عمار علي حسن


بعد حدث 11 سبتمبر الفارق تنازعت ثلاث رؤى، تقويم الغرب لصعود ما يسمى بحركة quot;الإحياء الإسلاميquot; في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في شقها ذي الطابع الدولي، الذي تعدى حدود البلاد التي نبت في تربتها، وساح في مناطق عدة، تتوزع على قارات خمس تقريباً، وتمعن في تحدي القوة العسكرية والاقتصادية الأكبر في عالمنا المعاصر، وهي الولايات المتحدة على مستويات تمتد من القيم إلى السياسات، ومن السلوك اليومي إلى الاستراتيجيات البعيدة.

والرؤية الأولى نظرت إلى هذه الحركة على أنها رد فعل لسياسة واشنطن الداعمة بشدة لإسرائيل، والمصرة بقوة في الوقت ذاته على قضم حقوق العرب إن لم يكن إهانتهم. ويقف نعوم تشومسكي على رأس متبني هذه الرؤية. والثانية تحدثت عن هذه الإحيائية بوصفها تمثل جوهر quot;صدام حضاريquot; بين المسلمين والغرب، وقاد صمويل هنتنغتون من يتمسكون بهذا الاتجاه، الذي زادت أسهمه بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن، خاصة أن هذا التصور رشح بقوة عن خطاب الخصمين اللدودين، وهما الولايات المتحدة وتنظيم quot;القاعدةquot;، حتى أنهما تطابقا عقب 11 سبتمبر مباشرة، حين تحدث بوش عن quot;حرب صليبيةquot; وأعاد ابن لادن كلامه المعتاد عن quot;محاربة الصليبيينquot;.

أما الرؤية الثالثة، فتتعامل مع ما سمي quot;الإحياء الإسلاميquot; على أنه رد ثقافي- نفسي يتماس مع دوائر سياسية واجتماعية واقتصادية أوسع على quot;الحداثةquot;، التي حمل الغرب لواءها، وهز بها رواسب ماضوية في الشرق الأوسط وغيره. ويدافع باول بيرمان عن هذا الفهم لحالة الاحتقان بين الجناح العنيف من الإحيائية الإسلامية والغرب، خاصة الولايات المتحدة.

وهذه الرؤى بنيت في جوهرها على تحليل خطاب زعماء تنظيم quot;القاعدةquot;، قبل 11 سبتمبر وبعده، وإن كانت تتلاقى في بعض الجوانب مع طروحات غربية قديمة بذلت ما أمكنها من جهد في تفسير أسباب صعود الحركات الإسلامية، لكنها فشلت في أن تقدم أجوبة جامعة مانعة في هذا المضمار. وفي حقيقة الأمر، فإن quot;صدمة الحداثةquot; وquot;صدام الحضاراتquot; وquot;الثأر من الولايات المتحدةquot; ليست كافية كمداخل للوقوف على حقيقة ما دفع ابن لادن والظواهري وأتباعهما إلى السير على درب مواجهة الولايات المتحدة. فبالنسبة للأول على الأقل فإن هذه الثلاثية كانت موجودة حين كان ابن لادن حليفاً ظاهراً لواشنطن إبان حركة quot;الجهادquot; ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان. أما الثاني فظل عدة عقود مشغولًا بمحاربة quot;العدو القريبquot;، الذي يعني تحديداً النظام الحاكم في مصر، ولم يكن موقفه من الولايات المتحدة يتعدى حدود الاحتقان النفسي الناجم عن تأييدها لإسرائيل، ووقوفها، في الوقت ذاته، خلف النظام المصري.

نعم غذت سياسات الولايات المتحدة المتحيزة لإسرائيل حالة الغضب داخل كثير من الجماعات الإسلامية، الراديكالي منها والمحافظ، وساهمت في توجه بعض فصائل الحركات الأصولية إلى العنف، وتحولها من quot;الداخلquot; إلى quot;الخارجquot;، سواء على مستوى التواجد أو تحديد الأهداف، وبمعنى أكثر دقة quot;تعيين العدوquot;. وهذه الطبيعة البنائية وجدت في الظروف العالمية الراهنة ما وجه تنظيم quot;القاعدةquot; إلى منازلة quot;العدو البعيدquot; وهو الولايات المتحدة.

إلا أن المسلمين جميعاً لا يسيرون في الطريق ذاته الذي سار فيه تنظيم quot;القاعدةquot; والتنظيمات والجماعات المتطرفة التي ترفع من الإسلام شعاراً سياسياً لها. ومن ثم فإن طروحات من قبيل quot;صدام الحضاراتquot;، التي تعني في غايتها وضع العالم الإسلامي برمته، دون أي سند من حق أو مسوغ من عدل، في موقع quot;العدوquot;، لا تقدم حلًا ناجعاً لمشكلة الإرهاب، ولا تحقق الأمن للولايات المتحدة، أو تسمح لها بأن تقنع العالم بأنها quot;قائد العولمةquot;، في مختلف أوجهها. كما أن الوجهة الجديدة للأميركان، وهي دعم جماعة quot;الإخوانquot; لتطويق الحركات المتطرفة والإرهابية لن تجدي نفعاً، فبعض هذه الحركات يتقاطع مع quot;الإخوانquot;، لاسيما بعد أن سيطر القطبيون على الجماعة، في أفكار وتصرفات كثيرة، وبعضهم أو جلهم خرجوا أساساً من عباءة هذه الجماعة الأم.

ويكمن الحل الناجع في حزمة من الإجراءات المتكاملة، أولها كف الولايات المتحدة عن مساندة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، والعمل بجدية في سبيل حل القضية الفلسطينية. وثانيها امتناع واشنطن عن مساندة نظم حكم استبدادية في العالم العربي، بما يسمح بتغيير سياسي وتحديث اجتماعي ذاتي، ينهي حالة الاحتقان من هذه الأنظمة، والتي انعكست في جانب من كراهية الولايات المتحدة، وهو التصور الذي لا يزال سائداً، في ظل دعم واشنطن لحكم quot;الإخوانquot;.

أما ثالث هذه الإجراءات، فيتمثل في quot;تعميق فهم الدين الإسلاميquot; وليس إقصاؤه أو تنحيته أو محاربته، فهذا أمر غير ممكن ويجابه بمقاومة شرسة. وهذا التعميق يجب أن يناط بالفقهاء المعتدلين من المسلمين، الذين يلاقون قبولًا لدى الناس، ويعون مستجدات العصر، ولا يفرض من الخارج، في شكل مطالب تنطوي على إجبار مبطن بتعديل مناهج التعليم الديني. فاليد الخارجية ستجعل أي محاولة تجديد ينظر إليها جماهيرياً بشكل سلبي، وهو ما يصب في مصلحة الجماعات الدينية المتشددة