يوسف المحيميد

يحار المرء فعلاً في أمر بضعة شرائح من المجتمع، والتي كأنها تعيش خارج التاريخ، بل حتى التاريخ يدرك قيمة الثقافة وينصفها، هؤلاء هم خارج الواقع تماماً، يحاربون كل ما له علاقة بالثقافة والفنون، يعادون الصحافة والكتابة والأدب والفكر والفنون التشكيلية والفوتوغرافية، وبالطبع الفنون الشعبية، وحتماً السينما والموسيقى والدراما التلفزيونية و... و... إلخ.

باختصار لا يريدون شيئاً له علاقة بالفنون والآداب والفكر، رغم أن هذه هي ما تشكل ملامح الشعوب وتصنع حضاراتها، وهم بالمناسبة سيقولون إن العلم هو ما يصنع الحضارة، في إشارة إلى التقليل من قيمة العلوم الإنسانية، لكنهم يستخدمون هذا الاحتجاج مؤقتاً، وإلا فهم أيضاً ضد العلم، لأن العلم الذي ابتكر البرقية قبل أكثر من نصف قرن، هو العلم ذاته الذي ابتكر اللواقط الفضائية، والتاريخ يدون ضد هؤلاء حربهم الشرسة تجاه البرقية قديماً، وتجاه الأطباق اللاقطة (الدش) حديثاً، رغم أنهم تراجعوا فيما بعد، وأصبحوا من مستخدمي تلك التقنيات وغيرها.

وحينما يقول رئيس الحرس الوطني المساعد، نائب رئيس اللجنة العليا للمهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية)، عبدالمحسن التويجري: حسبنا الله ونعم الوكيل، ضد هؤلاء الذين ينشرون الإشاعات، ويستغلون التقنية للمرة الألف، في تركيب الصور المزوّرة، في محاولة بائسة لتشويه المهرجان الوطني للتراث والثقافة، فإنه يشعر بالأسى لحال هؤلاء الذين لديهم الاستعداد في الكذب والتزوير لمحاربة من يعتقدون أنه ضدهم، بينما لو تمهلوا وقرأوا بوعي وعمق، وتنوعت قراءاتهم في مجالات مختلفة، لتغيروا وأسفوا عما كانوا عليه، وعما ارتكبوا من حماقات!.

المدهش أن هؤلاء لديهم قدرة عجيبة على التلوّن والتغير بشكل سريع، فحينما لا تنجح خططهم في موضوعات المرأة والاختلاط في الجنادرية، ينقلبون فجأة إلى موضوع الميزانية، ويقومون بتضخيمها، بل قد نجد منهم من يتباكى، بدهاء، أن هذه الميزانيات المصروفة سنوياً، لو أنفقت على الفقراء، أو على المرضى والمستشفيات، لكانت أجدى، وهم بذلك يستخدمون البديل الثاني من محاربة الثقافة أياً كان شكلها!.

نحن ندرك أن لدينا من الأخطاء الكثير، وقد كتبت في هذه الزاوية مراراً عن وزارة الصحة وخلل تأمين الأسرة والمواعيد والعلاج المجاني، وكتبت عن التعليم والثقافة، بل كتبت مطلع هذا الأسبوع عن الجنادرية ذاتها، وعن استضافة الصيني جاكي شان، لكنني أقف بإخلاص ضد كل من يريد تقليم أغصان الثقافة، بل واجتثاثها، وأختلف تماماً مع من يحارب الآداب والفنون، وأجزم بأن الثقافة والأدب والفن هي من يجعل الإنسان أكثر طراوة وتهذيباً وحباً للحياة وللآخرين، بل هي ما تخفف المواقف المتطرفة والمشددة، وتجعل الإنسان أكثر اعتدالاً.