضخم كالخيار المهرمن في ثلاجة مخفية ..إذا كان الأمر كذلك كيف حصلت هي وأشقاؤها ووالدتها على جنسياتهم الأردنية قبل سحبها ؟...على حد علمي لا توجد دولة في الكرة الأرضية بما في ذلك الصومال تسحب جنسية مواطن فيها لأي سبب من أي نوع.
دون كلل أو ملل تواصل {جهة غامضة} في البيروقراطية الأردنية وعندما يتعلق الأمر بالأرقام الوطنية حصريا ضرب عرض الحائط ليس فقط بالقانون والدستور وأخلاقيات {المواطنة} ولكن بإتجاهات ومفردات وتوجيهات القصر الملكي والأهم بقرارات مجلس الوزراء.
إليكم مثالا حيويا: مهندسان شابان من عائلة واحدة {احتفظ بقصتهما ووثائقهما} فوجئا أثناء مراجعة روتينية لإحدى الدوائر الرسمية بان سجلات الكومبيوتر تؤشر على وجود {بطاقة خضراء} بحوزتهما علما بانهما لا يحملان إطلاقا اي بطاقة من أي لون لها صلة بالجسور. لعلم القارىء الكريم بطاقة خضراء في الأردن تعني ببساطة شديدة سحب الجنسية وتحول صاحبها إلى {بدون} عاطل عن العمل لا يستطيع فتح بقالة أو شراء خط هاتفي او حتى تسجيل طفلة عند ولادته بإسمه في المستشفى.
المهندسان لا تنطبق عليهما أيا من التعليمات المعلنة والسرية لفك الإرتباط ورغم ذلك صرفت لهما بطاقة خضراء .. الأنكى أن ذلك حصل بدون علمهما أو إبلاغهما وبدون أي صلة بينهما وبين الضفة الغربية وبعد قرار شهير لمجلس الوزراء الذي ترأسه رئيس الديوان الملكي الحالي فايز الطراونة يقضي بأن صلاحيات إصدار البطاقات والأرقام الوطنية ومنحها محصورة بمجلس الوزراء وليس بموظفين.
إنها بيروقراطية متطورة جدا في الأردن فهي تصدر وثائق لمواطنين بدون علمهم.
لكن في الطريق ما هو انكى وأشد فتكا: ضللت الحكومة علنا الرأي العام واعلنت بان مجلس الوزراء قرر آلية سحب بطاقات الجسور والأرقام الوطنية قبل عدة أسابيع وأن زمن سحب الجنسية على كاونتر من موظف او ضابط صغير ولى بلا رجعة وان تغيير البطاقة والقيد المدني وسحب وإعادة الجنسية من صلاحية مجلس الوزراء حصريا عبر لجنة وزارية شكلت للغاية.
..صفقنا للقرار وهو دون مستوى الطموح عمليا لكن التصفيق كان مجانيا فخلال الأسبوع الماضي فقط زارني ثلاثة مواطنين سحب موظفون صغار وبدون الرجوع لمجلس الوزراء جنسياتهم.
لا معنى للأمر إلا أن مجموعة {اللهو الخفي} المسؤولة عن سحب الجنسيات تمد لسانها ساخرة لمجلس الوزراء ولرئيس الوزراء وللجنة الوزارية حتى تثبت للعالم بأن وجود حكومة دستورية في الأردن كذبة وليس فقط وجود وزير داخلية دستوري يعرف ما الذي يجري حوله.
رئيس الوزراء عبدلله النسور إعترض بطريقة إستعراضية الأسبوع الماضي تحت قبة البرلمان على مداخلة برلمانية ألمحت لمخالفة الدستور قائلا: مخالفة الدستور جريمة لا يمكن السكوت عليها.
اليوم يخالف موظفون بيروقراطيون قرارا موثقا لمجلس وزراء المملكة جهارا نهارا ويقترحون على الحكومة ضمنيا البحث عن {قطة وتبليق عينيها} بدلا من الإلتزام بأحكام الدستور وانا اتحدث عن حالات سحب للجنسية حصلت بدون الرجوع لمجلس الوزراء وخلافا لقراره وبعد تاريخ القرار وبين يدي الوثائق كاملة.
حتى جرائم الإعتداء على الدستور والقانون من قبل حراس القانون يتم التمييز بينها على قاعدة خيار وفقوس.
أخيرا وحتى لا أتهم بتمرير عبارات غير مفهومة للقارىء الكريم لابد من شرح قصة القطة وتبليق العينين فجارتنا أم ملوح رحمها الله كانت تسترق السمع لي وأنا أقرأ بعض نصوص الشعر الحر من وزن {يتكىء السجن على قملتين .. إلخ } مثلا.
..طبعا أم ملوح لم تكن تفهم شيئا ولا أنا في الواقع من تلك النصوص المجنونة فكانت دوما ردة فعلها على النحو التالي:' يا إبني روح..روح شوفلك بسه بلق عينيها' والقصد دعوتي للبحث عن قطة في الشارع والإنشغال بإستئصال عينيها بدلا من قراءة نصوص غير مفهومة وهي بطبيعة الحال مهمة مستحيلة أقصد تثقيب عيني القط- .
ختاما أتصور بأن من يسحبون الجنسيات في الدولة الأردنية يطالبون مجلس الوزراء ضمنيا بالبحث عن قطط الشوارع والإنغماس في نفس المهمة المستحيلة بدلا من الكلام عن صلاحيات دستورية وولاية عامة.