يوسف الكويليت

لا تزال سورية هي الهاجس والحالة الخطرة، ولعل المماحكات الدبلوماسية حاضرة بقوة بين روسيا وسورية من جهة، وأمريكا وحليفتها الأهم بريطانيا من جهة أخرى، ولعل التزامن في عقد مباحثات بين وزير الخارجية الروسي لافروف، والخارجية السورية بشخصية وليد المعلم عندما طالبا بوقف العملية العسكرية والقبول بدون شروط لحضور جنيف (2) مع نفي تام باستخدام السلاح الكيماوي، وأن من قام بهذا الفعل، وفقاً للوزير (لافروف) هم المعارضة، وله الحق في هذا النفي طالما الاتحاد السوفياتي هو من شيد مصانع هذه الأسلحة، ودعمتها بلده لاحقاً، ومثل هذا الهروب يأتي خشيةً من أنه بسقوط النظام تُكشف الوثائق التي ربما تدين روسيا وتضعها في مشكل أمام الرأي العام العالمي برمته..

بنفس التوقيت جاء اجتماع (جون كيري) وزير الخارجية الأمريكي مع الوزير البريطاني (وليم هيج) واللهجة هنا مضادة للدفاع الروسي - السوري، لكن في باطنها ما يشبه استحالة الضربة لتأتي مطالب الوزير الأمريكي بتسليم الأسد الأسلحة الكيماوية خلال أسبوع لتلافي الضربة، والكلمة الأخيرة ربما تعطي تفسيراً لاحتمالات أن البديل القادم هو الضغط السياسي فقط تحسباً لرفض الكونجرس إعطاء الضوء الأخضر لأوباما، وهو الإشكال الذي ترى فيه دول المنطقة بما فيها إسرائيل وتركيا الدولتان اللتان حشدتا قواتهما على حدود سورية خوفاً من أي مجازفات انتحارية يقوم بها النظام، وفي حال تراجع الموقف الأمريكي، فإن الرؤية لهما تتباين حسب تفسير كل دولة..

فإسرائيل، وفق تقارير خبرائها ومحلليها ترى أن الامتناع عن عمل عسكري سوف يدفع بإيران إلى التعنت في موقفها من التسلح النووي نتيجة ضعف الموقف الأمريكي، وأن الأسد سيجدها فسحة بتكرار عملياته باستخدام السلاح الكيماوي..

تركيا، وإن لم تعلق على تلك الاحتمالات فهي تجد نفسها في مشكل أمني مع جار قد يضعها أمام حالة إنذار دائم، سواء استخدم أسلحته التقليدية، أو غيرها على اللاجئين السوريين أو دفع غيرهم باتجاهها نتيجة مضاعفات الحرب الداخلية..

أما إيران فقد ذهب وزير خارجيتها للعراق ليصدر أحد المسؤولين من فصائل محسوبة عليها بضرب المصالح الأمريكية في الداخل العراقي، وربما كان ذلك نوعاً من التهديد المبطن من حليف يؤمر فيطيع، ونفس الأمر مع حزب الله الذي أقام مناورة خاصة وقال إنه سيساعد الأسد في المقاومة من الداخل السوري.

وباختصار فإن إيران هي من صرح بأن حلفاءها سيردون على أي اعتداء أو خطوة أمريكية عسكرية..

المخاوف لدى دول الجوار السوري لا تنحصر فقط في تدفق اللاجئين، وإنما في الدوافع التي قد تحيل الأسد إلى وحش يسعى للانتحار في اللحظة الحرجة، وحتى يخلط الأوراق فقد يوجه صواريخه لإسرائيل وتركيا، والأردن ولبنان وهنا سيصبح الأمر محرجاً ليس لأمريكا فقط، وإنما كيف تتصرف في حال اتسعت الحرب وطالت تلك الدول؟

الشعب الأمريكي الحائر بين الضربة وتداعياتها، والحذر من عودة شبح ما جرى في أفغانستان والعراق يرفض أن يكون شرطي العالم في وقت يتقاعس الحلفاء الأوروبيون عن مساندته أو الاتفاق على إطار واحد، وبصرف النظر عن الأزمة المالية وتكاليف الحروب العبثية التي خاضتها أمريكا فالشعب لا يريد تكرار مأزق فيتنام وما بعدها ليعود مسلسل الجنائز لأبنائه، لأن القضايا العالمية لا يمكن اختصارها بحدث ما..

ولعل ما بعد (11) سبتمبر نتيجة العداء مع شعوب ومنظمات وقوى سرية أخرى ضربت في العمق الأمريكي، يجعل حكاية الحروب موقوفة بقانون حفظ الشارع الأمريكي، إلاّ إذا وجدت المبررات الضرورية لخوضها