هالة مصطفى


قرار الحكومة بإدراج جماعة الإخوان المسلمين علي قائمة الإرهاب جاء ردا علي أعمال العنف المتزايدة التي قامت بها و الجماعات المتحالفة معها منذ عزل رئيسها محمد مرسيrlm;,rlm; من سيناء للقاهرة إلي باقي المحافظاتrlm;,rlm; سعيا لتقويض دعائم الدولة الي الحد الذي قد يفضي باندلاع ما يشبه الحرب الأهليةrlm;.rlm;

وهي ظاهرة باتت متكررة في كثير من دول المنطقة مع انتشار الميليشيات المسلحة التي ترفع شعار الاسلام الجهادي من ليبيا, الي العراق, إلي لبنان, إلي تونس, الي اليمن, وغيرها. وقد أثار القرار كثيرا من الجدل علي المستويين الدولي والاقليمي, وخاصة من قبل الولايات المتحدة التي كانت تسعي الي توظيف الجماعة ضمن استراتيجيتها في الشرق الأوسط لاحتواء الجماعات المتطرفة, وكذلك الحال بالنسبة لكل من تركيا وقطر, الدولتين الرئيسيتين اللتين تدعمان بشكل مباشر جماعة الاخوان المسلمين كمدخل لاقامة ما يسمي بالمحور الاقليمي السني بقيادة تركية.
والرد علي مثل هذا الجدل و الانتقادات التي صاحبته سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة, يتلخص في أن اعتبارات الدول في تصنيف مثل تلك التنظيمات والجماعات تختلف من حالة إلي أخري. والدليل أن كثيرا من الجماعات الشبيهة تضعها بعض الدول في قائمة الارهاب, بينما تخرجها دول أخري منها و مثال لذلك هو موقف كل من أمريكا وروسيا قديما و حديثا في هذا المجال. إذ هناك تنظيمات مثل( جماعة أبونضال, الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين, كتائب شهداء الأقصي, مجموعة فتح الاسلام, جيش محمد, جماعة النضال الاسلامي الليبية و مثيلتها المغربية, الجهاد الاسلامي الفلسطيني, جبهة النصرة السورية, تنظيم القاعدة في العراق, حزب الله, حركة حماس, منظمة إيتا, الجيش الجمهوري الايرلندي) كلها تدرجها الولايات المتحدة علي قائمة الارهاب, بينما لا تدرجها روسيا, والعكس أيضا صحيح فتنظيمات مثل( مؤسسة الحرمين, تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي, مجلس شوري المجاهدين في القوقاز, حزب التحرير, حركة طالبان, الاخوان المسلمون) هي جماعات تدرجها روسيا علي قائمة الارهاب و لاتضعها أمريكا في نفس الخانة. وهناك تنظيمات مشتركة, أي تضعها الدولتان( أمريكا وروسيا) علي نفس القائمة مثل( تنظيم القاعدة, الجهاد المصري الاسلامي, الجماعة الاسلامية, نمور التاميل) وهكذا.
ماذا يعني ذلك؟ يعني ببساطة أن اعتبارات الامن القومي والمصلحة السياسية و تقدير مدي خطورة أي من هذه التنظيمات علي دولة من الدول, سواء كانت كبيرة أو متوسطة أو حتي صغيرة, تختلف بل وتتغير. والقراءة الاخري لنفس هذه التصنيفات تؤكد أنه من الناحية الفعلية ليست هناك اختلافات جوهرية أو حتي ثانوية بين التنظيمات المدرجة علي قائمة الارهاب هنا أو هناك, من حيث تبنيها للعنف المسلح أو لمرجعيتها الأيديولوجية أو أساليبها وأدواتها, وإنما ما يجعل دولة مثل أمريكا تعتبرها كذلك ولا تحذو روسيا حذوها أو العكس هو فقط. مصلحة كل منها في توظيف جماعة أو تنظيم ما ضمن استراتيجيتهما الدولية او الاقليمية خاصة مع تزايد ظاهرة الحروب, بـ الوكالة, أي تلك الحروب الصغيرة التي تقوم بها أطراف أو جماعات لصالح قوي كبري سواء كانت دولية أو اقليمية لتوظيفها في صراعاتها علي النفوذ و المكاسب السياسية مثلما فعلت أمريكا من خلال حركة طالبان في أفغانستان ضد النفوذ الروسي, و بالمثل استخدمت روسيا بعض التنظيمات الفلسطينية و السورية ضدها وكذلك تفعلان اليوم, بل والمفارقة الكبري هنا أن حماس وهي فرع من الإخوان تصنف أمريكيا جماعة إرهابية ولا تعتبرها روسيا كذلك, بينما تدرج الأخيرة( أي روسيا) الاخوان علي قائمة الارهاب و لا تفعل أمريكا ذلك. إذ نادرا ما يوضع أي تنظيم علي قائمة الارهاب من قبل أمريكا أو روسيا في حال ارتباطه بدولة اقليمية تعد حليفة لأي منهما مثل تلك المتعاونة مع ايران أو النظام السوري في حالة موسكو, أو تلك التي تدعمها تركيا أو قطر أو السعودية في حالة واشنطن, وربما حالتا سوريا ولبنان بما تشهدهما من وجود مكثف للميلشيات المسلحة المختلفة التوجهات, تعدان نموذجين واضحين في هذا السياق.
اذن الجدل الدائر الآن من قبل بعض الدول حول القرار المصري بشأن ادراج جماعة الاخوان علي قائمة الارهاب هو جدل متوقع و قد يستمر أيضا, لأن المسألة نسبية وليس هناك صح أو خطأ في مثل هذه القرارات إلا فيما يخضع لتقدير كل دولة لأمنها القومي.
ويبقي السؤال الجوهري حول علاقة الاخوان بالعنف, أي هو أمر منطقي أو غير منطقي؟ إن الأدلة والقرائن التاريخية و مثلها المعاصرة تشير كلها الي علاقة جماعة الاخوان الوثيقة باستراتيجية العنف, ليس فقط لكونها الجماعة الأم, منذ انشائها في أواخر العشرينيات لجميع الجماعات الاسلامية المتطرفة, وانما أيضا لمنهجها الفكري و مرجعيتها الأيديولوجية التي أصلت لانشاء أول تنظيم اسلامي مسلح تحت اسم التنظيم السري أو النظام الخاص للجماعة في أواخر الثلاثينيات والذي يطلق علية باللغة الحالية الميلشيات أي الجناح العسكري لأي تنظيم أو جماعة. ولذلك فالقول إن منهج حسن البنا مؤسس الجماعة هو مختلف عن منظرها الثاني سيد قطب- الذي يعد في نظر الكثيرين أكثر تشددا بل والمسئول عن ظهور ما يعرف بالجماعات التكفيرية المسلحة هو خطأ شائع بحكم ميلاد التنظيم السري في وجود حسن البنا, أي قبل بروز اسم قطب وعمله الشهير معالم في الطريق الذي فقط أعاد التأصيل والترويج للمنهج التكفيري المسلح كجزء لا يتجزأ من عمل الجماعة بل ومن أسباب وجودها السياسي في مجتمع اعتبره مجتمعا جاهليا يستحق المواجهة بالعنف. والمعروف أن البنا نفسه كان يطلق علي النظام الخاص اسم جيش الاسلام وأن الأربعينيات قد شهدت العديد من حوادث العنف التي قام بها من الاغتيالات السياسية الي استهداف أقسام الشرطة والمحلات التجارية, فضلا عن المحاكم وممثلي القضاء
باختصار أنه نفس الاسلوب المتبع حتي اليوم كما تؤكده كل حوادث العنف التي تشهدها مصر, وعندما اضطرت الجماعة الي الإعلان عن حل هذا التنظيم في زمن مرشدها العام الثاني حسن الهضيبي, لم يعرف مصيره الحقيقي, أي وجوده الفعلي و ليس المعلن, خاصة في ظل وجود ما يعرف بالتنظيم الدولي ظهور كثير من جماعات العنف التي تقوم تقريبا بكل ما كان يقوم به النظام الخاص دون تسميته, فكل هذه الجماعات مع اختلاف المسميات تنظيم القاعدة, أنصار بيت المقدس, الجماعة الاسلامية, السلفية الجهادية وغيرها كثير, كلها تربت علي أفكار حسن البنا و تلميذه سيد قطب. ومن هنا كانت مسارعة الرئيس السابق المنتمي للاخوان بالافراج عن المئات من أعضاء هذه الجماعات, مثلما ردت الأخيرة بتكثيف عمليات العنف فور عزله.