رحيّل غرايبة


ليس مصادفة أن يتم اعلان تحرير مدينة القصير السورية، التي كانت في قبضة المعارضة، على أيدي الجيش السوري الحكومي وميليشيات حزب الله اللبناني، في ذكرى الخامس من حزيران.
لقد تم إظهار علامات الابتهاج واطلاق الرصاص في الفضاء من أجل الاحتفاء بهذا النصر العظيم، وظهرت علامات السرور على مؤيدي النظام وضحكوا ملء اشداقهم ومن جميع الجهات، وهم يزفون بشائر النصر لشعوب العالم العربي، ولكل الشعوب الصديقة، وسوف تمتلئ الصفحات بالتحليلات السياسية العميقة وسوف يفيضون علينا بالدروس الطويلة، ويمطروننا بالاشارات الذكية على معالم التحول الاستراتيجي الهائل في ميزان القوى !! وأن quot; اسرائيلquot; لن تغمض لها عين بعد هذا النصر المؤزّر !!
مضى على احتلال الجولان السورية ستة وأربعون عاماً بالتمام والكمال، وما زال النظام الذي أشرف على تسليمها متربعاً على عرش سوريا، ومنذ ذلك الوقت وهو يفتل شاربيه ويصقل سيفه، ويعد الجماهير بالانتظار والصبر استعداداً ليوم التحرير، وبعد مضي نصف قرن من الزمان يتم تحرير quot;القصيرquot; من الشعب السوري المحتل، وقد هدمت بيوتها ولم يبق حجر على حجر، وتم قتل من قتل وجرح من جرح وتشريد البقية !
سوف يقال الكثير عن المتطرفين والتكفيريين والسلفيين والارهابيين، وسوف يقال الكثير على المال الخليجي، والسعودي والقطري، وسوف يتم نسج القصص عن السفن التي تشحن السلاح التي ترسو في الموانئ السورية، المحروسة بالبوارج الروسية، والصواريخ الروسية التي استطاعت رصد طائرة تركية اقتربت من المياه الإقليمية فأسقطتها على الفور، والتي تعامت عن الطائرات quot;الإسرائيليةquot; التي اخترقت الأجواء السورية طولاً وعرضاً وقصفت دمشق !!
خلال الستة والأربعين عاماً، مرت مياه كثيرة تحت الجسر، وهناك ملاحظات ظاهرة وفاقعة وكبيرة وعميقة، تستعصي على التفسير، بحاجة الى حوار وإجابة جادة وبالوضوح نفسه، فعندما اندلعت الحرب بين العراق وإيران في ثمانينات القرن الماضي، وقف حافظ الأسد الى جانب إيران بكل ما لديه من قوة ضد نظام عربي قومي بعثي برئاسة صدام حسين؛ الذي كان في المعسكر المعادي quot;لاسرائيلquot; بكل وضوح، وهو الزعيم العربي الوحيد الذي تجرأ على ضرب quot;تل أبيبquot;، ولن يستطيع انصار النظام السوري المزاودة على صدام في هذا المجال، وكان بإمكان سوريا أن تلتزم الحياد على الأقل، أو أن تعمل على وقف الحرب، وتحول دون استنزاف دولتين مسلمتين !!
الملاحظة الثانية: عندما شنت أمريكا حربها على العراق عام 1990 عبر التحالف الدولي الثلاثي، كانت سوريا ضمن هذا التحالف، وشاركت بقوات سورية ميدانية إلى جانب الأمريكان المعتدين، اضافة الى الموقف السياسي المؤيد للأمريكان بوضوح معلن بلا مواربة، ضد نظام عربي شقيق، وقومي بعثي، ويتكلم الإعلام السوري عن تكرار السيناريو العراقي!
الملاحظة الثالثة: تتعلق بالتصريحات الكثيرة والعديدة على لسان وزير الخارجية السوري وغيره بأن سوريا كانت أكثر دولة أسهمت في التعاون مع أمريكا في مجال محاربة الإرهاب والتظرف الاسلامي، وقامت بتسليم عدد كبير من المطلوبين للأمريكان، وقبضت الثمن أكثر من مرة، وكانت الحدود السورية بوابة لعبور هؤلاء إلى العراق.
الملاحظة الرابعة: تتعلق بحقيقة قديمة جديدة تعرفها المنظمات الفلسطينية على الأرض السورية، الذين وصلهم أمر مكتوب من مكتب المتابعة المنبثق عن حزب البعث الحاكم في دمشق يأمر بعدم استهداف (دولة اسرائيل) من الأراضي السورية بلهجة صارمة وحاسمة لا تقبل التأويل، ونص الوثيقة موجود ويمكن الإطلاع عليه.
الملاحظة الخامسة: تتعلق بالعداء السافر مع نظام حزب البعث العراقي الحاكم السابق لمدة تزيد عن ثلاثين سنة مضت، في حين قام بالتحالف مع المالكي، وهو صنيعة الاحتلال الأمريكي، ويتزعم حركة اجتثاث البعث في العراق، ولا يطيق سماع كلمة ترحم على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في كل بلاد العرب، وما جرى في الأردن قبل أيام دليل واضح.
الملاحظة السادسة تتعلق بقدرة النظام والأجهزة الأمنية السورية على رصد أنفاس الشعب السورية، كما استطاعت حراسة الحدود مع (اسرائيل) لمدة (46) عاماً، ولم يستطع أي عصفور اجتياز الحدود، ولو لمرة واحدة، فكيف دخل الإرهابيون والتكفيريون وكيف تم تسريب الأسلحة الكيماوية من مصانع النظام إذ ينبغي الإجابة على هذه الأسئلة في غمرة الاحتفالات بتحرير القصير في ذكرى الخامس من حزيران الحاضرة في أذهان الشعب السوري المذبوح.