أُقرّ أنني كنت أكنّ الكثير من التقدير لوليام هيغ، لكني أعترف علانية اليوم أنني كنت مخطئاً جداً، فلا يملك هذا الرجل حسن تمييز أو منطقاً، ويُعتبر من أسوأ وزراء الخارجية الذين حظينا بهم، وهذا أقل ما يُقال عنه، إذ تؤدي سياساته بجنون إلى الحرب في منطقة يعمها السلم.

Peter Hitchens


quot;تخيلوا ما يليquot;: تبدأ الصحف وشبكات البث في الصين فجأة بالتنديد بالحكومة البريطانية، فتنعتها بـquot;النظامquot; وتقول إنها تعامل الأقلية المسلمة فيها بظلم ووحشية، وسرعان ما يعبّر عن وجهة النظر عينها وزير الخارجية الصيني، الذي يذكر في خطاب يلقيه في الأمم المتحدة أن معاملة بريطانيا للأقليات فيها مشينة، ويدعو إلى فرض عقوبات على هذا البلد.
يُصاب بعض المتظاهرين، وتُعرَض لقطات محرَّرة بعناية لما حدث على محطات التلفزة العالمية، فيبدو فيها رجال الشرطة متوحشين، فيما تُحذف كل عمليات الاستفزاز التي يواجهونها.
بعيد ذلك، تُشَنّ اعتداءات مسلحة على مراكز الشرطة وثكنات الجيش، ويبدأ الناس في المدن البريطانية برؤية رجال أجانب، عدد منهم مسلح. وفي غضون أشهر، ينجرّ البلد إلى حرب أهلية. وهكذا ينحدر بلد كان ينعم بالاستقرار والنظام والازدهار بسرعة نحو العنف والفوضى المدمرة، ولا يكتمل هذا المشهد من دون اللاجئين، وأعمدة الدخان، ومساعي تأمين الطعام للمشردين.
يهز السكان أكتافهم بحيرة وعجز عندما يقرؤون تقارير أجنبية عما يحدث في بلدهم، تلك الروايات التي تشجّع الثوار، مع أنه لا أحد يعرف هويتهم حقاً. لكن هؤلاء المواطنين لا يرجون سوى انتهاء القتال ووقف أعمال العنف.
لا تنفك كل وسائل الإعلام الأجنبية تنقل الأحداث من جانب واحد، عارضةً بسذاجة quot;فظائعquot; الحكومة البريطانية من دون التحقق منها. بعد ذلك، توافق كل دول العالم الكبرى على مدّ الثوار مباشرة بالسلاح.
هل هذا غريب؟ انتظروا لتروا. حدث أمر مماثل، إنما على نطاق أصغر، في أيرلندا الشمالية، حيث ساهم بعض الأفراد الأميركيين في شراء البنادق والقنابل للجيش الجمهوري الأيرلندي. ثم مارست الحكومة الأميركية ضغطا كبيراً علينا لنستسلم للإرهابيين. ولا شك أن الصين، التي توشك أن تتحول إلى قوة عالمية، تراقب عن كثب كل أعمالنا السابقة من يوغوسلافيا إلى العراق واليوم سورية.
أعتذر من السفير الصيني الحقيقي لأنني اختلقت هذه القصة، لكن الحوادث التي تخيلتها هنا ترتكز على تصرفات القوى الغربية في الشأن السوري. وما تفعله الأمم عادةً بالآخرين تعانيه هي أيضاً في النهاية.
لا أحب الحكومة السورية، وهل من سبب لأحبها؟ فهي لا تختلف كثيراً عن معظم أمم الشرق الأوسط، أي أنها تبقى في السلطة خوفًا، وينطبق الأمر عينه على الدول التي ندعمها وعلى الأماكن التي حررناها سابقاً، مثل العراق وليبيا، والتي تعود اليوم إلى العنف والفوضى.
تكثر اليوم المثل العليا ويتفاقم معها البؤس والدمار، أصاب خصمي القديم، مهدي حسن (الذي يفهم العالم الإسلامي أكثر من معظم الصحافيين البريطانيين)، حين ذكر خلال برنامج Question Time أن دعمنا الثوار السوريين ضرب من الجنون.
هؤلاء هم الإسلاميون ذاتهم الذين يعارضهم وزراء الحكومة بشدة (إن كانوا على الأراضي البريطانية)، أو مطالبين بترحيلهم، أو إسكاتهم، أو وضعهم تحت المراقبة، أو اعتقالهم.
ولكن عندما نلتقي هؤلاء الإسلاميين ذاتهم في سورية، نسعى لمنحهم أسلحة متقدمة. فقد أقدم أخيراً أحد هؤلاء quot;الناشطينquot;، quot;نبيلquot; يُدعى أبو صقار، على غرز أسنانه في القلب الدامي لجندي تابع للحكومة قُتل حديثاً.
أُقرّ أنني كنت أكنّ الكثير من التقدير لوليام هيغ، لكني أعترف علانية اليوم أنني كنت مخطئاً جداً، فلا يملك هذا الرجل حسن تمييز أو منطقاً، ويُعتبر من أسوأ وزراء الخارجية الذين حظينا بهم، وهذا أقل ما يُقال عنه. تؤدي سياساته (التي تشجعها على نحو مشين شبكة BBC التي فقدت كل حيادها) بجنون إلى الحرب في منطقة يعمها السلم.
كانت سورية، رغم كل عيوبها، المكان الوحيد في المنطقة الذي شعر فيه العرب المسيحيون بالأمان، لكنها لن تعود كذلك اليوم، فمَن استفاد من كل هذا؟ من المؤكد أن بريطانيا لم تجنِ أي فائدة.
واليوم، دفعت حماسة هيغ الغريبة لرفع حظر الاتحاد الأوروبي على السلاح بموسكو إلى التعهد بتسليم سورية صواريخ متقدمة مضادة للطائرات. كذلك هددت إسرائيل بتدمير هذه الصواريخ إن نُشرت. وأكدت سورية أنها سترد بقوة.
هكذا تبدأ عادةً الحروب الكبرى، فلا يصبّ هيغ الوقود على منزل يحترق مليء بالناس فحسب، بل يقذفه بالمتفجرات السريعة الاشتعال أيضاً. لربما يرغب البعض في شن حرب مماثلة، معتبرين إيران هدفهم الفعلي، فهم يدركون أن دعاية quot;أسلحة الدمار الشاملquot; ما عادت تنجح. لذلك يدّعون أنهم يقاتلون في سبيل quot;الديمقراطيةquot; في سورية.
لا شك أن هذه كذبة كبيرة، وإن لم يكن وراء هذا الغباء غاية ما، يوشك العالم على الانحدار في درب قد يفضي بنا في النهاية إلى البربرية.
هذه المسألة ملحة جدًّا؛ لذلك أرجوكم أن تسألوا نوابكم عما يمكنهم اقتراحه لوقف هذا الانحدار الواعي نحو حرب لا يريدها أحد، حرب قد تقوّض بسهولة العالم المتحضر.