أحمد عبد الملك

حُبست الأنفاسُ خلال الأسبوعين الماضيين في العالم العربي لاحتمال قيام الولايات المتحدة بتوجيه ضربة عسكرية إلى سوريا على خلفية استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي ضد شعبه، والذي راح ضحيته حوالي 1500 شخص بينهم نساء وأطفال.

لكن اللعبة الدبلوماسية ورهانات laquo;تحريك الأحجارraquo; على الطاولة بين موسكو وواشنطن أزالت التوتر ndash; ولو وقتياً ndash; كون أوباما طلب تفويضاً من الكونجرس لقيام بتوجيه تلك الضربة، وانقسم الكونجرسndash; حتى يوم الاثنين 9/9/2013 ndash; حيث أيّد 23 عضواً موقف أوباما بتوجيه الضربة، فيما عارض ذلك 22 عضواً، وبقي 55 عضواً غير مؤكدين لموقفهم، كما تم إرجاء التصويت المقرر إجراؤه يوم الأربعاء 11/9/2013 بعد أن حرّكت موسكو quot;حجراً مؤثراً quot; لتجنيب سوريا ضربة عسكرية أميركية باقتراحها فرض رقابة دولية على الأسلحة الكيماوية في سوريا.

وفي الحال رحبَ وزير الخارجية السوري بالمبادرة الروسية من دون أية تحفظات، بل إنه ndash; حسب قناة (فرانس 24) ndash; قد أكد استعداد سوريا للكشف عن أماكن وجود الأسلحة الكيماوية والتوقف عن إنتاجها وإبلاغ ممثلي روسيا والدول الأخرى والأمم المتحدة عن منشأتها! وهذا التأكيد يثبت وجود أسلحة كيماوية في سوريا. ولأن هذه الأسلحة من الخطورة بمكان، فلا شك أنها محاطة بسياج أمني كثيف لا يمكن اختراقه بسهولة! وهذا أيضاً يُقربنا من صحة laquo; دحضraquo; الزعم والتلميح الذي يردّده النظام السوري من أن الجيش الحر هو الذي استخدم السلاح الكيماوي وليس النظام. كما دافع عن ذلك ndash; دون أن ينفيه - الأسد خلال لقائه التلفزيوني مع شبكة (CBS) والذي أنكر فيه أن نظامه قد استخدم السلاح الكيماوي .. وتحدى أوباما كي يثبت ويقدم البراهين لذلك الاستخدام!. في الوقت الذي اتهم الرئيس السوري البيت الأبيض بنشر الأكاذيب، مُذكراً بما قام به وزير الخارجية الأسبق كولن باول حول وجود أسلحة كيماوية في العراق قبل احتلاله.

إن قبول سوريا المبادرة الروسية بلا تحفظ، وتصريح وزير الخارجية السوري عن أماكن وجود تلك الأسلحة، ينافي laquo;مناورةraquo; الأسد في تلك المقابلة، حيث إنه لم يثبت أو ينفي وجود تلك الأسلحة.

السؤال الذي يدور في مخيلة كل العرب هو: هل المأساة السورية تُختصر فقط في وجود أو استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي الذي أودى بحياة أكثر من 1500 مواطن ، أم أن المأساة تخص شعب قُتل منه أكثر من 100 ألف شخص وتم تشريد الملايين في العراء؟!

هذا هو السؤال المحوري في القضية. وهل تريد روسيا أن تحفظ ماء وجه النظام السوري كي يكون على طاولة (جنيف)، حيث يتم اللعب على ورقة الوقت، حتى تنتهي ولاية الأسد في العام المقبل، ثم لكل حادثة حديث؟

وبعد كل الضحايا والمشوهين والتدمير وضرب الطائرات السورية للمواطنين المدنيين وهدم بيوتهم فوق رؤوسهم وتشتيت الشعب السوري ، هل يصلح هذا النظام كي يتفاهم من جديد مع شعبه؟!. وهل المجتمع الدولي سينسى ndash; بالطبع لن ينسى السوريون ndash; كل تلك المشاهد المؤلمة لما لحق بهذا البلد من دمار نتيجة عسف النظام وشموليته وعدم تجاوبه مع دعوات المواطنين باستبداله، لأنه أصبح laquo;منتهي الصلاحيةraquo;؟ تماماً كما تم في البلدان العربية الموبوءة بالمرض والفساد و laquo;عبادةraquo; الرجل الأول في البلاد

نقول : إن المَخْرج الروسي لقضية الأسلحة الكيماوية قد يكون اتجاهاً نحو إزالة كل الأسلحة الكيماوية من سوريا ، وهذا يخفف من laquo; ذعرraquo; إسرائيل ndash; إن كان هنالك ذعر ndash; من احتمالية استخدام النظام السوري تلك الأسلحة ضدها في يوم من الأيام !. لكن الذاكرة أثبتت أنه منذ العام 1967 ndash; احتلال إسرائيل لهضبة الجولان السورية ndash; لم يوجه النظام السوري ولا إشارة ضوئية فوق الجولان المحتل، فكيف يُقدم على إطلاق صواريخ كيماوية إلى ذاك النظام الذين يستبيح أراضيه منذ ذلك التاريخ ؟!

ويبدو أن المبادرة الروسية أراحت الإدارة الأميركية، بل وزادت في laquo; شقraquo; صف أعضاء الكونجرس والرأي العام الأميركي، نحو عدم المخاطرة بأبناء الولايات المتحدة في حرب لا تشكل أية أهمية بالنسبة لبلادهم ولا لأمنها القومي كما يكرر أوباما، خصوصاً وأن قبول سوريا تسليم أسلحتها الكيماوية إلى المجتمع الدولي قد رجّح كفة المعارضين لتوجيه ضربة ضد سوريا. كما أن الرأي العام الأميركي والكونجرس يستحضران ما حدث في العراق قبل أكثر من عشر سنوات !؟.

وبدأ التردد الأميركي في اتجاه توجيه ضربة عسكرية محدودة لسوريا عندما أعلن أوباما وأولاند يوم 10/9/2013 إبقاء كل الخيارات مفتوحة في شأن سوريا quot; .. وترجيحهما quot; تفضيل الحل الدبلوماسيquot;! بل وإعلان الرئيس أوباما بأن الخطة الروسية تشكل quot;اختراقاً كبيراًquot;، وتلك إشارة واضحة إلى التردد المذكور، كما أنه بموافقته على دراسة الخطة الروسية أرجأ التحرك المحتمل وquot;الحماسيquot; نحو توجيه الضربة العسكرية، وما زاد في التردد ما جاء في لقاء وزير الخارجية الأميركي مع نظيره البريطاني في لندن، وإعلانهماquot;أن الرئيس السوري يمكنه تفادي أي عمل عسكري ضده، بتسليم ما لديه من أسلحة كيميائية إلى المجتمع الدولي خلال الأسبوع المقبلquot;. وبهذا quot;التسليمquot; تهنأ إسرائيل من أي خطر كيماوي في المستقبل!

القضية - كما قلنا ndash; ليست في السلاح الكيماوي، الذي انكشف وجوده بمرور الأيام، كما انكشف زيف ادعاءات النظام بعدم وجود ذاك السلاح! القضية في الضحايا الذين قُضوا، وفي المشرَدين في العراء، وفي ملايين الأطفال الذين تركوا مدارسهم، والطلاب الذين هجروا جامعاتهم، وفي حجم المرارة التي تعتمر قلوب السوريين الذين شاهدوا طائرات بلدهم تقصف أحياءهم ومنشآتهم وتقتل زرعهم وحرثهم.

القضية التي يحاولون إيجاد حل دبلوماسي لها عبر رهان الحصانين (الأميركي والروسي) أكبر من نصر دبلوماسي لهذا الطرف أوذاك ... إنها قضية شعب إما يعيش كريماً أو يموت أيضاً كريماً.