حسن عبدالله جوهر

لله درّ من قال "إن عظيم النار يأتي من مستصغر الشرر"، فأحد مصاديق هذا القول هو "التويتر" الذي يشكل اليوم عصب التواصل الاجتماعي، حيث إن تغريدة لا تتعدى بضع كلمات يمكن أن تهيج مجتمعاً بأكمله وبسرعة قد تفوق انتشار النار في الهشيم.


وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها سجلت إضافات مهمة في الحضارة البشرية من خلال المعلومة والخبر وتقريب المسافات بين الأقرباء والأحبة، إلا في عالمنا العربي، حيث تحولت هذه الشبكات إلى ساحات حرب تبدأ بالشتائم والتنابز مروراً بالتحريض والتعبئة، وانتهاءً بمشاهد القتل والتفجير والتباهي والشماتة، وسرعان ما تدور العجلة من جديد لتبدأ جولة أخرى من هذا المسلسل القذر.


لماذا "التويتر" ساحة حرب؟ قد يكون معتوه هنا أو هناك، وقد يكون حاقد في هذا الخندق أو ذاك يغرد بشؤم غراب البين، لكن الطرف الآخر المتضرر أو المستهدف لا يكتفي بالرد إنما يطالب كل أتباعه بالنزول إلى الساحة لإثبات موقف، وسواء كانت ردة الفعل عاطفية أو "فزعوية" أو تهرباً من الاتهام بالجبن والضعف، يجد الجميع نفسه متورطاً في الفتنة بشكل مباشر أو غير مباشر.


بعدما يفرغ الجميع ما في جوفه من الشتائم وتذهب سكرة الغضب يستدركون ضرورة المحاسبة القانونية وإنزال القصاص، وبدلاً من أن يحاسب مثير الفتنة الأول يجر معه قائمة من الناس الذين فزعوا معه أو ضده إلى أتون المحاكم وتعقيداتها وشطارة محاميها، وتظهر المفاجآت فـ"ياكلها" من "ياكلها" ويفلت منها من يفلت، أما الحصيلة النهائية والحتمية؛ فتكون نشر الحقد والكراهية والاحتقان عند الجميع.


هذه البلوى بدأت تغرق مجتمعنا الصغير في وحل الطائفية والاصطفاف، وبدا يحلو حتى للشخصيات السياسية ومسؤولي الدولة الرسميين ركوب هذه الموجة لأنها أقصر الطرق وأسرعها نحو النجومية والبطولة، ولأن الانتماء المذهبي هو الأصل أما الدولة ومصلحتها العامة ومشاعر الناس ومفاهيم التعايش السلمي والأمن المجتمعي فلتذهب إلى الجحيم.


ما يزيد الطين بلّة الموقف الحكومي الباهت والمتردد في تفعيل قوانين الوحدة الوطنية، فالأجهزة المعنية إما تتفرج أو تتلاعب بالإجراءات أو تتحرك على استحياء نتيجة للضغوط السياسية والإعلامية، تاركة المجال أمام صف جديد من السادة المحامين المتحمسين الذين قد يسعى بعضهم أيضاً نحو الشهرة والفزعة الطائفية؛ بدليل أنهم يبدؤون مرافعاتهم على موقع "التويتر" قبل تحريك القضايا قانونياً، وتكتمل معها الحرب الطائفية، حيث كل جيش له متهمه المناضل وجنوده المدافعون عنه ومحامون متطوعون، مع غياب الحكومة المسؤولة عن حفظ النظام والمؤتمنة على رعاية معتقدات الناس وحرياتهم ومشاعرهم، فهل يعد ذلك سياسة حكومية متعمدة حتى ينشغل بعض الناس ببعض؟ الجواب عن هذا السؤال يكمن في تقديم الحكومة المئات من الشباب المعارضين لها سياسياً والكثير منهم من المغردين إلى القضاء! أليست الوحدة الوطنية والنسيج المجتمعي من أهم أركان الدولة التي لا تقل خطورتها عن مفهوم النظام السياسي وتحدياته؟ وهل تستوعب الحكومة مثل هذه التغريدة التي قد تكون مهمة في هذا الوقت بالذات؟!
&