الكويت - الحسيني البجلاتي


منذ أن قضت دائرة الجنايات الثانية عشرة في المحكمة الكلية برئاسة المستشار وائل العتيقي، بالسجن خمس سنوات مع الشغل والنفاذ للنائب السابق مسلم البرّاك الذي أطلق سراحه أمس بكفالة، مؤكدة أنه أساء إلى الأمير وتجاوز صلاحياته بصريح القانون خلال ندوة ldquo;كفى عبثاًrdquo;، مشددة على أن العبارات التي جرت على لسانه لا تندرج في إطار ldquo;الرأيrdquo;، انقسمت الساحة السياسية إلى فريقين، الأول يضم نواب مجلس الأمة وفعاليات سياسية وتجمعات مهنية، يساند الشرعية ودولة القانون، ويدعو إلى احترام أحكام القضاء، محذراً من محاولات المعارضة جر البلاد إلى اتون فتنة سياسية، والفريق الثاني تقوده المعارضة لإشاعة الفوضى واتهام القضاء بالتسييس ودفع الشارع إلى مواجهات مع الأمن، مستخدماً نزعات قبلية تضرب صميم الدولة الوطنية في مقتل، ومستقوياً بمنظمات حقوقية خارجية، محاولاً التغطية على فشل مشروعه السياسي ونبذ الشارع، وضارباً عرض الحائط بالدستور والقانون الذي ادّعى أنه الحارس الأمين عليه .

حاولت المعارضة توظيف حكم قضائي لإعادة الفوضى إلى الشارع، لكن الشرعية ودولة القانون انتصرت على كل محاولات الصدام والتأجيج، وبدت المعارضة برمزها الأشهر مسلم البرّاك مكشوفة أمام الشارع (مجرد هارب من العدالة)، يطالب بتطبيق القانون (ويهرب من تنفيذ أحكامه)، يدعي الدفاع عن الأمة (ثم يستقوي بقبيلته)، يطالب باحترام المؤسسات (ويتحايل ويتخفى ويهرب من ضباط إدارة تنفيذ الأحكام) .

فزعت الكويت بنوابها ورموزها للرد على التهديدات التي جاءت على لسان المعارضة خلال التجمع الذي أقيم أمام منزل البرّاك بإسقاط الدولة وهدمها في حال نفذ الحكم، وللدفاع عن القضاء الذي تعرض للإساءة والتشكيك والطعن به خلال التجمع نفسه، لاسيما وقد تعمد عدد منهم إعادة قراءة الخطاب الذي ألقاه البرّاك في تظاهرة ldquo;كفى عبثاًrdquo; الذي حوكم بسببه في تحد سافر لسلطة القانون .

وفي رد الفعل الحكومي أكد وزير الداخلية الشيخ أحمد الحمود أنه لم يتوان عن أداء واجبه والقيام بمسؤولياته وتطبيق القانون من دون أي انتقائية، وأن قوات الأمن ذهبت إلى البرّاك منذ اليوم الأول لصدور الحكم ومعها أصل الحكم لا صورة منه، وطلبت إليه تسليم نفسه وانتظرت منه أن يسلم نفسه لكنه لم يفعل . ويتابع: ldquo;للأسف البرّاك يتحدى القانون وهو جالس في ديوانه يجري اللقاءات، وكان من باب أولى تسليم نفسه وتنفيذ الحكم باعتبار ذلك واجباً عليه كونه صادراً عن القضاء وليس عن وزير الداخليةrdquo; .

وحذّر وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون البلدية الشيخ محمد العبدالله من دعوات الفوضى والتأجيج، وقال: إن ldquo;واجبنا أن نحترم الحكم الصادر وكل ما يصدر عن القضاء، وعلينا أن نختار بين أن نكون مع القانون أو أن نعود لما قبل وجودهrdquo;، مؤكداً أن القانون أمان الجميع وسلامة المجتمع ويجب أن نحترمهrdquo; .

وفي ردود الفعل النيابية بدت الفجوة واسعة بين أعضاء المجلس الحالي الذين شددوا على ضرورة احترام الأحكام القضائية وعدم التعليق عليها من جهة، وأعضاء المجلس المبطل الذين شنوا هجوماً لاذعاً ومرفوضاً على الحكم والمحكمة على السواء من جهة ثانية .

وفي هذا السياق أكد رئيس مجلس الأمة علي الراشد أن الحكم بحق البرّاك تطبيقاً للقانون . وأضاف: ldquo;إذا كنا نؤمن بالقانون فلنحترم الحكم والقضاءrdquo;، لافتاً إلى أن الدعوات إلى الفوضى والتصريحات التي تصدر من البعض ليست إلا انزلاقاً خطراً نحو الخروج على الدولة ومؤسساتهاrdquo; .

من جهته، رفض النائب عبدالله التميمي التشفي في من تصدر بحقه أحكاماً قضائية، وشدد على أن أحكام القضاء يجب احترامها وأن يكون القانون المسطرة التي نحتكم إليها، مستغرباً ما تداوله البعض عبر ldquo;تويترrdquo; وكأن كارثة أو زلزالاً حدث في البلد .

وقال النائب يعقوب الصانع: ldquo;إننا نرى بأم أعيننا تجاوز البعض على مقومات الأمن القومي، ويجب ألا نقف مكتوفي الأيدي حيال كل من يحاول إسقاط الدولة وأركانها بطريقة ممنهجةrdquo; . ودعا إلى تفعيل الدور التشريعي لوقف المهاترات في الشارع، لافتاً إلى أن ldquo;هناك آلية ممنهجة تنفذ حاليا لضرب أركان الدولةrdquo; .

أما النائب نبيل الفضل، فقد أكد أن هناك من يتحدون الدولة والقانون ويدعون إلى هدم الدولة المدنيةrdquo;، وأوضح أن هناك تصريحات دلت بشكل فاضح على أيدي الإخوان المسلمين في إدارة الأحداث وتوجيه شباب القبائل لتحقيق أغراضهم . وقال: ldquo;لم يعد هناك شك في سعيهم إلى تقويض الاستقرار وتحدي القانون، والقضية أننا أمام أناس يتحدون القضاء والقانون ويستفزون مشاعر الناس ويدعون إلى الفوضىrdquo; .

بدورها، أكدت النائبة د .معصومة المبارك أن الطعن في الأحكام أمر لا يمكن السكوت عليه . وأضافت: ldquo;من يهدد بإسقاط الكويت نقول له إن الكويت أكبر من أي إنسان يعيش فيها، والقضاء الكويتي يظل دائماً شامخاً وملاذاً آمناً للمظلومين، أما التهديد بإثارة الشارع وإسقاط الكويت كردة فعل على حكم قضائي فينم عن عدم إيمان بالقضاء وبالكويت كوطن آمن مستقرrdquo; . وأكد النائب سعود الحريجي ضرورة عدم إقحام الأحكام القضائية، ومحاسبة كل من يتعدى على الذات الأميرية أو يتطاول على القضاء، وشدد على أن الوضع يحتاج إلى انضباط للمحافظة على هيبة الدولة . وانتقد النائب خليل أبل الدعوة إلى التظاهر ضد الحكم، ووصفها بأنها ldquo;دعوة مشبوهة ومرفوضة وتقود إلى الفوضى والاعتداء على الدستور ودولة المؤسساتrdquo; .

وأكد النائب ناصر المري أن هناك أعمالاً لا تصح من مواطن لوطنه، ومن يتعدى على القضاء نقول له إن القضاء هو الملاذ الأخير وكل الدول تقدمت بسبب جودة القضاء، بينما الكثير من الدول المتخلفة هي التي تكثر فيها التظاهرات، ونقول لمن صدرت بحقهم الأحكام إن هذه الأحكام يجب أن نقبل بها، سواء كانت لمصلحتنا أو في غير مصلحتنا، ومن لديه حجه فليطرحها أمام القضاء .

وقال النائب سعد البوص: إن تنفيذ أمر القبض على مواطن محكوم بالسجن لا يستدعي كل هذه الضجة، مشيراً إلى أن المحكومين بالسجن عادة ما يتم منعهم من السفر، وبالتالي فإن عملية القبض عليهم وإيداعهم السجن هي عملية حتمية ومسألة وقت إذا أحسنت الجهات المعنية التصرف وقامت بدورها المطلوب .

وقال النائب حسين القلاف: ما قامت به الأغلبية المبطلة هو سلوك سياسي خاطئ، وليس ربيعاً عربياً، لكن للأسف هناك من يستغل هذا الحراك لمصالحه وأيدلوجياته مثل الذي قال إن سجن البرّاك سقوط للكويت، وأرى أن هذا الشخص مدفوع ومبرمج من الخارج لإدخال الكويت في الربيع العربي وهذه خيانة للوطن .

وقال النائب الدكتور عبدالحميد دشتي: غير مقبول أبداً المساس بالقضاء وأطمئن الشعب بأن القانون سيسود والتأخير في التنفيذ سيسيء للمحكوم وخصوصاً من يقول لمثل هذا اليوم ولدته أمه وبالأخير سيمثل أمام العدالة ويطبق القانون عليه .

أما النائب أحمد المليفي، فقال: ldquo;مهما أثاره البرّاك ومحاموه من أسباب لعدم تنفيذ الحكم يبقى أن مسلم مجرم فار من يد العدالة ويتمترس بالنساء والأطفالrdquo; .

وأكد المليفي أن ldquo;الإخونجية ليسوا بعيدين عن المشهد السياسي وليسوا بعيدين عن تهييج الوضع تمهيداً لتحقيق هدفهم والشواهد تدل على ذلكrdquo; . وأضاف: ldquo;بعد فشلهم وانكشاف أمرهم في المرحلة السابقة عندما اعتقدوا أن الفرصة مواتية لهم والثمرة جاهزة، الآن جاءوا ليمارسوا دوراً آخر من خلال مسلم البرّاك ويعتقدون أنها فرصة ثانية وأخيرة للوصول إلى أهدافهم عبر الفوضى المنظمةrdquo; .

طوفان الرفض والاستنكار لم يتوقف عند حدود مجلس الأمة، بل امتد ليشمل القوى السياسية والمجتمعية من خارجه، إذ أكد المنبر الديمقراطي في بيان له ضرورة احترام احكام القضاء والالتزام بها . وحذّر الأمين العام للتحالف الوطني عادل الفوزان، من التعرض للسلطة القضائية بالتجريح وتجاوز انتقاد الأحكام إلى التعرض لهيبة القضاء، مؤكداً أن القضاء هو الملاذ الأخير وصمام الأمان للمجتمع .

وأكدت ldquo;مجموعة 62rdquo; أنه لا يجوز لكائن مَن كان الاعتراض على أحكام القضاء، إلا عبر الوسائل القانونية المحددة والمعروفة، رافضة محاولات البعض جر البلد نحو كسر أحكام القضاء والتعدي على هيبة القانون والدولة .