جواد البشيتي

هل تَقْبَل إيران ما تَقْبَله، أو ما يمكن أنْ تَقْبَله، روسيا من حلول (أوَّلية، وانتقالية، ونهائية) لـ quot;الأزمة السوريةquot;، أيْ لأزمة صراع المصالح الدولية والإقليمية في سورية، والمتفرِّعة من quot;أصلهاquot;، والذي هو أزمة quot;صراع الوجودquot; بين حكم بشار الأسد والشعب السوري؟
إنَّ إيران تخشى أنْ يبدأ السَّيْر في مسار quot;جنيف ـ 2quot; بما يُوافِق الفهم المُعْلَن لوزير خارجية الولايات المتحدة كيري لجوهر وأساس تفاهمه مع نظيره الروسي لافروف؛ وأقول quot;المُعْلَنquot;، والذي أكثر كيري من إعلانه مع اشتداد المَيْل لدى quot;المعارَضة السوريةquot; إلى اجتناب الوقوع في فَخِّ quot;جنيف ـ 2quot;؛ لأنْ ليس لدى الثورة السورية من المواقف الفعلية للولايات المتحدة من quot;الأزمة السوريةquot; ما يَدْعوها إلى الثقة بجدِّيَّة وصدقية أقوال وتصريحات كيري، مهما بدت متشدِّدة في لهجتها.
وهذه quot;البدايةquot; التي تخشاها إيران، والتي شرعت تعد العدَّة لإحباطها، إذْ زَجَّت بمقاتلي quot;حزب اللهquot; في الصراع الدموي الوحشي في سورية، هي أنْ يستخذي بشار، ويُذْعِن، لضغوط روسية قوية، هي جزء من التفاهم بين واشنطن وموسكو، على ما أعلن كيري، فيسمح لـ quot;مفاوِض سوري حكومي قوي بسلطاته وصلاحياته التفاوضيةquot; بالظهور إلى الوجود، والذهاب إلى quot;جنيف ـ 2quot;، للاتِّفاق (إذا ما أمكن الاتِّفاق، في نهاية مفاوضات، ليس معروفاً حتى الآن كم ستستغرق من الوقت) مع quot;المفاوِض الآخرquot;، أيْ quot;المعارَضةquot;، على قيام quot;حكومة انتقاليةquot;، تتمتَّع بكل سلطات وصلاحيات السلطة التنفيذية في سورية لتنفيذ كل ما اتُّفِق عليه قبل (ومن أجل) قيامها.
وبشار يَعْلَم أنَّ سماحه بظهور هذا quot;المفاوِض الحكوميquot; يَعْدِل أنْ يَدُقَّ بنفسه أوَّل مسمار في نعشه، وأنَّ هذا quot;المفاوِضquot;، الذي خَرَج من رَحْم بشار، ورغماً عنه، قد يلعب ورقة quot;التضحية ببشار (وعائلته، وشركائه مع عائلاتهم)quot; إذا ما تأكَّد لديه، في أثناء المفاوضات، أنَّ هذا quot;الثَّمَنquot; يكفي لشراء quot;اتفاقيةquot; مع quot;المعارضةquot; ترضي البقية الباقية من الحُكْم السوري الذي كانت عائلة الأسد تُحْكِم قبضتها عليه، وترضي، أيضاً، أو من ثمَّ، الطائفة العلوية؛ فـquot;الحل السياسيquot; للصراع في سورية إنَّما يعني أنَّ القوى الدولية والإقليمية المتورِّطة في هذا الصراع قَوِيَ، ويقوى، لديها المَيْل المشترَك إلى أنْ يؤسَّس لحكم جديد في سورية من طريق التفاوض والتفاهم والاتِّفاق بين quot;المعارضةquot; وquot;نظام الحكم القديم مطروحاً منه عائلة الأسد وشركاءهاquot;.
وبشار الأسد، مع شركائه الكبار، هو الآن مدار صراع بين روسيا وإيران؛ على أنْ يُفْهَم هذا الصراع على أنَّه جزء لا يتجزَّأ مِمَّا يَجْمع الطرفين من مصالح وأهداف في سورية، معظمها يمكن أنْ يذهب به quot;تفاهُم قويquot; بين واشنطن وموسكو؛ ولا ريب في أنَّ الولايات المتحدة تحاوِل إرضاء روسيا بما يؤسِّس لحلٍّ لـ quot;الأزمة السوريةquot;، يَضْمَن خُلوَّ quot;سورية الجديدةquot; من الأسد وإيران معاً.
أمَّا ما يجعل بشار (وشركائه الكبار) أُذْناً صاغية لروسيا أوَّلاً، وليس لإيران، فهو quot;اللجوءquot;، بمكانه وضماناته؛ فروسيا تظل مُفَضَّلة على إيران، مكاناً للجوء، ومَصْدَراً للضمانات؛ وإلى أنْ تتأكَّد موسكو أنَّ quot;الحل النهائيquot; سيعطيها ما تريد الحصول عليه، لا بأس من أنْ quot;يتشدَّدquot; الأسد، ويبدي مزيداً من quot;التشدُّدquot;؛ وكأنَّ quot;تشدُّدهquot; ضِمْن quot;اللعبة الروسيةquot;، لا في خارجها، وبما يضر بها، هو quot;الثَّمَنquot; الذي به يشتري الأسد quot;خروجه الآمِن روسياًquot;.
لكنَّ بشار، وفي نصفه الآخر، ما زال يعلِّل نفسه بوهم أنَّ إيران (وquot;حزب اللهquot;) يمكن أنْ تأتي بمعجزة الإبقاء عليه حاكِماً لسورية (التي هُزِمَت ثورتها شَرَّ هزيمة) أو بجعله حاكِماً على ما تيسَّر له (عسكرياً، وبالقوى العسكرية الإيرانية) حكمه من شعب وأراضي سورية، ويتَّخِذ من المنطقة العلوية في الساحل والجبل مركزاً لحكم هذه quot;الإمارةquot;؛ وأحسبُ أنَّ إيران تتوفَّر الآن على التغيير العسكري للواقع السوري بما يجعل بشار يُفضِّل خيار quot;الإمارةquot; على خيار quot;الخروج واللجوءquot; الروسي.
لقد ابْتُنِيَ quot;أساس التفاهمquot; بين كيري ولافروف من quot;رَفْض الولايات المتحدة استمرار عائلة الأسد في حكم سوريةquot;، ومن quot;رَفْض روسيا نَقْل الحكم في سورية إلى المعارضة من طريق إطاحة بشارquot;.
ومن هذا quot;التفاهم الأساسيquot;، تفرَّع موقفان عمليان لواشنطن وموسكو، متناقضان في الظَّاهر؛ فواشنطن أخذت بخيار تسليح quot;المعارَضةquot; حتى لا يتهيَّأ للأسد (وحلفائه) ما يغريه بحسم الصراع عسكرياً لمصلحته؛ وموسكو لوَّحت بتزويد الأسد أسلحة جديدة جيِّدة النوعية، في مقدَّمها صواريخ quot;أس ـ 300quot;، حتى تُبقي آلته القتالية بمنأى عن ضربة قاصمة تأتيها من الخارج؛ وكأنَّ المعادلة هي: كلا الطرفين لا ينفرد بالحكم، وكلاهما لا يهزم الآخر هزيمة عسكرية ساحقة.
نقطة البدء هي أنْ يُرْغَم بشار على quot;تأليف وفد حكومي مفاوِض لا سلطة له على عملهquot; في quot;جنيف ـ 2quot;، على أنْ يظل محتفظاً بسيطرته على الجيش والقوى والأجهزة الأمنية، وبما بقي لديه من سلطة في سورية؛ فإذا انتهت المفاوضات باتفاقية بين quot;الوفدينquot;، وقامت quot;حكومة انتقاليةquot; تتمتَّع بكل سلطات وصلاحيات السلطة التنفيذية، أصبح بشار منزوع السلطة تماماً، فبدأ quot;التنفيذquot;، أيْ quot;تنفيذ الاتفاقيةquot;، وquot;تنفيذquot; الخروج واللجوء.
لكن، هل ثمَّة ما يضمن عدم تحوُّل quot;جنيف ـ 2quot;، إذا ما عُقِد، إلى مفاوضات لا نهاية لها؟
وهل ثمَّة ما يضمن أنْ تنتهي هذه المفاوضات إلى حلٍّ يُنْهي إلى الأبد حكم عائلة الأسد لسورية؟
إنَّ وجود هذه الضمانات من عدمه هو ما ينبغي له أنْ يقرِّر الموقف النهائي لـ quot;المعارَضةquot;.