محمد عبد الجبار الشبوط


إذا كنت مسلما سلفيا، فعليك أن لا تتبادل التهنئة مع جارك المسيحي بمناسبة أعياد الكرسماس ورأس السنة، فهذه الأعياد من مختصات quot;الكفارquot; وفتوى السلفية تقول بحرمة ذلك. يقول الشيخ ابن عثيمين في فتوى له بهذا الصدد:quot;تهنئة الكفار بعيد الكرسماس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق.quot;
وابن عثيمين لا ينطق عن الهوى، إنما هو ينقل ذلك عن ابن القيم الجوزية في كتابه ( أحكام أهل الذمة ) حيث قال : quot;وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهْنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنّأ عبداً بمعصية أو بدعة، أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه.quot;
أما الشيخ ابن عثيمين (1929 - 2001)، فهو من كبار علماء السعودية السلفيين، درس العلوم الإسلامية التقليدية في السعودية. وأما ابن القيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ / 1292م - 1349م) فهو من علماء المسلمين في القرن الثامن الهجري وصاحب المؤلفات العديدة، عاش في دمشق ودرس على يد ابن تيمية الدمشقي ولازمه قرابة 16 عاما وتأثر به. وابن تيمية هو الأب الروحي للفكر الإسلامي السلفي. وهذا يعني أن ابن القيم عاش ودرس وكتب في فترة الحروب الصليبية التي بدأت سنة 1096 وانتهت سنة 1250.
ومن هنا يكون بالإمكان فهم سبب تعصب ابن القيم ضد احتفالات المسيحيين بأعياد الكرسماس ورأس السنة، فقد كان العالم الإسلامي يخوض حرب وجود وتحرير ضد المسيحيين الأوروبيين الغزاة. وكان من المحتمل أن يقوم علماء المسلمين بإشاعة جو من النفرة والقطيعة وquot;التكفيرquot; باتجاه المسيحيين بالرغم من ان بعض سلاطين المسلمين عقدوا اتفاقات وأجروا معاملات مع الدويلات المسيحية التي أقامتها الحروب الصليبية في الشرق الإسلامي في ذلك الوقت.
لكن الشيخ ابن عثيمين ينقل فتوى ابن القيم بعد أن ينزعها من سياقها التاريخي الموضوعي ويدعو الى تطبيقها في العصر الراهن، ناسيا أنه يوجد مواطنون مسيحيون في معظم الدول الإسلامية، مثل سوريا ولبنان وتركيا والعراق وتونس ومصر وغيرها. والقول بتكفير هؤلاء وحرمة تهنئتهم بأعيادهم يؤدي الى إحداث شرخ اجتماعي في هذه البلدان والمجتمعات. كما ان حكم المواطن المسيحي الآن ليس كحكم الغازي المسيحي القادم من أوروبا في العصور الوسطى، وهذه هي مشكلة السلفية الكبرى، حيث انه لا تتفهم تاريخية الفتاوى والأحكام التي كان يصدرها فقهاء المسلمين في العصور الغابرة وتقوم بتنزيلها على الواقع المعاصر بدون الأخذ بنظر الاعتبار متغيرات الزمان والمكان، أو كما يعبر الفقهاء quot;مناسبات الحكم والموضوع.quot;
ويشرح الشيخ ابن عثيمين هذا الحكم بقوله:quot;وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراماً وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضى به لهم ، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه ، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنّئ بها غيره....وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا .وإذا هنؤونا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى، لأنها إما مبتدعة في دينهم وإما مشروعة لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً إلى جميع الخلق...وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيهاquot;. وأضاف الشيخ: quot;وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة ، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى ، أو أطباق الطعام ،أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك...ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم سواء فعله مجاملة أو توددا أو حياء أو لغير ذلك من الأسباب لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم quot;.
وواضح أن العمل بهذه الفتوى وما شابهها، يجعل التعايش صعبا أو مستحيلا بين المواطنين الذين ينتمون الى أديان ومذاهب مختلفة، فهؤلاء لا يشاركون بعضهم البعض في مناسباتهم وأعيادهم وأفراحهم وأحزانهم، لأن التعاطف الشعوري معهم يؤدي الى تقوية الكفر في بلاد المسلمين! والأصل الشرعي لدى السلفية لاجتماع الناس هو الدين فقط، وليس الوطن أو المواطنة أو الشعب، فالعراقي المسلم والعراقي المسيحي ليسا من شعب واحد، بل ان المسلم السني والمسلم الشيعي ليسا شعبا واحدا. بل ان السلفية تجيز قتل المخالفين لها في الدين أو في المذهب أو الفهم السياسي، ولهذا أجازت الجماعات المسلحة الإرهابية السلفية في العراق قتل العراقيين المسيحيين، والعراقيين الشيعة، بل قتل العراقيين السنة ايضا إذا كانوا لا يرون رأيها، فالقسمان الأول والثاني كفار، فيما القسم الثالث مرتدون.
لا تبشر الدعوة السلفية بقيام دولة مدنية يسكنها شعب يعيش ابناؤه في بلد واحد في وئام وسلام وتعاون فذلك كفر لا يبرأ منه الناس إلا بالقتل والدم. إنهم يريدون إقامة دولة الرعب والخوف والقتل في العراق، أو على الأقل في المناطق التي يزعمون أنهم يريدون تحريرها من الحكومة الرافضية الصفوية!