يسرى عبد الله

سعت الثورة المصرية لأن تصبح وبا متيازrlm;-rlm; تعبيرا جليا عن أفق مغايرrlm;,rlm; حداثي الطابعrlm;,rlm; ينتصر لكل ما هو إنسانيrlm;,rlm; ووطنيrlm;,rlm; ونبيلrlm;,rlm; وحرrlm;,rlm; وتقدميrlm;,rlm; يحتفي بقيم العلمrlm;,rlm; والاستنارةrlm;,rlm; والحداثةrlm;,rlm; والإبداعrlm;

ولذا فقد لخصت القريحة الشعبية المتوهجة كل الأماني والأحلام المصرية الطامحة إلي غد أكثر عدلا, وإنسانية, في ذلك الهتاف التاريخي الشهير: عيش/ حرية/ عدالة اجتماعية.
غير أن واقع الحال بعد الثورة قد سار في اتجاهات غير التي أرادها المصريون, وبدلا من التكريس للتلاحم الوطني, أصبح الانقسام والتفتت طابعين مؤرقين لأي مثقف مخلص لناسه وشعبه, كما أصبحنا أمام محاولات ممجوجة للتكريس للوعي الماضوي, أملا في تسييد أفكار وتصورات رجعية تجافي الطابع الحضاري للأمة المصرية بتنوعها الخلاق, وروحها المتجددة, والأدهي والأمر أننا بتنا أمام محاولة مشبوهة للتقسيم الطائفي للمجتمع, بدأت بتغييب قيم المواطنة, وانتهت بالسماح المخزي بتوظيف الشعارات ذات الطابع الديني في الانتخابات, وكأننا أمام فرز طائفي جديد, يعادي المرتكزات التي ترتكن عليها الدولة المدنية الوطنية المصرية بتراثها الحضاري العريق, وتراكمها المعرفي المؤمن بقيم العدل, والتسامح, والمساواة.
لقد كان استحداث مجموعة من الأحزاب علي أساس ديني تكريسا عمديا للطائفية داخل النسيج المصري, وبما يعني أن ثمة خطرا قد تشكل في الأفق, ويهدد البنيان الاجتماعي ذاته, ويقوضه, فأصبحنا وباختصار- أمام مجموعة من الأوضاع المرتبكة والمأزومة علي كافة المسارات سياسيا, وثقافيا, والأدهي حالة التمزق التي أصابت البنية الاجتماعية جراء التقسيم الذي صنعته السلطة الحاكمة وامتداداتها داخل جماعات الإسلام السياسي, والتي صنعت من نفسها بديلا لفكرة الوطن, معتقدة أنها قادرة علي استيعابه, وتطويعه وفقا لتصوراتها الخاصة, ذات الأفق الأحادي, ضيق المعني والحيز, والدلالة, والتي تؤسس لدولة المرشد, التي نرفضها شكلا وموضوعا, وتقصي الدولة المدنية الوطنية الحديثة التي نتمناها.
لقد بدا منح مظلة تشريعية لاستخدام الشعارات الدينية تحولا تدريجيا إلي دولة المرشد والتي هي بمثابة المسمي الآخر لدولة ولاية الفقيه, وبما يعني أن حالة الانقضاض علي الدولة المصرية علي أشدها الآن, خاصة أن في الفرز الطائفي تقسيما بغيضا للأمة, وتفتيتا لتلاحمها, وضربا لفكرة المواطنة ذاتها, بوصفها الفكرة المركزية في بنية الدولة المدنية الحديثة. إن المدقق في المشهد السياسي المصري الراهن, يدرك وبلا مواربة- أن مسلك الجماعة الحاكمة الآن تحاول إحلال فكرة الجماعة ذات الأفق الأحادي الضيق, محل فكرة الوطن ذات الأفق المتسع, والفسيح.
لقد سارت حالة التكريس للطائفية في مسارات مختلفة, فتارة تتخذ صيغة تشريعية تمثلت في إلغاء حظر استخدام الشعارات الدينية في الانتخابات, وتارة أخري تنطلق من التصور الفكري القار في أدبيات جماعات الإسلام السياسي, ولدي أفرادها, حيث يعتقدون أنهم ملاك الحقيقة المطلقة, وأنهم وحدهم الحق, وأن ما عداهم هو الباطل, في تزييف عمدي للفكرة الإنسانية ذات الطبيعة النسبية, فضلا عن أن الرجال يعرفون بالحق, ولكن الحق لا يعرف بأحد, بل يدور المخلصون في ركابه حيثما دار, ولا يزعمون أنهم ملاكه الوحيدون! وتارة ثالثة عبر الممارسة الفعلية لتيار الإسلام السياسي, خاصة حين تخرج علي لسان بعض شيوخه تصريحات تهاجم الأقباط, والليبراليين, واليساريين, وكل المختلفين معهم, انطلاقا من مقولة سابقة التجهيز, مفادها: من ليس معي فهو ضدي, واضعين الناس في خنادق معدة سلفا, لا يغادرونها إلا بأوامر من الجماعة, ووفق صكوك جديدة, يراد لنا أن نتجرع مرارتها, وتسلطها, واستبدادها المخزي!
ليس من حق أحد أيا من كان ان يجعل من نفسه وصيا علي البشر, قامعا لتصوراتهم الفكرية, ومقصيا حقهم في التنوع, والاختلاف, والمساءلة, بوصفها قيما مضافة, وثابتة, وأصيلة, تنهض بها الأمم والمجتمعات, وترتقي عبر تفعيلها, فتصنع غدها الذي تحلم به, مسكونا بالكرامة والحرية, وساعيا إلي العدالة الاجتماعية, ومنحازا إلي البسطاء والمهمشين.
نحيا الآن ظرفا دقيقا ومعقدا سياسيا وثقافيا, تسعي فيه جماعات الإسلام السياسي إلي الهيمنة علي مقدرات الدولة المصرية, موظفة المناخات الفاسدة التي خلفها نظام مبارك, ومشكلة لصيغة من التحالف المشبوه ما بين الرجعية والفساد, ومتجاهلة إرثا حضاريا تراكميا صنعته الأمة المصرية بهويتها الوطنية الجامعة, ومحاولة قمع معارضيها من دعاة الدولة الوطنية المدنية الحديثة, ومفجرة لصدامات مختلفة ناتجة عن الإقصاء العمدي للقوي النابضة والحية في المجتمع المصري, ومكرسة لسياق من الحكم القبلي العشائري, يعتز بـ الأهل والعشيرة أكثر من احتفائه بقيمة المواطنة, ومن ثم فلابد من استعادة مفاهيم الدولة المدنية بتجلياتها الوطنية, والدستورية, وبأفقها اللانهائي من العدل, والكرامة, والحرية, وسعيها المتجدد, والمستمر إلي التكريس لإنسانية الإنسان.
وبعد.. لن يقوي أحد علي مغالبة البهية الجميلة مصر, ولا ابتلاعها, ولن يمكن لأحد أن يقمع أصوات الحرية داخلها, أو أن يكمم أفواه ناسها, لأن جدران الصمت قد شقت, وحواجز الخوف انهارت, ولم يعد من سبيل سوي أن يستكمل المصريون أهداف ثورتهم.