عبدالعزيز بن عثمان بن صقر


العلاقات السعودية ــ التركية قديمة ومهمة على أكثر من صعيد سواء السياسي، أو الاقتصادي، أو الاستراتيجي، ولقد جسدت الزيارات المتبادلة لكبار المسؤولين في البلدين أهمية هذه العلاقة حيث تعد تركيا من أوائل الدول الإسلامية التي اعترفت بقيام المملكة، وتم تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين مبكرا، ثم جاءت اتفاقية الصداقة التي تم توقيعها في الثالث عشر من أغسطس عام 1929م، لتنظم العلاقة بين الرياض وأنقرة، ثم توالت الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين حيث زار المغفور له بإذن الله تعالى الملك فيصل بن عبد العزيز تركيا عام 1964م، وتوجت هذه الزيارات بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ــ يحفظه الله ــ إلى تركيا مرتين في عامي 2007 ــ 2008م، وقابل ذلك زيارات لمسؤولين أتراك على مستوى عال إلى المملكة، وواكب ذلك توقيع مذكرة التفاهم الخليجية ــ التركية في جدة عام 2008م، كما تأتي الزيارة المرتقبة والمهمة لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع إلى تركيا وسط ظروف إقليمية ودولية دقيقة ومعقدة ومتشابكة، وفي ظل تنام العلاقات الثنائية بين البلدين والسياسة التي اتبعها حزب العدالة والتنمية في تركيا، فعلى الصعيد الاقتصادي قفز حجم التبادل التجاري بين دول الخليج وتركيا ليصل إلى 22 مليار ولار عام 2012م، وارتفع حجم التبادل التجاري بين تركيا والدول العربية في عام 2012م، ليصل إلى نحو 50 مليار دولار، وتضاعفت قيمة الصادرات التركية إلى الدول العربية 11 مرة خلال السنوات الخمس الأخيرة، وتضاعفت وارداتها من هذه الدول خلال الفترة نفسها 12 مرة .

واستطاعت تركيا خلال السنوات العشر الأخيرة من مضاعفة ناتجها القومي ثلاثة أضعاف وأوجدت حوالي 4 ملايين فرصة عمل منذ عام 2008م، وهي تحتل المرتبة السادسة عالميا في مجال السياحة، بل إن الاقتصاد التركي احتل المرتبة الـ 16 عالميا بين اقتصاديات العالم، وهي عضو في مجموعة العشرين التي تضم المملكة العربية السعودية والدول الأكبر اقتصاديا في العالم.على الصعيد السياسي، شهدت المرحلة التي أعقبت تولي حزب العدالة والتنمية زمام السلطة في تركيا توجه أنقرة شرقا، ووجد هذا التوجه قبولا من المملكة نظرا لاعتبارات عديدة منها ما هو تاريخي، ومنها ما هو مستقبلي، فتركيا دولة إسلامية سنية معتدلة، لذلك ترغب المملكة ودول المنطقة في التعامل معها وفقا لمبدأ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وعدم الهيمنة والتوسع أو تصدير الطائفية الدينية كما تفعل الجارة الأخرى إيران خاصة أن سياسة القيادة التركية المعلنة تؤكد على ذلك، كما ترغب المملكة أن تجد في تركيا الشريك الاستراتيجي الذي يساعد في حل مشكلات المنطقة خاصة في العراق، سورية ولبنان باعتبار أن هذه الدول العربية جارة لتركيا وتمر بظروف صعبة ومفصلية إضافة إلى وجود الأكراد في سورية والعراق وتركيا، ولقد قدرت المملكة وثمنت عاليا الدور الإيجابي لتركيا في احتضان اللاجئين السورين ودعم المعارضة السورية في وجه الهجمة الشرسة التي يشنها النظام السوري لإبادة شعبه وهذا ما يجب البناء عليه والتعاون من أجله، حيث فتحت تركيا أراضيها أمام اللاجئين السوريين وسخرت إمكانياتها لاستضافتهم واستقبلت وفود المعارضة السورية.من الضروري أيضا التنسيق السعودي ــ التركي من أجل استقرار منطقة الخليج أو ما يعرف بأمن الخليج في المرحلة المقبلة لإيجاد غطاء إقليمي لاستقرار هذه المنطقة المهمة من العالم وإبعادها عن الاستقطاب ومحاولات فرض النفوذ الإقليمي خاصة في ظل محاولات إيران التي تهدف إلى التدخل في الشؤون الداخلية لبعض دول المنطقة تحت مزاعم مختلقة من خلال استخدام الورقة الطائفية لزعزعة أمن الدول الخليجية والعربية وهدفها الأول والأخير هو تمدد النفوذ الإيراني خارج حدود الدولة الإيرانية، وكذلك استخدام طهران البرنامج النووي وعسكرته كورقة للتهديد الإقليمي أو للتلويح بإغلاق مضيق هرمز في وجه الملاحة العالمية.وتستطيع تركيا أيضا القيام بوساطة ناجحة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لتسوية القضية الفلسطينية نظرا لعلاقاتها المتميزة بالجانبين، إضافة إلى علاقاتها المتميزة مع أمريكا والدول الأوروبية باعتبارها عضوا في (الناتو)، كما أن الدور التركي في المنطقة العربية بدأ يتسع بعد التحولات التي أفرزتها ثورات الربيع العربي وصعود تيار الإسلامي السياسي إلى سدة السلطة في العديد من هذه الدول خاصة جماعة الإخوان المسلمين الذين تربطهم علاقات متميزة مع حزب العدالة والتنمية التركي ولذلك تركيا مطالبة بدور متوازن يخدم استقرار المنطقة ويعيد الهدوء إليها ولا يزيد من اشتعال الأحداث.إن تحسن وتطور العلاقات السياسية بين المملكة وتركيا سوف يتيح العديد من فرص التعاون الاقتصادي، ويفتح آفاقا جديدة للاستثمارات المشتركة في شتى المجالات ومنها الاستثمار في المجال الاقتصادي والأمن الغذائي، وكذلك التوسع في الاستثمارات الصناعية خاصة في مجال تكرير النفط والصناعات البتروكيماوية، والفرصة مواتية للمزيد من التعاون الاقتصادي بين المملكة وتركيا خاصة أن تركيا تستورد أكثر من 90% من احتياجاتها النفطية في حين تستطيع المملكة توفير وتأمين الاحتياجات النفطية التركية بسهولة، في المقابل فإن لدى تركيا ما يقارب 26.5 مليون هكتار أراضي زراعية، وتمتلك مصادر كثيرة ومتنوعة من المياه العذبة تبلغ كميتها 234 مليار متر مكعب.

نخلص من ذلك إلى أن العلاقة السعودية ــ التركية تعتبر علاقة استراتيجية هدفها خدمة العالمين العربي والإسلامي، وتعزز الأمن والاستقرار في المنطقة وتدعم الدور القيادي للدولتين في المنطقة، خاصة أن المملكة تقدر التطور التركي في شتى المجالات، وتثمن جهودها في المنطقة، لذلك سعت المملكة إلى توقيع اتفاقيات تعاون وتدريب مشترك في المجال العسكري، ولذلك فإن الفرص مواتية لمزيد من التعاون السعودي ــ التركي في المرحلة المقبلة على أكثر من صعيد سواء على المستوى الاقتصادي وتفعيل مذكرة التعاون الخليجية ــ التركية، أو على مستوى أمن منطقة الخليج، أو على مستوى المنطقة العربية خاصة الوضع في سورية والعراق، إضافة إلى دول الربيع العربي، لكن من الضروري أن تتفهم أنقرة مصالح المملكة والدول العربية، وألا يكون الدور التركي مؤدلجا لدعم جماعات معينة من تيارات الإسلام السياسي في الدول العربية، وألا تعمل على نشر فكر الإسلام السياسي على غرار ما تفعله إيران من زاوية أخرى، وألا يكو للنعرة القومية التركية تأثير على هذه العلاقات.. إذن المطلوب تكامل لا تنافس بين المملكة وتركيا من أجل مصلحة البلدين والمنطقة.