جاسم بودي

لم يكن نفي تهمة غير موجودة أصلا هو الأساس الذي بنيت عليه عنوان افتتاحية الدخول في العام 2014، بل أردته مدخلا لتوضيح أشياء أخرى، آخر ما فيها هو التعصب.
لا أقول إن بلدي خالٍ من الفساد والتجاوزات وانتهاك القوانين والتعدي على المال العام، ولا استطيع ان أدعي ذلك أساسا وصاحب السمو الأمير اعتبر أن بعض الفساد في الكويت لا تستطيع البعارين أن تحمله. لكني أقول في المقابل إن الحريات الإعلامية التي نتمتع بها والحيوية السياسية التي نعيشها وأجهزة الرقابة التي نملكها قادرة على ضرب الكثير من مفاصل الفساد.
وأسأل غيري، وتحديداً الكويتيين الذين يهاجمون laquo;كويتهمraquo; ليل نهار ويتغنون بتجارب الآخرين: هل تجرؤ وسائل إعلام في دول أخرى قريبة وبعيدة على نشر قضايا فساد متورط بها مسؤولون كبار في الدولة؟ هل توجد حريات إعلامية أصلا؟ هل هناك حيوية سياسية تثير بين ما تثيره ضرورة اخضاع المناقصات والصفقات الكبرى وأوجه الإنفاق بالمجمل لرقابة ممثلي الأمة؟ هل نقرأ تقارير ديوان المحاسبة التي تتحدث بالتفصيل عن كل فلس صرف من هذه الوزارة أو تلك الإدارة من دون وجه حق؟ هل يحق لأي طرف أو جهة أو مؤسسة أن يعترض مثلا على استخدام مسؤولين كبار لمقدرات البلد الخدماتية الرسمية في أمور شخصية؟ يا سيدي سؤال أبسط من ذلك كله، هل يمكن للنخب الشعبية أن تسأل عن وجهة الثروات الطبيعية ومداخيلها؟ ... اعتقد، والله اعلم، أن الاجابات واضحة.


لا أقول إن كل ما في بلدي جميل وان كل ما عند الآخرين بشع... فلست أعمى البصر والبصيرة. ولا أقول حتى إن القليل الموجود في بلدي يضاهي في عيني الكثير الموجود عند الاخرين... فلست نرجسيا. ولا أهاجم ما عند الآخرين لمجرد الهجوم لاني لم أصب بفيروس الحسد وبكتيريا الغيرة، بل أقول إن الآخر فعل وأنا لم أفعل. الآخر أقدم وأنا لم أقدم. الآخر نفذ وأنا ترددت. ولكن يحق لي ايضا أن أقول laquo;إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاعraquo;، وليتنازل من يتغنى بـlaquo;إنجازات الغيرraquo; عن الكثير من الممارسات والسلوكيات والقيم والمواريث والتقاليد السياسية والاجتماعية التي عاش في ظلها في الكويت كمدخل إلى التغيير... وتقليد laquo;الآخرraquo;.
أتمنى ألا يفهم من كلامي أي إساءة لا إلى الطامحين بالتغيير ولا إلى الغير. فلكل دولة تجربتها ولكل مجتمع خصوصياته ولكل حكم مفاتيحه ولكل حاكم طريقته، وعندما أقارن فليس من باب الدلالة على أننا صح والآخرين خطأ أو العكس، وإنما من باب الاشارة إلى التمايزات فقط. ويدهشني أن أكثر الجالدين للذات في الكويت والمقارنين لتجربتنا بتجارب دول الجوار هم أكثر المزايدين على الجميع بالحريات والديموقراطية وحرية الرأي والتعبير، وبعضهم من أكثر المتجاهلين للرابط الوثيق بين الحرية وبين المسؤولية والالتزامات القانونية والدستورية، فهل يستطيع هؤلاء أن يمارسوا جزءا مما يمارسونه في الكويت في دول أخرى قريبة يتغنون بها وبتجاربها ويطالبون الكويت بالاقتداء بها؟ هل يمكنهم احتلال الساحات وانتقاد السلطات؟ هل يستطيعون التظاهر والاعتصام؟ هل يحلمون laquo;هناكraquo; (مجرد حلم) بحصانتهم laquo;هناraquo; تحت القبة وخارجها؟


سيقول قائل إنه يمكننا الاقتداء بجزء من تجارب الغير التنموية مثلا وليس شرطا أن نتأثر بتجاربهم السياسية. وهذا كلام laquo;مأخوذ خيرهraquo; وقائله يعرف قبل غيره أنه لا يستوي لا شكلا ولا مضمونا. وأطال الله في عمر أحد المسؤولين الكويتيين الحكماء الذي رد على كثرة المتغنين بانجازات هذه الدولة أو تلك بالقول: laquo;اعطونا ديموقراطية (ديموقراطية بين مزدوجين) فلان وفلان ثم حاسبونا. غالبية مشاريعنا في الأدراج منذ سنوات وعقود لان البدء في تنفيذها يعني أن الاتهامات ستنطلق بأن السرقات انتشرت وأن جهات استفادت وأن التعديات توالت وأن الحكومات تجاوزت إرادة الشعب. أما في ديموقراطية الآخرين فالمشاريع تنفذ من دون أي اعتراض أو حتى التفكير في اعتراضraquo;.
لست عنصريا ولا يمكن أن أكون لأن العنصرية رديف للتخلف في قاموسي، لكنني لست من هواة جلد الذات على الإطلاق أو الانبهار بكل ما هو خارجي. عندما اتنقل بين محطات التلفزة العربية للدول القريبة والبعيدة واستمع إلى المسؤولين الرسميين والأكاديميين والمثقفين والفنانين وغيرهم وهم يتحدثون ويحللون في اتجاه واحد وبلغة واحدة قوامها تمجيد السلطة والتسليم بغياب المشاركة الشعبية... أحمد الله أنني في الكويت.
مرة أخرى، شجرة جذرها خمسون متراً في باطن الأرض وطولها الخارجي عشرة أمتار تختلف عن شجرة طولها الخارجي 500 متر وجذرها متر واحد في باطن الأرض... لست عنصريا، إنما عندما يتعلق الأمر بالكويت وكرامتها وكيانها فأنا عنصري ابن عنصري ابن عنصري.