باراك أوباما

تظل القيادة الأميركية الثابت الوحيد في عالم يتسم بانعدام اليقين، فنحن كأميركيين لا ننظر إلى المستقبل على أنه خارج سيطرتنا وبعيد عن متناولنا، بل كشيء يمكن صياغته وإعادة تشكيله نحو الأفضل من خلال العمل المشترك والدؤوب، وهو ما تبدى خلال الأيام الماضية عندما سعينا إلى تعبئة العالم لمواجهة إحدى أهم التحديات وأكثرها استعجالاً، فالولايات المتحدة تقود العالم في الحرب من أجل تقويض الجماعة الإرهابية المعروفة باسم «داعش» وتدميرها نهائياً، وذلك بعدما عمل التنظيم الإرهابي على ترويع المدنيين في العراق وسوريا.

&


وفي إحدى أبشع الجرائم التي يمكن تصورها أقدم التنظيم على قتل الأبرياء وجز رقابهم وتوثيق تلك الفظائع في أشرطة فيديو يتم توزيعها بهدف ترويع العالم وصدم ضمير المجتمع الدولي، ما يعني أنه لا وجود لعقل أو منطق يحثنا على التفاوض مع هذا الشر المستطير، ليبقى العنف اللغة الوحيدة التي يفهمها قتلة من هذا الطراز.

وضمن هذا الجهد الذي نحاول فيه التصدي للإرهاب لا تقف أميركا لوحدها، كما لا ننوي إرسال قوات أميركية لاحتلال أراض أجنبية، بل بدلاً من ذلك سنعمل على تقديم الدعم للعراقيين والسوريين الذين يقاتلون لاستعادة مجتمعاتهم وانتزاعها من براثن التطرف والإرهاب، ومن أجل ذلك سنستخدم قوتنا العسكرية ضمن حملة متواصلة من الضربات الجوية لدحر «داعش»، وسيكون إلى جانبنا أصدقاء وشركاء، من بينهم بلدان عربية.

كما سنعمل لتحقيق هذا الغرض على تدريب وإمداد القوات التي تقاتل الإرهابيين على الأرض بالعتاد، هذا بالإضافة إلى جهد متواصل لقطع مصادر تمويل الإرهابيين، ووقف تدفق المقاتلين الأجانب من وإلى المنطقة، وقد عرضت حتى الآن أكثر من 40 دولة الانضمام إلى التحالف الدولي ضد «داعش»، وشخصياً سعيت خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك إلى تعزيز هذا التحالف وحشد الدعم لجهوده الرامية إلى محاربة التطرف والإرهاب، وخلال الكلمة السنوية الأخيرة التي ألقيتها من على منبر الأمم المتحدة كنت حريصاً على تحدي العالم، وبخاصة المجتمعات الإسلامية للتعبير عن رفضها الواضح والقوي لأيديولوجية «القاعدة»و«داعش»، إذ لا يجب على الأطفال أينما كانوا أن يخضعوا لتعليم يحرض على الكراهية والعنف ضد الآخر، كما علينا قطع التمويل الذي يغذي التشدد والسعي لانتزاع الفضاءات التي يستغلها المتطرفون لبث أيديولوجيتهم المتشددة، بما في ذلك الإنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي، وفي الوقت نفسه على الدول بذل المزيد من الجهد لطرح رؤى وتصورات بديلة عن الخطاب المتطرف، والتوظيف الأمثل للإمكانات الاستثنائية لدى شبابها.

لكن القيادة الأميركية لا تنحصر في الحرب ضد «داعش»، بل تمتد إلى محاولة الوقوف في وجه الاعتداءات الروسية في أوكرانيا وحشد العالم ضدها، فنحن إلى جانب حلفائنا سندعم شعب أوكرانيا في مسيرته لتعزيز ديمقراطيته والنهوض باقتصاده، ولهذا الغرض لن نتوانى في مساندة شركائنا في حلف شمال الأطلسي، والحفاظ على التزامنا بالدفاع المشترك، وسنفرض على روسيا كلفة باهظة مقابل اعتدائها على الأراضي الأوكرانية، كما سنواجه التضليل والمغالطات الروسية بعرض الحقائق كما هي.

وسأناشد عدداً أكبر من البلدان للانضمام إلى الجانب الحق من التاريخ وعدم الانجرار وراء الرواية الروسية، والأكثر من ذلك تقود الولايات المتحدة معركة احتواء وباء إيبولا، ومكافحته في غرب أفريقيا، بحيث نعمل حالياً على نشر أطبائنا وعلمائنا، مدعومين بالجيش، للمساعدة في الحد من تفشي المرض والبحث عن وسائل علاج جديدة، ومن المملكة المتحدة وألمانيا إلى السنغال وفرنسا، بالإضافة إلى دول أخرى، يبذل الجميع جهدهم من خلال الدعم المالي وإرسال الإمدادات والموظفين، لكن ما زال أمامنا عمل أكبر لوقف انتشار الجائحة التي قد توقع مئات الآلاف من القتلى، وتتسبب في آلام لا حصر لها، وتزعزع استقرار الاقتصادات، كما قد تنتشر عبر الحدود إلى مناطق جديدة، لهذا سنستمر في حشد التأييد الدولي والحصول على التزام ملموس بدعم الجهود الرامية لوقف الوباء، وتعزيز الأمن الصحي للعالم على المدى البعيد.

وفيما يتعلق بالتغيرات المناخية، فإن أميركا تنخرط مع عدد أكبر من الشركاء والحلفاء لمواجهة الأخطار المتزايدة للاحتباس الحراري قبل فوات الأوان، فعلى الصعيد الداخلي قمنا بجهود كبيرة للاستثمار أكثر في الطاقة النظيفة، والحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، وخلق وظائف جديدة، أما خارجياً فنعمل على تقديم دعم مستمر للحد من التغيرات المناخية لأكثر من 120 دولة حول العالم، لكن المعركة ضد التغير المناخي لن تنجح إلا بتضافر جهود القوى الأساسية وانخراطها في العمل الجماعي، وهو ما دفعني لتوجيه دعوة إلى الدول المتقدمة، كما النامية للانضمام إلى المساعي الأميركية الرامية إلى وقف تداعيات التغير المناخي.

وأخيراً لن تدخر أميركا جهدها في التعامل مع تحديات اللحظة الراهنة، لأنه مهما بلغت خطورة تلك التحديات وكبر حجمها، لا توجد على وجه البسيطة دولة مهيأة أكثر للتصدي لها مثل الولايات المتحدة، فشعوب العالم ما زالت تتطلع إلينا للقيادة، ونحن من جهتنا نرحب بتلك المسؤولية لأننا في النهاية ورثة تركة مجيدة من الحرية، التي وكما أظهرنا خلال الأسبوع الماضي ما زالنا مستعدين للقيام بكل ما يلزم للحفاظ عليها، والدفاع عنها حتى تصل إلى الأجيال القادمة.
&