عصام نعمان

مفارقة لافتة عاشها اللبنانيون يوم الاثنين الماضي . ففيما كان أعضاء اللجان المشتركة في مجلس النواب يُقرّون اقتراحَ قانونٍ يقضي بأن يختار أبناء كل طائفة نوابهم، معتمدين بذلك منطق التمييز الفئوي والكانتونات الطائفية والعصبيات المذهبية، كان جمهور من المعلمين والموظفين عابر للطوائف والمناطق يحتشد على مسافة قصيرة من مجلس النواب، ليطالب بحقوق حياتية مشروعة تشكّل بذاتها قضية وطنية جامعة .

مؤيدو قانون ldquo;اللقاء الأرثوذكسيrdquo; الفئوي التمييزي كما معارضوه بين النواب أعضاءٌ في شبكة حاكمة مدمنة على انتهاج السياسة الطائفية والمحسوبية والزبائنية، ما أدى إلى تعزيز التفرقة وهتك النسيج المجتمعي وزعزعة العيش المشترك .

المتظاهرون المحرومون من حقوقهم السياسية والاجتماعية، هم طليعة جمهور عريض عابر للطوائف والمذاهب، يطالبُ بالدولة المدنية الديمقراطية على أساس حكم القانون والمواطنة والعدالة الاجتماعية والتنمية .

ما السبيل إلى شفاء لبنان من إدمان الشبكة الحاكمة على اعتماد السياسة الطائفية والتفرقة؟

الجواب: بتطبيق أحكام الدستور بدءاً بالمادة 22 منه التي تنص على إنشاء مجلس نيابي على أساس وطني لا طائفي، ومجلس للشيوخ لتمثيل الطوائف على أن يختصّ الأول بالتشريع العام في كل الحقول، ويختص الثاني بالقضايا والمواضيع المصيرية والأساسية .

الفرصة الآن متاحة للخروج من الأزمة المزمنة بعدما وصلت الشبكة الحاكمة، بشطريها الموالي والمعارض، إلى مأزق غير مسبوق في حدّته يهدد الكيان الوطني بالتفكك والانحلال . ذلك أن ldquo;قوى 8 آذارrdquo; كما ldquo;قوى 14 آذارrdquo; عاجزة عن فرض مشروعها الخاص بقانون الانتخابات . وقد عبّر رئيس مجلس النواب نبيه بري عن المأزق الماثل بقوله: ldquo;قانون الستين (الأكثري) أصبح وراءنا والقانون الأرثوذكسي (الفئوي) أمامنا، وأنا سأبقى في الوسط من أجل التوافقrdquo; .

التوافق لا يكون باعتماد المزيد من الشيء نفسه، أي صيغة طوائفية أخرى بمواصفات تجميلية لتسكين الأوجاع السياسية والاجتماعية إلى حين . المطلوب مقاربة راديكالية للأزمة المزمنة تعتمد مضمون التسوية التاريخية التي توصّل إليها اللبنانيون بعد سنيّ الحرب الأهلية والمتمثلة باتفاق الوفاق الوطني للعام 1989 (المعروف باتفاق الطائف) الذي جرى استيعاب إصلاحاته السياسية وإدخالها في الدستور العام 1990 . فهل يعقل أن يبقى الدستور غير مطبق في معظم أحكامه منذ اعتماده العام 1926 لاسيما بعد إقرار الإصلاحات التي أدخلت فيه العام 1990؟

إن أحكام المادتين 22 و24 من الدستور تلبّي، نصّاً وروحاً، جميع مطالب الفئات والقوى اللبنانية المتصارعة:

* مطلب إلغاء الطائفية السياسية الذي يرفع شعاره الوطنيون والعلمانيون مُستجاب جزئياً بإنشاء مجلس نيابي على أساس وطني لا طائفي بموجب المادة 22 .

* مبدأ المناصفة في التمثيل النيابي الذي يشدد عليه المسيحيون عموماً مصون بموجب المادة 24 .

* مطلب الديمقراطيين عموماً وأبناء الطوائف الصغرى والأقليات خصوصاً في تمكين جميع المواطنين إلى أية طائفة انتموا وفي أية منطقة يقيمون من المشاركة في الانتخابات ممكن تحقيقه، باعتماد قانون للانتخابات يعتمد لبنان كله دائرةً انتخابية واحدة .

* مطلب الديمقراطيين عموماً المطالبين بضمان صحة التمثيل الشعبي وعدالته ممكن استجابته باعتماد قانون للانتخابات على أساس التمثيل النسبي في المجلس النيابي المنتخب على أساس وطني لا طائفي، وفي لبنان كله كدائرة انتخابية واحدة، وعلى أساس قاعدة ldquo;لكل ناخب صوت واحدrdquo; في مجلس الشيوخ المنتخب على أساس التوزيع الطائفي للمقاعد، أياً كان حجم الدوائر الانتخابية المعتمدة .

* مطلب تعزيز العيش المشترك وبناء الوحدة الوطنية الذي يطالب به الوطنيون والديمقراطيون عموماً قابل للتحقيق بتنفيذ جميع الإصلاحات المنصوص عليها في الدستور لاسيما المادة 22 منه، الكفيلة ببناء الدولة المدنية الديمقراطية على أساس حكم القانون والمواطنة والعدالة الاجتماعية والتنمية .

بقدْرِ ما تبدو الإصلاحات والمطالب السالفة الذكر ملحّة ومنطقية، بقدْر ما يبدو تحقيقها صعباً . فالوضع السياسي والأمني المضطرب ناهيك عن الآليات والإجراءات التي يتطلّبها أي قانون جديد للانتخابات لا تستطيع السلطات المختصة تأمينها في المدة التي تفصل البلاد عن موعد الانتخابات في منتصف شهر يونيو/حزيران المقبل .

إزاء كل هذه المخاطر والتحديات، يقتضي أن تبادر القوى الوطنية الحيّة، بالتعاون مع العقلاء من أهل النظام، إلى بناء تجمع سياسي وشعبي واسع يدعو إلى ربط مسألة تأجيل الانتخابات والتمديد لمجلس النواب بالقضية الأكبر والأهم ألا وهي الخروج من الأزمة المزمنة لإعادة تأسيس لبنان دولةً ووطناً بتنفيذ برنامج راديكالي للتغيير الديمقراطي يقوم على الأسس الآتية:

أولاً، تشكيل حكومة وطنية ائتلافية جامعة بسلطات اشتراعية، مثالثةً بين ldquo;قوى 8 آذارrdquo;، وrdquo;قوى 14 آذارrdquo;، والقوى الوطنية المدنية (اللاطائفية) الملتزمة قولاً وفعلاً مشروع الدولة المدنية الديمقراطية .

ثانياً، تتعهد الحكومة الوطنية الجامعة في بيانها الوزاري الذي تنال على أساسه الثقة بتنفيذ الإصلاحات المنصوص عليها في اتفاق الطائف بقوانين دستورية ومراسيم اشتراعية على النحو الآتي:

(أ) استصدار التشريع الدستوري اللازم لوضع المادة 22 من الدستور موضع التنفيذ لجهة إنشاء مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي تكون له سلطة التشريع العام في كل الحقول، ومجلس للشيوخ لتمثيل طوائف لبنان الإسلامية والمسيحية تكون له سلطة التشريع في مسائل إعلان حالة الطوارىء وإلغائها، التعبئة العامة، الحرب والسلم، المعاهدات الدولية، الموازنة العامة للدولة، خطط التنمية الشاملة، قوانين الجنسية والأحوال الشخصية، قوانين الانتخابات، وتعديل الدستور .

(ب) وضع قانون انتخاب مجلس النواب وإصداره بمرسوم اشتراعي على أساس مبدأ التمثيل النسبي في الجمهورية كدائرة انتخابية واحدة، ووضع قانون انتخاب مجلس الشيوخ وإصداره بمرسوم اشتراعي على أساس مبدأ ldquo;لكل ناخب صوت واحدrdquo; في الجمهورية كدائرة انتخابية واحدة .

(ج) وضع قانون اللامركزية الإدارية وإصداره بمرسوم اشتراعي .

(د) وضع استراتيجية للدفاع الوطني يتحدد في إطارها دور المقاومة وإصدار قانونها بمرسوم اشتراعي .

ثالثاً، إجراء انتخابات مجلسيّ النواب والشيوخ في مدى سنة واحدة من تاريخ قيام مجلس النواب بتمديد ولايته، على أن تنتهي ولايته الممددة فور انتخاب مجلسيّ النواب والشيوخ الجديدين . كما يصار كذلك إلى انتخاب رئيس الجمهورية الجديد مع مراعاة أحكام الدستور وإجراءات إقرار الإصلاحات المشار اليها آنفا .

غني عن البيان أن القوى الوطنية الحيّة مدعوة خلال المرحلة الانتقالية إلى الضغط على أهل النظام وسلطاته بجميع الوسائل الشعبية السلمية المتاحة، بما في ذلك التظاهرات والمسيرات والاعتصامات والعصيان المدني، من أجل ضمان تنفيذ الأهداف والإصلاحات والمطالب السالفة الذكر .