طيب تيزيني

ما يعتصر سوريا الآن من كوارث وآلام ومجازر، يُعتبر من قِبل مرجعيات دولية، حالات غير مسبوقة في هولها وإجراميتها، خاصة عندما تستهدف الأطفال تحديداً، وكثير من المعمرين ومن النساء، نجد أنفسنا أمام كائنات بربرية متوحشة، وإذا أضفنا إلى تلك المواصفات بعضاً مما تبثه أجهزة إعلام وناشطون هنا وهناك عما يحدث في سوريا، فإن حالات من القلق والخوف الهائلة تنتاب أعداداً متعاظمة من أولئك الأطفال والمعمرين والنساء إلى درجة الفوبيا (الرعب الفظيع). ومؤخراً تصل أخبار تعلمنا أن أطفالاً يموتون من الجوع والرعب والبرد، العار والشنار يا أيها القابعون في مؤسساتهم الدولية.

لم نُجب عن مهمات أولئك بشيء من التفصيل، ولكننا نعلم علم اليقين النقطة الحاسمة التي تلتصق بهم، إنها حماية البشر والدفاع عن حقوقهم في أثناء توزيع الموت يميناً وشمالاً على أيدي قتلة ظالمين محميين من قِبل مجموعة من الدول الفاشلة التي تتستر وراء مصالحها، وتعلن عن أسمائها باسم حماية القانون الدولي.

لقد استخدمت تلك الدول ما يغطي جرائمها باسم قانون (الفيتو) الذي وضع لحماية العدل، وليس من قِبل هذه أو تلك الدولة.

لقد جاء laquo;الفيتوraquo; تلو laquo;الفيتوraquo; من قبل دول يقوم نظامها السياسي على مبادئ الاستبداد والاستئثار بمعظم الثروة والسلطة والإعلام والمرجعية السياسية الشمولية.

أليس مبعثاً للاستفزاز أن يُضرب بالحائط بمصالح الشعب السوري لنتصور أن ضرورات الحياة تتوقف لدى أكثرية عظمى من هذا الشعب لمصلحة قتل وسحق مئات الألوف من هؤلاء، وتهجير ملايين آخرين لمناطق مختلفة من بلدهم ولبلدان متعددة خارجة.

وجاءت صواريخ laquo;سكودraquo; لتليها حرب كيماوية، وبعد ذلك لتلقى براميل متفجرة على الأفران والمنازل والمدارس، إضافة إلى بيوت العبادة كلها، وفوق ذلك كله لتسحق آثار الشعب السوري الحضارية، فيقف السوري ويتساءل بمرارة غير مسبوقة: هل في أيتام متيمون؟

دخلنا في العام الجديد ليبقى شهران اثنان على مرور ثلاث سنوات وحرب الإبادة تدور رحاها، لنكتشف أرضنا وقد زُرعت بلحم الشهيد من كل الفئات والطوائف والأعراق، ناهيك عن كل العسكريين والمدنيين، والسؤال الأعظم يفصح عن نفسه بكل الأسى البربري الذي يواجهنا بالتساؤل التالي: مَنْ الذين خططوا لهذا التسونامي، بعد أن ظهر في معظم الأوساط السورية؟ لماذا هذا كله؟ لمصلحة مَنْ هذا؟ ألم يكن العرض الذي قدمه معظم الشعب مناسباً لشفاء غليل سادة الموت والحقد والذبح، لِمَ لمْ يحاسب مَن فجّر الموقف في أوائل الحدث الجلل قبل ثلاث سنوات. إنه العار الثالث يأتينا بعين العار، ويسائلنا عما إذا لم نتعلم شيئاً من مُثل الحرية والعدل والكرامة، وكذلك من آيات الحب والتآلف والعيش المشترك.

لقد كاد الكثير أن ينسوا ذلك كله، ولم يتمكن فريق من العلماء المؤرخين الأجانب أن يصلوا في التاريخ العالمي إلى ما يقترب من الدماء السورية التي سفكت، خصوصاً أن الباعث على ذلك لا يقترب من نقطة دم تفجرت في رأس طفل